النقد الذكوري: لم صارت قضايا المرأة العربية مضحكة؟

النقد الذكوري: لم صارت قضايا المرأة العربية مضحكة؟

17 اغسطس 2017
+ الخط -

لم يعد غريباً ولا مفاجئاً، أن يُواجه أي حديث عن قضايا المرأة العربية والمساواة مواجهة ساخرة، وألّا يؤخذ على محمل الجد. هذا يحدث دائماً، إلى درجة صار فيها هذا الحديث وكأنه نكتة، لا باعتباره حواراً يتعلق بمصائر ناس كثيرين، وبضحايا ومجازر. لكن لماذا؟                                                                                                 يتذرع كثير من "التقدميين" العرب، بأن قضايا المرأة والمطالبات حولها عربياً، خاضعة لمنطق الهيمنة، ومرتبطة بالتجربة الأوروبية بشكل خاص وبفرض هذه التجربة على العالم. وهذه حيلة تتكرر من أجل تسخيف هذه المطالبات، لا مجرد نقدها. وهو "نقد" يمكن الرد عليه بمنطقه نفسه.

يواجه حاملو وحاملات دعوات المساواة عربياً، نفس الأسئلة التي يواجهها حاملو وحاملات دعوات الديمقراطية في الوطن العربي. لا جديد في هذه العلاقة، إذ إن هناك دائماً من هو جاهز ليقول إن الديمقراطية بناء أوروبي لا يراعي الخصوصية الثقافية العربية. ويتقاطع في هذا المنطق، سلفيون يرون العام مقتصراً على تراثهم، أو على تعريفهم للتراث، وآخرون يساريون وليبراليون يستغرقون في نقد الخطاب الكوني والعولمة، ويصل الطرفان إلى نفس النتيجة. ولم يعد هذا التقاطع مستغرباً على أية حال في زمن الثورات العربية.

يأتي تسخيف قضايا المرأة العربية، باعتبار أنها قضية هامشية، في مجتمعات ما زالت تواجه قضاياها الكبرى، وما زالت تقع تحت طيش الحروب الكلية.

في أماكن مختلفة من العالم، تصور المطالبات بالمساواة، باعتبارها نوعاً من المبالغة المضحكة، أو الترف النظري البعيد عن الواقع، وهي ليست كذلك في أي مكان على أية حال. لكن جزئياً، يمكن فهم، من دون تبرير طبعاً، تسخيف قضايا المرأة، واعتبارها قضايا ثانوية، في مجتمعات لا يخضع سلوك المرأة فيها إلى تهديد شامل، بالقتل غالباً، وتكون فيها حياتها، فرص نجاة متتابعة من هذا التهديد. لكن الغريب فعلا، أن يتم تصوير قضايا المرأة العربية، مع كثير من جرائم القتل اليومية، ومع نساء محرومات من الخروج من البيت والعمل، باعتبارها قضية سخيفة.

وعلى عكس حيلة الهيمنة المذكورة، يمكن الادعاء أن هذا التسخيف قادم من سياق آخر، وأن لا مراعاة أبدا فيه، للسياق العربي، وللمشاكل الخاصة التي تواجهها المرأة العربية.

الأهم أن ثمة تحايلا على الديمقراطية مثلا، بحجة نقدها، وصارت كل الحركات غير الديمقراطية، حسب المفكر عزمي بشارة مثلا، تتذرع بأن كل ما لا تريده قادم من الغرب. وهذا ينطبق بالضبط على المساواة وأسئلة النوع الاجتماعي.

ثمة استغراق إذن في نقد "الثقافة الكونية" إلى درجة يتم فيها القفز عن حقوق الناس اليومية، وثمة مبالغة في تبييء (localization) القضايا، إلى درجة تشبه المبالغة في عولمتها. 

لقد تحولت المبالغة في التأكيد على الخصوصية الثقافية عربيا بخصوص موضوع المساواة وقضايا المرأة، إلى موقف ذكوري بامتياز. صار يمكن للمحافظين، ومنهم من يعتقد أنه تقدمي، أن يستغلوا هذه "الخصوصية المفترضة" من أجل الهجوم على أي مطالب تتعلق بقضايا المرأة العربية.

الطريف أنه يتم تحويل نقد العولمة في هذه الحالة، من نقد أخلاقي، إلى نقد ينقلب على الأخلاق. ومن نقد للتفاوتات إلى نقد من أجل تعزيز التفاوتات.

كثير من الذين يسعون جاهدين للتأكيد على هذه الخصوصية، يتعاملون مع التفاوتات الاقتصادية باعتبارها كونية مثلا، وكذلك مع الاستعمار والعنصرية، إلخ. لن يبدو منطقيا لهؤلاء، أن نقول إن المطالبة بحقوق العمال مثلا، هي مطالبة بنت سياق مختلف، ولنا فيها خصوصيتنا.

الاختلاف هنا فقط يتعلق بقضايا المرأة، ولذلك أظن أنه مجرد محاولة من أجل تغليف الذكورية بالنقد.


ضمن ملف "تدوينات نسوية".

دلالات