هزيمة المالكي في الأنبار

هزيمة المالكي في الأنبار

06 يونيو 2014
+ الخط -
يوم أعلن نوري المالكي خوض معركة في الأنبار ضد العرب السنة، أحسست أنه خرج من نطاق المالكي الذي كان يحاول أن يوهم نفسه، ويوهم من حوله، بأنه رجل يؤمن بالديمقراطية والتسامح والخروج من عباءة الحاكم الديكتاتور، ويصور نفسه للعراقيين والعالم على أنه القائد الضرورة، لكن، سرعان ما تحول إلى حاكم يحب المغامرة، على حساب دماء العراقيين.
قبل الحرب، كنت أراقب، عن كثب، تصريحاته النارية، وأحللها يومياً، كانت تصريحات تفوح منها رائحة الدم والموت والقتل. وفي داخلي، كنت أستغرب أيما استغراب من فعله، ومن طريقة تفكيره في إدارة البلد، هي تصريحات أعادتني، قليلاً، إلى الوراء، إلى أيام خطاب هتلر والحقبة النازية وخطاب قادة الحروب والدعوة لقتل الشعوب. وأقول ماذا يفعل هذا الرجل بنفسه، وإلى أين يسير بالعراق، فالعراق من أزمة إلى أخرى، ومن فشل إلى آخر. وهنا، حاولت تفسير ما يدور في داخله، لم أجد إلا شخصية مليئة بالتناقضات والعقد النفسية. والمشكلة الأعظم أن القيادات الأمنية تحاول دائما إقناعه بأن الحرب على الإرهاب في الأنبار، بخير، وتم القضاء على الإرهابيين، وهم فرحون بهذه الإنجازات.
الواقع غير ذلك تماماً على الأرض، وقد تعرض، أخيراً، قائد الصحوات التي تساند القوات الحكومية العراقية في قتالها في الأنبار، محمد خميس أبو ريشة، لعملية نوعية، بتفجير حزام ناسف مع عدد من القادة في منطفة السبعة كيلو بالرمادي. ويتعرض الجيش يوميا إلى عمليات نوعية، تارة بالقصف الصاروخي على مقراته، وأخرى بالمواجهات المسلحة، وزرع العبوات الناسفة التي تستهدف عجلاته، بالإضافة إلى أن سيطرة ثوار العشائر والجماعات المسلحة على أجزاء كبيرة من قرى الرمادي والفلوجة كانت ردا واضحاً صريحاً، ورسالة مدوية، بأن المالكي خسر معركة الأنبار، وعليه أن يكون شجاعاً، ويعلن خسارته المعركة، ولم يعد هناك مجال لإخفاء حقيقة الهزيمة على الإعلام، على الرغم من التضليل الإعلامي الكبير الذي يُمارس، وبُعد الاعلام الاجنبي والعربي عن عين الحقيقة.
 أعرف أن هذا الكلام سيكون بمثابة السهم القاتل لكم، لكن، لابد من أن تظهر الحقيقة، حتى يقف القصف العشوائي على المدنيين العزل، وتعود العوائل المهجرة في العراء إلى منازلها، ويعود أبناء الجنوب في الجيش إلى أهاليهم، وحتى يتسنى للجيش إيصال جثث من قتل منهم، وإسعاف الجرحى. والأهم هو خروج المالكي، في مؤتمر صحافي، يقول إن على الجيش الانسحاب فوراً من أرض الأنبار، وليأخذ أبناء العشائر دورهم الحقيقي يداً بيد، من أجل إعادة المحافظة المدمرة، ويعترف المالكي، شخصياً، بأنه خسر الأنبار أرضا وشعبا، ورب سائل يسأل كيف يعلن عن خسارته، وهو الآن في حرب مصيرية داخلية ونفسية مستعرة بينه وبين الائتلاف الشيعي والائتلافات الفائزة الأخرى، السنية والكردية والعلمانية التي ستحدد حلمه لولاية ثالثة.
وهل كاتب المقال لهذه الدرجة من السذاجة العسكرية والسياسية بمكان؟
لن يعلن المالكي خسارته، مهما كانت الظروف، ولو قدمت له الولاية الثالثة على طبق من ذهب، في مقابل أن يجهر بها، وهذه هي الكارثة، عدم الاعتراف بالأخطاء. وأعتقد أن المالكي، في الأيام المقبلة، يحاول تسوية الأمور في الأنبار، وتجيرها لصالحه، ولصالح الولاية الثالثة، وسيستمر حتى مع هذا الفشل والخسارة. نعم سيستمر، وأعتقد، أيضاً، أنه سينتحر، هذه المرة، في دخوله إلى الفلوجة، وأقصد الانتحار العسكري، وإعطاء المزيد من الخسائر، لأنه يبحث عن الظهور بمظهر البطل والقائد الصلب، أمام خصومه، لنيل الولاية الثالثة الذي يجري الآن من قصف شديد على أحياء في الفلوجة والرمادي، بطريقة هستيرية خير دليل.
العقل يقول، وكذلك التحليل العسكري، إن إرسال قطعات الجيش ليس نزهة، كما كان يتصور المالكي وقياداته، فهناك عوامل عدة أفشلت هذه المعركة، وأن تستمر في هذا الفشل المتواصل. ولايختلف معي كثيرون في أن عامل الفشل، منذ البداية، كان حليف هذه المعركة، والدليل أن أغلب المحللين العسكريين صرحوا، مراراً وتكراراً، أن المالكي لن يستطيع الانتصار على الفلوجة والرمادي، وتوقعوا له الهزيمة مقدماً.
في مقابلة مع قناة الجزيرة الانجليزية، يوم 6 يناير/كانون الثاني 2014، أي بعد أيام من بدء المعركة في الأنبار، صرح نائب قائد العمليات الأمريكية في العراق سابقا، الجنرال مارك كيميت، أن جيش المالكي لا يمكنه، على الإطلاق، الانتصار على الفلوجة والرمادي، وأن خيار الحكومة العراقية الوحيد هو التعاون مع تلك العشائر، بدلا من محاربتها.
ويعد تصريح الجنرال كيميت، هناك شهادة من قائد عسكري خبير، ذاق طعم الهزيمة في العراق سنوات، ويقول مثل عراقي شعبي قديم: اسأل مجرباً، ولا تسأل حكيماً، وقد ذاقت قوات محتلة أميركية ذاقت الأمرّين في الفلوجة والرمادي، وأسست لقدوم الفشل مع الخسارة، بالإضافة إلى أمر مهم، هو العقيدة القتالية التي يحملها الجندي العراقي، وهي عقيدة غير معززة بعقيدة الاستبسال، من أجل القضية، وهروب أغلب الضباط والجنود دليل واضح. 
وإطالة هذه الحرب بفشلها هو عامل تصفية حسابات قديمة مع أطراف داخل الأنبار، لتدمير المحافظة أكثر، ومعظم أحياء الرمادي تشبه الآن قرى ومدناً سورية مدمرة، مع الأسف.
أكثر من خمسة أشهر دمار وخراب ودماء. ما الذي تغير في الأنبار، منذ بدء الحرب. فقط، الدماء تسيل واتباع الجيش سياسة الأرض المحروقة. هل قضينا على "داعش"؟ الجواب لا. مازال المسلحون موجودين، وزاد عددهم أضعافا بتصرفاتكم، فالعنف لايقابله إلا عنف، وتدمير منازل الآمنين لا يقابله إلا حقد. وهنا لا بد أن نقولها واضحة، إن المالكي خسر معركة الأنبار، وعليه الاعتراف.


 

avata
avata
أحمد الفراجي (العراق)
أحمد الفراجي (العراق)