نقاشات تونسية حول مبادرة الغنوشي لـ"المصالحة العامة"

نقاشات تونسية حول مبادرة الغنوشي لـ"المصالحة العامة"

28 ابريل 2016
من الاحتجاجات الاجتماعية في العاصمة تونس (ياسين القائدي/الأناضول)
+ الخط -
أثار حديث زعيم "حركة النهضة" راشد الغنوشي، حول مبادرة "المصالحة العامة"، إثر لقاء جمعه بالرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، يوم السبت، تساؤلات حول فحوى المبادرة وعلاقتها بمنظومة "العدالة الانتقالية"، التي جرى تركيزها في البلاد، بعد ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، وعن الرابط بينها وبين مبادرة "المصالحة الاقتصادية" التي قدمها السبسي منذ أشهر.

وكانت النقاشات حول مشروع قانون "المصالحة الاقتصادية"، قد خفتت إثر احتجاجات شعبية قادتها "الجبهة الشعبية" والأحزاب المعارضة خارج البرلمان، و"الاتحاد العام التونسي للشغل" وعدد من منظمات المجتمع المدني، للمطالبة بسحب المقترح والاكتفاء بمسار "العدالة الانتقالية"، الذي يضمن المحاسبة قبل المصالحة. قبل أن تظهر مبادرة الغنوشي، الداعية لتوسيع معنى المصالحة لتكون شاملة، ولا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط. لكن مبادرة زعيم "حركة النهضة" أحدثت لبساً لدى الرأي العام، وحتى داخل الحركة نفسها، إذ لم تتّضح بعد ملامح مبادرته، ولم تُنَاقَش بشكل كاف داخل أطرها.

وفي السياق، ذكر الغنوشي أن "لقاءه رئيس البلاد، جاء في إطار بذل الجهود من أجل التهدئة السياسية والاجتماعية، والبحث في الملفات العالقة من الماضي"، مقترحاً أن "تُطوى صفحة الماضي بالعفو العام، وتشكيل صندوق وطني لتعويض الضحايا، والتخفيف من أثقال الماضي". وشدّد على أن "البلاد لم تعد تتحمّل الأحقاد، لذلك وَجب التفكير في هذا الملف، من أجل طيّ صفحته حتى تتمكن البلاد من التقدم".

من جهته، يشير رئيس مجلس شورى الحركة، فتحي العيادي لـ"العربي الجديد"، إلى أن "ملامح المبادرة لم تتّضح بعد، فالحركة أطلقت شعار المصالحة الشاملة، لكنها لا زالت تبحث مع شركائها في تفاصيل مبادرة المصالحة الوطنية الشاملة، التي قد تستوعب المصالحة الاقتصادية والعدالة الانتقالية، ولها علاقة بملفات أخرى". ويعتبر أن "الفكرة الأساسية هي أن البلاد في حاجة ملحة للمصالحة وأن يتم التشاور حول ملامحها".

كما يُبيّن العيادي أن "المشاورات ستجيب على أسئلة عدة، من بينها ما هي علاقة هذه المبادرة بالعدالة الانتقالية، وعلاقتها بالجهود المبذولة في مجلس نواب الشعب، بغية إيجاد توافقات حول مبادرة مصالحة جديدة قدمتها الحركة، وعلاقتها بالوضع السياسي العام في البلاد". ويلفت إلى أن "الأهم هو المرور لتجسيد هذه المصالحة الشاملة، في حال الانتهاء من صياغة تفاصيلها، لأن البلاد لم تعد تحتمل الركود الاقتصادي والاجتماعي".
وفي هذا الإطار، يرى العيادي أن "المبادرة تندرج في سياق التناغم مع خيار عبرت عنه الحركة في مناسبات سابقة، نادت فيها بالمصالحة الوطنية، التي تُعدّ العدالة الانتقالية جزءاً منها، إلا أن التطورات في البلاد أصبحت تتطلّب مفهوماً أوسع".
كما يعتبر العيادي أن "المبادرة لم تُدرّس بعد داخل مؤسسات الحزب، لكنها ستُمثل أهم النقاط التي سيتم تداولها في مؤتمر حركة النهضة الصيف المقبل"، ويلفت في هذا السياق إلى أن "الحركة قيادات وقواعد تصطف وراء شعار المصالحة الشاملة، لكن تفاصيلها ومضامينها تبقى محل نقاش سيتم طرحه خلال المؤتمر".

إلى ذلك، يكشف العيادي أن "مبادرة جديدة تهم المصالحة الاقتصادية شبيهة بمبادرة السبسي مع بعض التعديلات التي قدمتها الكتل الأخرى"، مبرزاً أن "التقارير التي رُفعت من كتلة الحركة، تُفيد بوجود تقدم كبير في المناقشات مع أغلب الكتل". ولم يستبعد العيادي أن "تحلّ هذه المبادرة محل مبادرة رئيس الجمهورية، خصوصاً أنها تستوعب الجانب الاقتصادي من جهة، وتأتي في إطار مراكمة المقترحات من جهة أخرى".

وفي هذا السياق، تجري اجتماعات غير معلنة، في إطار البحث عن توافقات وصيغ معدلة حول مبادرة "المصالحة الاقتصادية"، تقودها "حركة النهضة". وستمثل الصيغة الجديدة، وفق ما أكدته مصادر لـ"العربي الجديد" البوابة الجديدة لعودة مقترح السبسي، ولكن في إطار "توافقي". وستُطرح بالتزامن مع مناقشة المشروع في بداية شهر مايو/أيار المقبل، بموافقة قاعدة عريضة من نواب الائتلاف الحاكم وبعض نواب المعارضة، إذ تجري اتصالات مع "الكتلة الديمقراطية الاجتماعية" برئاسة النائب عن الحزب "الجمهوري" إياد الدهماني. ولم تُستثنَ أيضاً "الكتلة الحرة"، الممثلة لحزب "حركة مشروع تونس"، بزعامة محسن مرزوق من النقاشات حول المشروع.

وفي حين أكدت قيادات من كتلتي "نداء تونس" و"النهضة"، أنه "تم التشاور مع جميع الكتل ويرتقب أن يتم التوافق حول المشروع قبل انطلاق مناقشته"، فإن المتحدث الرسمي باسم "الجبهة الشعبية"، حمة الهمامي، ينفي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "تكون الجبهة قد تلقّت أي دعوة للتشاور"، مؤكداً أن "الجبهة الشعبية سترفض المحتوى المعدّل كما الأصلي، لتوفّر أسباب الرفض، وهي خرق الدستور والاعتداء على مسار العدالة الانتقالية". وأعاد التذكير بأن "الائتلاف الحاكم حاول إعادة المصالحة الاقتصادية من باب قانون المالية لسنة 2016، لكن المحكمة الدستورية المؤقتة أسقطته". ويُعلّق الهمامي على مبادرة المصالحة الوطنية الشاملة التي قدمها الغنوشي، معتبراً أنها "جزء من مناورات سياسية ليس أكثر، في إطار منطق المقايضة، فالحركة ستقدم المصالحة الاقتصادية التي يصر عليها السبسي باعتبارها تهم أطرافاً من النظام السابق. في المقابل سيتم تفعيل العفو التشريعي العام". ويُشدّد الهمامي على أن "تقديم مبادرات جديدة والتعلل بتعثر مسار العدالة الانتقالية لا يعد سبباً منطقياً، بالعودة لتصريحات رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة (سهام بن سدرين)، التي اشتكت تعطيل السلطة التنفيذية لأشغالها وتعمد تجاهل مطالبها".