من هنا وهونيك

من هنا وهونيك

19 يوليو 2020
+ الخط -

ـ في محاولة منها للتوازن بين إعادة الحياة إلى طبيعتها، وبين مكافحة انتشار فيروس كورونا الجديد، سمحت السلطات اليابانية لمدن الملاهي بالعمل واستقبال الزوار، لكنها منعت الصراخ في الألعاب البهلوانية التي يركبها الناس أصلاً ليستمتعوا بالصراخ من شدة الرعب، مبررة ذلك بأنّ الصراخ سيقوم بنشر الرذاذ الذي يحتوي على الفيروس ويقوم بالمساعدة على انتشاره بين رواد الملاهي، وأنّ الأقنعة ربما تساهم في تقليل نشر الفيروس لكن درجة فعاليتها تقل مع علو درجات الصراخ.

مساهمة في توعية رواد الملاهي، قام مسؤولو مدينة ملاهي فوجي كيو هايلاند الشهيرة بعمل فيديو يظهر عدداً من موظفي المدينة، من بينهم اثنان من كبار المديرين، وهم يركبون لعبة شديدة الخطورة، دون أن تصدر عنهم أية أصوات على الإطلاق، خاتمين الفيديو بعبارة إرشادية تقول: "من فضلك اصرخ جوّه قلبك".

ـ من الحسنات القليلة لوباء كورونا الجديد، قيامه بإنقاذ حياة ملايين الحيوانات البرية التي كانت تتعرض للقتل على الطرق خصوصاً الطرق التي تقطع الكثير من الغابات والمناطق البرية، ففي ولاية كاليفورنيا الأميركية وحدها انخفض عدد الحيوانات التي تلقى مصرعها في حوادث الطرق بنسبة 70%، طبقاً لدراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا التي كانت قد نشرت في دراسة سابقة أنّ انخفاض حركة السير على الطرق في العالم يمكن أن يقوم بإنقاذ حياة أكثر من 200 مليون حيوان، فضلاً عن إنقاذ حياة "الحيوانات اللي سايقين".

ـ طبقاً لإحصائية أجرتها مجلة "ذي إيكونوميست" يعتقد 71% من الأميركيين أنه من الضروري جعل ارتداء الأقنعة والكمامات إلزامياً في الأماكن العامة، في حين يعارض 26% من الأميركيين هذا القرار، وفي حين يساند 91% من الديمقراطيين هذا القرار الضروري لوقف انتشار فيروس كورونا الذي تشهد أرقامه صعوداً فلكياً خصوصاً في الولايات الجنوبية، يساند القرار 53% فقط من الجمهوريين، أما مؤيدو دونالد ترامب من الجمهوريين فيعارضون القرار بنسبة 54%، في حين يوافق عليه 42% فقط من مؤيديه، وهو رقم ارتفع فقط بعد تصاعد موجة الإصابات في كثير من الولايات التي يديرها حكام جمهوريون استهانوا كثيراً بالفيروس، وهو ما اضطر ترامب إلى ارتداء الكمامة لأول مرة، في الأسبوع الماضي، خلال زيارة له إلى إحدى المستشفيات التي يعالج فيها عسكريون جرحى، لكي يسمح له بدخول المستشفى، واستغلال تلك الزيارة في دعايته الإنتخابية.

في الوقت نفسه، قال إحصاء نشره موقع "إبسوس"، الأسبوع الماضي، إنّ 32% فقط من الأميركيين لديهم ثقة في الطريقة التي تتعامل بها السلطات الفيدرالية مع الوباء، بينما كانت نسبة هؤلاء قد وصلت إلى 53%، في مارس/ آذار الماضي، في حين وصلت نسبة الذين يثقون في مسؤولي الولايات إلى 55%، وهي نسبة كانت قد وصلت إلى 71%، في مارس/ آذار الماضي، وبالطبع لم يحدث ذلك الانخفاض الكبير من فراغ، بل حدث بعد موجة مريعة من الإصابات والخسائر المادية، تنشر الصحف ووسائل الإعلام تفاصيلها كل يوم بشكل يثير مشاعر الغضب والسخط ضد ما تعرض له الأميركيون من تضليل على يد ترامب وإدارته وحكام الولايات القريبين منه، وآخر ما قرأته من هذه القصص قصة عسكري متقاعد اسمه ريتشارد روز عمره 37 عاماً من ولاية أوهايو، كان من أشد المتحمسين لنشر نظريات المؤامرة المتعلقة بالفيروس والمعارضين لارتداء الكمامات، وأصرّ على الذهاب إلى حمام سباحة مزدحم، في منتصف الشهر الماضي، ليلتقط الفيروس، وحين تدهورت صحته، تم تشخيص إصابته بالفيروس، في 1 يوليو/ تموز، ليكتب على "فيسبوك" شاكياً من مضاعفات حالته الصحية، ويفارق الحياة بعدها بثلاثة أيام.    

ـ بسبب وفرة تفاصيلها الحزينة، ربما لن تجد هذه الواقعة طريقها إلى السينما الآن، برغم أنها تحتوي على كل العناصر المؤثرة. بطل الواقعة التي نشرت، هذا الأسبوع، مواطن أميركي اسمه برايان هيرينجتون، فارق الحياة قبل 16 سنة، واختار قبل وفاته أن يتبرع بأعضائه لمن يحتاجها، فأنقذ بذلك الاختيار حياة 4 أشخاص من بينهم مواطن أميركي يعمل كهربائياً اسمه جيفري جرانجر، زُرعت فيه كلية تيري وبنكرياسه.

مع مرور السنين نشأت علاقة صداقة وثيقة بين جيفري والسيدة تيري زوجة برايان التي كان يعزيها على فقدان زوجها، أنه كان سبباً في إنقاذ حياة أربعة أشخاص.

في العام الماضي، تعرض جيفري لأزمة في كليته الأخرى، وبدأ في ممارسة غسيل الكلى بانتظام، لكن حالته تدهورت وأصيب بالفشل الكلوي، وحين عرفت تيري بالخبر، عرضت التبرع له بإحدى كليتيها، ولم يكن عرضها "عزومة مراكبية"، فكليتها الآن تستقر في جسمه إلى جوار كلية زوجها الراحل، لتساهم في إطالة حياة جيفري للمرة الثانية، معلقة على ذلك بقولها "أصبحنا معاً من جديد".

ـ قصة أخرى أكثر إيجابية ربما يكون حظها السينمائي أفضل، بطلها سائق أوتوبيس مدرسي في ولاية ماساشوسيتس الأميركية اسمه كلايتون وورد، قام بتوجيه الشكر للطلاب الذين ركبوا معه في السنين الماضية، لأنهم ألهموه قرار أن يحول مساره الوظيفي ليصبح مدرس تاريخ.

بدأت الحكاية حين استمع كلايتون إلى بعض الطلبة وهم يتحدثون عن ما يدرسونه في مادة التاريخ، فقام بتصحيح معلوماتهم بأسلوب بسيط، فقال له أحدهم: "يا ليتك كنت من تدرسنا التاريخ"، وحين تكررت تلك العبارة كلما قام بتصحيح معلومة لأحد الطلبة، أو حين يقصده بعضهم ليسأله عما لم يفهمه في حصة التاريخ، قرر كلايتون البالغ من العمر 30 عاماً، والذي اضطرته ظروفه إلى عدم استكمال دراسته الجامعية، أن يلتحق بإحدى الكليات الحكومية ذات المصاريف المنخفضة، ويجمع بين قيادة الأوتوبيس المدرسي والتعليم، ليتخرج هذا العام بتقدير مرتفع، ويتمكّن من الالتحاق بجامعة فرامينغهام للحصول على شهادة جامعية في التاريخ والتعليم، ستجعله مؤهلاً للتدريس بعد التخرج، على أمل ألا تكون تجربته مع التدريس سيئة في المستقبل، فيلعن اليوم الذي ترك فيه سواقة الأوتوبيسات.

ـ قصة ثالثة نشرت هذا الأسبوع ربما تكون حظوظها مع السينما أفضل بسبب قسوة تفاصيلها التي يمكن أن يتعرض لها كثير من مستخدمي السوشيال ميديا، بطلتها مواطنة أميركية سافرت إلى نيجيريا العام الماضي، لكي تلتقي بشاب نيجيري تعرفت عليه عبر "فيسبوك"، وأغراها بأن تترك كل شيء وتسافر لتعيش معه برغم فارق السن الكبير بينهما، فهي تبلغ من العمر 64 عاماً، وتقاعدت بعد سنوات من العمل كموظفة حكومية، وتقيم في العاصمة الأميركية واشنطن، وقد حجبت السلطات اسمها حفاظاً على خصوصيتها، أما العاشق النيجيري الافتراضي تشوكويبوكا كاسي أوبياكو، فيبلغ من العمر 34 عاماً، وقد نشرت وسائل الإعلام اسمه وصورته ليعم الحذر منه مستقبلاً.

كان تشوكويبوكا قد أوفى بوعده لضحيته الأميركية، فتزوجها فور وصولها إلى لاغوس، لكنه بعد حفل الزفاف، قام باحتجازها في غرفة فندق، واستولى على بطاقاتها الائتمانية وحصل منها على تفاصيل حساباتها البنكية، واستولى منها على مبلغ قدره 48 ألف دولار أميركي هو كل ما طلعت به من الدنيا، ثم بدأ يستغلها كواجهة لخداع أصدقائها وطلب مبالغ مالية منهم، ثم انتقل بعد ذلك ليخدع بها آخرين ممن يغويهم لون الباسبور الأميركي، وظلت المسكينة رهينة غرفتها طيلة هذه الفترة، دون أن يسمح لها بالخروج منها، وكان يمكن أن تبقى فيها فترة أطول، لولا أن تلقت السلطات النيجيرية بلاغاً عن حالتها تقدم به "مواطن نيجيري شريف ومتحضر" طبقاً لنص البيان الرسمي، الذي أشار إلى أن السلطات الأمنية قامت، الشهر الماضي، بإنقاذ امرأة فلبينية تعرضت للخداع الرومانسي عبر "فيسبوك" أيضاً.

وبالطبع ليست هذه دعوة لتحذيرك من اكتساب أصدقاء افتراضيين في نيجيريا أو غيرها، وإنما دعوة لأن تكون مشاريع الزواج أكثر واقعية وأقل افتراضية، لذا لزم التنويه.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.