من مخاطر ورشة البحرين

من مخاطر ورشة البحرين

03 يوليو 2019
+ الخط -
على الرغم من انتهاء ورشة "السلام من أجل الازدهار.."، والتي انتظمت في المنامة أخيرا، من دون صدور قراراتٍ جدية، وعلى الرغم من رفض الفلسطينيين هذه الورشة ومقاطعتهم لها، كما قوى عربية ودولية أخرى، ومع ما أحدثته أجواء الرفض والمقاطعة الواسعة من ردة فعل جيدة في الشارع العربي، حين أعادت القضية الفلسطينية إلى النقاش العربي بعد بعض الغياب والانحسار، ما تجلى في مسيرات وندوات وفعاليات وأنشطة ومؤتمرات، في بلاد عربية وإسلامية، رفضت ورشة البحرين هذه، وأكدت كل الدعم للقضية الفلسطينية، على الرغم من هذا كله، شكلت الورشة محطة سيئة في تاريخ القضية الفلسطينية، وتراجعا كبيرا وخطيرا في مواقف رسمية لبعض الأنظمة العربية من إسرائيل والقضية الفلسطينية، وخاصة أنظمة خليجية، وتحديدا السعودية المرجح أنها صاحبة قرار اختيار عاصمة البحرين مكانا للمؤتمر.
مجرد انعقاد ورشة البحرين لمناقشة القضية الفلسطينية، بمشاركة وفود عربية وإسرائيلية في عاصمة عربية، وغياب أصحاب القضية وممثليهم الشرعيين الذين ناشدوا المنامة أن ترفض هذه الاستضافة التي لم يعد القرار بشأنها بيد النظام البحريني، شكل ذلك انهيارا خطيرا للمواقف العربية التي تبنت شعار أن العرب يقبلون ما يقبله الفلسطينيون، ويرفضون ما يرفضه الفلسطينيون، إذ يعتبر لقاء ورشة البحرين قبولا من بعض العرب بما تريده إسرائيل وما يرفضه الفلسطينيون، وهذا خطير للغاية، فهو جزء أساسي في صفقة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والمتمثل بإخراج العرب من القضية الفلسطينية، وضرب عمقها العربي، وذهاب بعض الأنظمة العربية باتجاه التطبيع مع إسرائيل، باعتبارها كيانا شرعيا وطبيعيا في المنطقة، كما قال وزير خارجية نظام البحرين، خالد آل خليفة، لقنوات تلفزيونية عبرية، ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى مدحه ووصفه جريئا، في مشهدٍ يذكّر الفلسطينيين بمدح ضباط المخابرات الإسرائيليين صغار العملاء والجواسيس.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أكثر ما يعني إسرائيل من الورشة في البحرين هو مجرد عقدها، حتى من دون اتخاذ أية قرارات، لأن انعقادها في عاصمة عربية، وبحضور عربي، وإسرائيلي إعلامي وأهلي، يعني التخلي عن المبادرة العربية للسلام التي، مع علاتها الكثيرة، اشترطت 
التطبيع العربي مع إسرائيل بعد حل القضية الفلسطينية والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية التي تم احتلالها في يونيو/ حزيران 1967. وبذلك تكون السعودية، صاحبة المبادرة العربية، قد تخلت عنها. كما أن انعقاد الورشة اليوم في البحرين يعني تكرارها مستقبلا في تل أبيب، وبحضور وفود عربية رسمية، ما يعني إنجازا إسرائيليا كبيرا بإخراج العرب من القضية الفلسطينية، وترك الفلسطينيين وحدهم لمواجهة مصيرهم، في ظل خلل كبير في موازين القوى الإسرائيلية والفلسطينية.
يعتبر قرار الإدارة الأميركية عقد الورشة، وتوجيه الدعوات، واختيار الزمان والمكان والبرنامج، من دون علم القيادة الفلسطينية، ودعوتها فلسطينيين هامشيين، تحولا سلبيا في رؤية هذه الإدارة للشعب الفلسطيني وقيادته وممثليه، ويعد امتدادا لإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وإغلاق القنصلية الأميركية في القدس التي كانت تتولّى إدارة الشؤون الفلسطينية ورعايتها، قبل دمجها بسفارتها في إسرائيل، وتحويل الخدمات الفلسطينية إلى قسم صغير يتبع السفير الأميركي في إسرائيل، ما يعني تفتيت الشعب الفلسطيني وتمثيله وتحويله مجموعات من السكان التي تحتاج تحسين ظروف حياتها اليومية فقط، من دون حقوق سياسية وقومية جماعية.
يُعدّ قبول أنظمة عربية انعقاد الورشة في المنامة والمشاركة فيها مماشاةً للسياسة الأميركية لإدارة ترامب، المتمثلة بإلغاء كل المرجعيات الدولية لحل القضية الفلسطينية من مجلس الأمن والأمم المتحدة والقرارات والقوانين الدولية ذات الصلة، وتفرد الإدارة الأميركية بحل القضية الفلسطينية، ممثلة بالطاقم الثلاثي، جيسون غرينبلات وجاريد كوشنر وديفيد فريدمان، والذين تجاوزوا أغلبية الخريطة الحزبية والسياسية في إسرائيل في تطرّفهم ومواقفهم اليمينية الاستيطانية تجاه القضية الفلسطينية. وكان نتنياهو قد قال إن القيادة الفلسطينية ستكتشف أن التفاوض مع نتنياهو أفضل بكثير من التفاوض مع الإدارة الأميركية في فترة الرئيس ترامب، وهي إدارة تمثل سيطرة اليمين الإنجيلي، صاحب المواقف الأكثر تطرّفا تجاه القضية الفلسطينية والقضايا العربية والإسلامية.
على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، يعتبر رئيس الحكومة نتنياهو الأكثر استفادة من ورشة البحرين، خصوصا أنه من طرح فكرة عقدها، ولكن عبر الإدارة الأميركية، والتي تعكس رؤية نتنياهو تجاه القضية الفلسطينية، والمتمثل بتعميق الاحتلال والاستيطان، وعدم قبول الحلول السياسية، والتعويض عنها بالحلول الاقتصادية، إذ أكدت ورشة المنامة أن الاحتلال باق ومستمر، ولكنها خيّرت الفلسطينيين باحتلال مع ظروف حياتية جيدة أو احتلال في ظروفٍ حياتية قاسية محمّلة القيادة الفلسطينية المسؤولية، كما أن الورشة تظهر نتنياهو الوحيد الذي استطاع توجيه الإدارة الأميركية الحالية وفق برنامجه السياسي، وأنه الزعيم الإسرائيلي الوحيد الذي استطاع كسر الإجماع العربي، وتطويع أنظمة عربية لقبول إسرائيل، والتعامل معها بوصفها جزءا أصيلا وطبيعيا من المنطقة والتحالف معها ضد الأعداء المصطنعين، وأنه استطاع إحداث تغييرات كبيره في أولويات الأنظمة العربية، حيث لم تعد القضية الفلسطينية ضمن الأولويات.
والأخطر أيضا في ورشة البحرين، والتي ناقشت الأوضاع الاقتصادية والحياتية للشعب 
الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، أنها برأت إسرائيل من مسؤولياتها في عدم نهوض الاقتصاد الفلسطيني، ولم تتطرق إلى الأسباب الحقيقية لضعفه، حيث لم تتحدث عن سيطرة إسرائيل على ثلثي أراضي الضفة الفلسطينية، وعن المياه الفلسطينية وكل الثروات الفلسطينية، كما قيودها على الحركة الداخلية والخارجية، سواء للأفراد أو البضائع أو الأموال، فيما اتهمت القيادة الفلسطينية بالمسؤولية عن انهيار الاقتصاد الفلسطيني، سواء في ما أسمته الفساد أو عدم استلام أموال المقاصة المنقوصة بعد خصم الاحتلال مبالغ تذهب مخصّصات لأسر الشهداء والمعتقلين.
لا يمكن التقليل من أهمية مقاطعة القيادة الفلسطينية والرئيس محمود عباس ورشة البحرين، فقد أضعفت هذه التظاهرة، ما انعكس على مخرجاتها الباهتة، غير أن من الخطأ الادعاء بفشلها تماما، فقد نجحت، إلى حد ما، بقبول أنظمة عربية إسقاط المبادرة العربية للسلام، وخصوصا بعد مشاركة العربية السعودية في الورشة التي شكلت مرحلة متقدمة بقبول إسرائيل في المنطقة والشراكة والتحالف معها وتفكيك القضية الفلسطينية من مكوناتها وامتداداتها، كما قبول تلك الأنظمة بالتفرد الأميركي بالقضية الفلسطينية، بعد تفكيكها وتحويلها قضية معيشية، وضرب عمقها.