منطقة وسطى بين الأصالة والمعاصرة

منطقة وسطى بين الأصالة والمعاصرة

15 يوليو 2015

مصطفى الرميد ... حلول إسلامية وسط (إبريل/2012/أ.ف.ب)

+ الخط -
أثارت ثلاث قضايا في مشروع القانون الجنائي المغربي الجديد جدالات واسعة بين المحافظين والحداثيين، العلاقات الجنسية الرضائية بين الرجل والمرأة، شرب الخمر، إفطار المسلمين في رمضان. 
المواقف التقليدية لكلا المعسكرين من هذه القضايا معروفة، يطالب الإسلاميون وعموم المحافظين بمطابقة القانون الجنائي مع أحكام الفقه الإسلامي في القضايا الثلاث، ويقف الحداثيون وعموم العلمانيين في الجهة المقابلة لهذا الطرح، ويطالبون بعدم تجريم العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين، وبالتسامح مع شارب الخمر المسلم، وبترك الصيام لضمير كل فرد.
التزم وزير العدل والحريات في المغرب، مصطفى الروميد، اليوم، وهو إسلامي من حزب العدالة والتنمية، منذ البداية، بإدارة حوار موسع بين كل أطياف المجتمع المغربي، للوصول إلى حل توافقي حول كل النقاط الخلافية في هذا القانون، فكيف تصرف تجاه هذا الانقسام الفكري والسياسي، وتجاه قانون الجريمة والعقاب الذي يعرض قريبا على البرلمان؟
قال الوزير عن العلاقات الجنسية خارج الزواج، أو الزنا (بالتعبير الديني)، إن (القانون موجود لتنظيم الحياة العامة وليس الخاصة، والقانون الجنائي لا يتدخل في علاقات الرجال بالنساء، إلا إذا كانت هناك شكاية من أحد الزوجين، يُتهم الآخر بالخيانة). وأضاف مطمئنا المعسكر الحداثي (وجود امرأة ورجل في غرفة النوم ليس فساداً من الناحية القانونية، وليس زنا من الناحية الشرعية، وأنا ضد اقتحام الشرطة بيوت الناس لتفتيشها، بذريعة أن هناك شبهة فساد بين رجل وامرأة. ولكن، إذا جاهر الناس بالفساد في الشارع العام، فعلى السلطة، آنذاك، أن تتدخل. هذا هو التوجه الذي أخذناه في مشروع القانون الجديد، وهو موافق لروح الشريعة والقانون معا).
هكذا وجد الوزير حلا وسطا بشأن إباحة العلاقات الجنسية خارج الزواج قانوناً، أو المس بالحريات الفردية للمواطنين واقعاً، وهو حل لا يمس بالدِّين الإسلامي الذي يشترط فقهه شروطا شبه مستحيلة لإثبات جريمة الزنا، ولا يتعارض عملياً مع الحريات الفردية.
في موضوع الإفطار في رمضان، قال الرميد إن "القانون الجنائي لا يعاقب على الإفطار في رمضان، بل على الجهر بالإفطار في شهر الصيام أمام الناس، في محاولة لاستفزازهم، ومس مشاعرهم، أي أن المُواطن الذي يدخل إلى بيته أو إلى مكان معزول عن الناس، ويأكل وقت الصيام، حسابه عند خالقه، والدولة لا دخل لها في الموضوع". وأعطى وزير العدل المغربي مثالا بشباب ضبطوا في مكان بعيد عن الأنظار، يدخنون في وقت الصيام في شهر رمضان الحالي، فاعتقلتهم الشرطة، ولما وصل الخبر إلى الوزير، طلب من النيابة العامة أن تطلق سراحهم، فالقانون في المغرب لا يجرم سوى الإفطار العلني في رمضان، أي في المجال العام وتحت أنظار العموم، أما الإفطار في المجال الخاص فغير مجرم قانوناً، حتى وإن كان محرما دينياً، وهذا أيضا حل توفيقي بين إباحة الإفطار في رمضان بإطلاق أو منعه بإطلاق.
في شرب الخمر، استعمل وزير العدل، أيضاً، ميزان المجالين، العام والخاص، حيث أصبح شرب الخمر وحده في مشروع القانون الجديد غير مجرّم، وإنْ أمام الناس، والمجرّم هو إحداث الفوضى، بسبب السكر العلني أو الاعتداء على حقوق الآخرين، أو المس بالنظام العام كما هو الحال في الدول الغربية. قال الوزير (عندما يدخل القانون الجديد حيّز التطبيق، لن تتم معاقبة شارب الخمر، إلا إذا قام هذا الأخير بسلوكات تمس النظام العام). هنا أيضا نلاحظ أن هناك محاولة للتوفيق بين محافظة المجتمع وحقوق الأقلية المتحررة داخله.
تتضح في هذه النماذج من الجرائم التي حاولت مسودة القانون الجنائي الجديد أن تجتهد في إعادة تكييفها، وفق منظور حقوقي، يأخذ بالاعتبار مرجعية الدين وحقائق الواقع، الإمكانات الموجودة لإيجاد حقل توافقي، في أشد الموضوعات حساسية، في بلاد تبعد 12 كيلومتراً عن أوروبا، تطمح للعيش في منطقة وسطى بين الأصالة والمعاصرة.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.