معنى إنشاء بلدية للمستوطنين في الخليل

معنى إنشاء بلدية للمستوطنين في الخليل

06 سبتمبر 2017
+ الخط -
على الرغم من أن اتفاقيات ما بعد أوسلو كانت قد قسمت مدينة الخليل المحتلة التي تضم حوالي ربع مليون فلسطيني إلى قسمين، يشكل الأول ما نسبته حوالي 80% من مساحة المدينة ومن عدد سكانها الفلسطينيين، حيث تم نقل الصلاحيات الأمنية والمدنية إلى السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1997، قبل أن تعيد إسرائيل اجتياحه واحتلاله في 2002 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وتم إبقاء القسم الثاني تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة، بحجة وجود مئات المستوطنين اليهود المتطرفين فيه، وهو الجزء الذي يضم أهم معالم المدينة التاريخية والدينية والاقتصادية، وخصوصا الحرم الإبراهيمي الشريف والمحطة المركزية للنقل العام، وأسواق الخضر والماشية المركزية، إضافة إلى وجود أكثر من أربعين ألف فلسطيني فيها. وعلى الرغم من التقسيم الذي أصاب المدينة وضربها، إلا أنها بقيت وحدة إدارية خدماتية واحدة موحدة، حيث تقدم بلدية الخليل الفلسطينية كل خدمات البنية التحتية لها، مياه وكهرباء وتنظيم وشبكة المجاري وغيرها.
بلغ عدد المستوطنين اليهود في البلدة القديمة من مدينة الخليل مائتي مستوطن، في فترة توقيع اتفاقية أوسلو، فيما يتجاوز اليوم ثمانمائة مستوطن مشبعين بمخزون كبير من الحقد والكراهية والتطرّف ضد كل من هو فلسطيني، ومنتشرين في عدة بؤر ونقاط استيطانية، وسط قلب المدينة الفلسطينية المكتظة سكانا وعمرانا، حيث يؤمن مئات الجنود الإسرائيليين حمايتهم، في وقت الذي ترتكب سلطات الاحتلال إجراءات عنصرية ضد المواطنين الفلسطينيين في المنطقة نفسها، لحملهم على مغادرة المدينة وتهويدها بالكامل، سواء فيما يتعلق بالإغلاقات المتكرّرة
للحرم الإبراهيمي الشريف أمام المصلين المسلمين، أو إجراءات التفتيش المهينة التي يتعرّض لها المواطنون الفلسطينيون في أثناء دخولهم للصلاة في الحرم، حيث البوابات الإلكترونية المنصوبة على بواباته، ولا يدخل المصلون الحرم إلا عبرها، ومن خلال عشرات الجنود الإسرائيليين على مداخل الحرم على مدار الساعة، والذين يمارسون أبشع الممارسات القمعية بحق المواطنين، والتي أدت إلى استشهاد وإصابة كثيرين في الأعوام الماضية، خصوصا بعد إجراءات سلطات الاحتلال بعد المجزرة البشعة التي ارتكبها المستوطن باروخ غولدشتاين في الحرم الإبراهيمي في شهر رمضان العام 1994، وراح ضحيتها عشرات المصلين في أثناء سجودهم في صلاة فجر تلك الجمعة الرمضانية. وبدل أن تعاقب الحكومة الإسرائيلية المجرمين الذين ارتكبوا المجزرة، عاقبت الضحية، واستغلت ذلك لفرض واقع جديد في البلدة القديمة من الخليل، خصوصا الحرم الإبراهيمي الشريف، بتقسيمه، والسماح للمستوطنين اليهود بالصلاة فيه، وكذلك بإجراءات تقييد الحركة والمرور والتنقل للمواطنين، خصوصا بعد إغلاق شارع الشهداء في وسط المدينة، والذي يعتبر شريان الحياة في البلدة القديمة، وإغلاق مئات المحال التجارية فيها، في وقتٍ يسرح فيه المستوطنون اليهود ليل نهار في كل أرجاء البلدة القديمة من الخليل، بحماية قوات الاحتلال لهم.
اتخذت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، في يونيو/ حزيران الماضي، قرارا تم بموجبه إدراج البلدة القديمة من الخليل والحرم الإبراهيمي ضمن قائمة مواقع التراث العالمي الإسلامي، والذي يؤكد إسلامية المدينة وعروبتها، وبعد فشل إسرائيل والولايات المتحدة في معارضة تمرير القرار. وفي رسالةٍ إسرائيلية للفلسطينيين والعرب ولليونسكو أيضا، ومفادها أنكم ستخسرون كثيرا من التوجه للمؤسسات الدولية المختلفة، وأنكم ستدفعون ثمنا كبيرا جرّاء توجهكم لهذه المؤسسات. هددت إسرائيل بأنها سترد على قرار المنظمة الدولية بمزيد من الإجراءات لدعم الاستيطان اليهودي وتعزيزه في مدينة الخليل، وهو ما لم يتأخر، حيث أصدر وزير الجيش الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، قبل أيام، قرارا بإنشاء بلدية خاصة بالجيب الاستيطاني اليهودي في الخليل، لكي تقدّم كل الخدمات من بنية تحتية وماء وكهرباء وغيرها للمستوطنين اليهود الذين لا يتجاوز عددهم ألف مستوطن، الأمر الذي يعتبر محطة جديدة في مشروع الفصل العنصري التهويدي لمدينة الخليل، وسلخها عن باقي المدينة.
يهدف القرار الإسرائيلي الجديد بإنشاء بلدية للمستوطنين اليهود في قلب مدينة الخليل إلى زيادة الإجراءات التهويدية للمدينة، بتعزيز الاستيطان اليهودي ودعمه فيها، لتصبح المدينة جذّابة
للمستوطنين اليهود، خصوصا في ظل التسهيلات المالية والضرائبية التي تقدمها حكومة الاحتلال للمستوطنين اليهود في الضفة الغربية بشكل عام، ولمستوطني الخليل خصوصا. وفي المقابل أن تصبح البلدة القديمة من الخليل مدينة وبيئة طاردة للفلسطينيين، بفعل إجراءات التنكيل والعقوبات الجماعية التي يتعرّض لها المواطنون الفلسطينيون، واحتمالية منع البلدية الاستيطانية المستحدثة بلدية الخليل الشرعية من أن تواصل تقديم خدماتها لمواطنيها الفلسطينيين في ذلك الجزء من المدينة، كما يحصل يوميا مع أطقم بلدية الخليل، حتى قبل إنشاء البلدية اليهودية الجديدة، والتي كان آخرها قبل أيام عندما منعت قوات الجيش رئيس بلدية الخليل المنتخب، تيسير أبو سنينة، من تفقد المدارس في البلدة القديمة، لتصبح الحياة الفلسطينية فيها كالجحيم، مع الإمكانات والقدرات المتواضعة والمحدودة للسلطة الفلسطينية، في مواجهة سياسة التطهير العرقي التي تقترفها حكومة الاحتلال بحق الخليل ومواطنيها، كما أن الأكثر أهمية في هذا القرار الجديد أن غرضه تشويه طبيعة ومضمون الصراع والقضية الوطنية الفلسطينية، وتغيير ذلك كله من قضية شعب ووطن محتل، يناضل ويطالب بالتحرّر الوطني والاستقلال، لتصبح قضية خلافية بين مجالس بلدية يهودية وفلسطينية على صلاحياتٍ هنا وهناك، وكأن الوجود الاستيطاني اليهودي في الخليل أصبح جزءا من التركيبة الجغرافية والإدارية والسكانية للمدينة، وأنه أصبح أمرا واقعا، ولا يمكن التراجع عنه، وما على الفلسطيني إلا التعاطي معه والقبول به، اعتقادا من إسرائيل أن ما تشهده الساحة الفلسطينية من انقسام مخزٍ ومدمّر، وانشغال الأمة العربية بمشكلاتها قد يؤدي لنجاح مشروعها التهويدي في الأراضي الفلسطينية عامة، وفي مدينة الخليل خصوصا، متجاهلة بذلك دروسا وتجارب تاريخية كثيرة أثبتت أن موازين القوة لا يمكن أن تبقى ثابتة كما هي، ولا بد لها من أن تتغير في مرحلة ما، وأنه لا يضيع حق وراءه مطالب مهما طال الزمان، ومهما بلغت المعاناة والتضحيات.