في معنى قانون شرعنة المستوطنات

في معنى قانون شرعنة المستوطنات

09 فبراير 2017
+ الخط -
بعد مداولات ومقدمات استمرت سنوات، صادق البرلمان (الكنيست) الإسرائيلي أخيراً على قانون شرعنة ما تسمى البؤر الاستيطانية غير الشرعية من وجهة نظر القانون الإسرائيلي، مع أن جميع المستوطنات اليهودية التي أقيمت على أراضي الضفة الغربية المحتلة في 1967 غير شرعية وغير قانونية، ولكن تمرير القانون يعني بداية مرحلة جديدة، ويشكل إنجازاً كبيرا للتيار الديني القومي المسيحاني الذي يؤمن بما تسمى أرض إسرائيل الكبرى، وإن هذه الأرض توراتية، وتعود ملكيتها لليهود فقط، ولا منازع لهم على ملكيتها. وبالتالي، فرض السيطرة والسيادة اليهودية الكاملة عليها، ويجب فرض القوانين والتعليمات التوراتية عليها فقط، وبذلك تكون إسرائيل قد تخلت عن تعريف الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، مناطق فلسطينية محتلة، ينطبق عليها القانون الدولي، كما يعني تخليها أيضا عن الإقرار بأن هذه الأراضي متنازعٌ عليها، ورفضها تحديد مكانتها ومستقبلها سيتحدّد في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية مستقبلا.
يشمل قانون شرعنة المستوطنات اليهودية العشوائية، وفق التسميات الإسرائيلية، أكثر من 4000 وحدة سكنية استيطانية، تمت إقامتها في عشرات المواقع الاستيطانية على أراضٍ مملوكة لمواطنين فلسطينيين، والذين تمكّنوا من إثبات ملكيتهم تلك الأراضي التي أقيمت عليها تلك الوحدات الاستيطانية، عبر تقديم أوراق الملكية والطابو لتلك الأراضي للمحكمة العليا الإسرائيلية، حيث يشجع هذا القانون أي مستوطن يهودي على الاستيلاء بالقوة، واغتصاب أية قطعة أرض في الضفة الغربية، حتى لو كانت تلك الأرض موجودة في مدينة رام الله، والتي تعتبر عاصمة السلطة الفلسطينية الحالية ومركزها، وإن الحكومة الإسرائيلية ستعترف بشرعيتها، وستقدم لها الاحتياجات المطلوبة، أما بالنسبة لأصحاب الأرض الشرعيين، فلم يعد أمامهم أية فرصة لاستعادة أراضيهم من خلال المحكمة العليا الإسرائيلية، وما عليهم سوى القبول بتعويض مالي من الحكومة الإسرائيلية مقابل موافقتهم على سرقة أراضيهم، بمعنى قبولهم بيع أراضيهم للمستوطنين الغزاة اللصوص، وفي حال رفضهم قبول الثمن المالي، وهو ما سيحدث، عليهم التسليم بالأمر الواقع أن هذا الأرض لن تعود إليهم.
طالما أن الكنيست الإسرائيلي قد صادق على شرعنة (وتمرير) هذا القانون المخالف كل
القوانين الدولية، بما فيها القانون الإسرائيلي، والذي دفع المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية لإعلان أنه لن يكون بمقدوره الدفاع أمام المحكمة العليا الإسرائيلية عن القانون الحالي، كونه مخالفاً كل القوانين، وقد يعرّض قادة ومسؤولين سياسيين وعسكريين للمقاضاة في المحاكم الدولية، في حال رفع قضايا فلسطينية ضدهم بسبب هذا القانون. لذلك، ستكون الخطوة المقبلة هي الإعلان عن ضم تلك المستوطنات التي يشملها القانون الجديد للمستوطنات الكبرى القائمة في الضفة الغربية، والذي يعني مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية الواقعة ما بين هذه المستوطنات العشوائية والكتل الاستيطانية الكبرى، خصوصاً أن بعض المستوطنات التي شملها القانون الجديد تبعد آلاف الأمتار عن المستوطنات الكبرى التي ستنضم إليها. وبالتالي، مصادرة كل الأراضي الفلسطينية الواقعة بينهما وضمها، وبذلك تكون إسرائيل قد نجحت بتوسيع الكتل الاستيطانية اليهودية في كل الضفة الغربية، الأمر الذي سيمنع أي ترابط، أو تواصل جغرافي وسكاني فلسطيني، حتى داخل محافظات الضفة الغربية نفسها، ما يعني استحالة أي ترابط بين محافظات الضفة الغربية.
يتعرّض القانون الجديد لرفض من شرائح مختلفة من النظام السياسي الإسرائيلي، وخصوصاً الشريحة التي ترى أن تمرير هذا القانون يعني نهاية المركبات القانونية والقضائية والديمقراطية لإسرائيل، وسيطرة التيار الديني القومي المسيحاني الذي قطع شوطاً كبيراً ليس فقط بإضعاف مؤسسات إسرائيل القضائية، وخصوصاً المحكمة العليا الإسرائيلية، بل بالتقدم سريعاً اتجاه بناء مملكة داود اليهودية التوراتية على كل الأراضي، بما فيها حتى المأهولة بالمواطنين الفلسطينيين، حيث تنوي هذه الجماعات التقدم باعتراض للمحكمة الإسرائيلية من أجل إلغاء القانون، وعدم الاعتراف بقانونيته وبشرعيته، إلا أنه حتى، في حالة موافقة المحكمة العليا الإسرائيلية على اعتراضاتهم، وإبطال قانونيته وشرعيته، وهذا احتمال وارد وقائم، لكنه يبقى
قرارا خالياً من كل المضامين، طالما أن الكنيست أصبحت تفرض قوانينها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي يعني أن هذه الأراضي جزء من الجغرافية السيادية لدولة إسرائيل اليهودية، ولبرلمانها اليميني، والذي يعني إلغاء أية سيادة مستقبلية لأية جهة فلسطينية أخرى على تلك المناطق، والذي سينتهي بالضم النهائي لكل المناطق الفلسطينية لإسرائيل، وإبقاء الشعب الفلسطيني من دون أبسط الحقوق السياسية والمدنية، في مشهد سيتجاوز نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقا.
لم يكن لهذا القانون أن يتم عرضه على الكنيست وإقراره، لو أن الحكومة الإسرائيلية تتوقع أو تخشى ردا فلسطينيا وعربيا قادرا على قلب الطاولة، وخصوصاً أن إسرائيل تستغل التفكك والانقسام الفلسطينيين، وأزمة القيادة الفلسطينية في أعباء السلطة والتزاماتها الثقيلة، والانشغال العربي بما يحدث في المنطقة، كما أن وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد شكل فرصة قوية لإسرائيل لاستغلالها، بعد شعورها بتحسّن مكانتها في البيئتين، الإقليمية والدولية، ما دفعها إلى تمرير هذه القوانين العنصرية الاستعمارية. لذلك، بات مطلوبا الآن من القيادة الفلسطينية أن تقوم بعملية مراجعة جدية واستخلاص العبر الضرورية لمواجهة عملية التهويد الشامل لكل فلسطين، وأولها إعادة إحياء التعريف الأصلي لفلسطين بحدودها التاريخية، وإلغاء اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل، لإعادة إسرائيل لتصبح في الوعي الثقافي الفلسطيني والعربي كياناً استعمارياً إحلالياً عنصرياً. وبالتالي، إلغاء كل المسؤوليات للسلطة الفلسطينية والتزاماتها الوظيفية الأمنية، والاقتصادية، والتي شكلت فرصة ساعدت إسرائيل على التفرّغ بتهويد كل الأراضي الفلسطينية، بعد أن تحرّرت من مواجهة الشعب الفلسطيني، بعد تشكيل سلطة شكلية، واستمرار تحكّم إسرائيل بكل تفاصيل الحياة الفلسطينية، وبالتالي تصويب مسار السلطة لتتحول إلى سلطة مقاومة، تعمل على تثبيت الوجود الفلسطيني وتقويته وصموده على تراب وطنه التاريخي ومواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني بكل الوسائل المتاحة سياسيا وقضائيا وشعبيا واقتصاديا، لا أن تكون وكيلا أمنيا واقتصاديا وإداريا.