في موازاة تصاعد الاتصالات السياسية والجهود للوصول إلى حل سياسي لملف سرت والجفرة بعد تمسك حكومة الوفاق الوطني بانسحاب مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر منهما، تواصلت التحشيدات العسكرية في المنطقتين، مع تهديد المليشيات بأن "الأيام المقبلة تحمل الهلاك للعدو"، ليبدو أن المعركة باتت تسابق الاتصالات الدولية المتصاعدة لحل في هذا الملف.
وأعلنت شعبة الإعلام الحربي التابعة لمليشيات حفتر، اليوم الاثنين، أن المليشيات "في حالة الجاهزية الكاملة لصد أي هجوم" على سرت والجفرة، مشيرة إلى أن "الحقول النفطية لا تزال مغلقة ولن تفتح إلا عند تنفيذ شروط القيادة العامة". وتابعت في بيان أنه "على الرغم من الضغط الخارجي إلا أن القوات المسلحة للجيش والقيادة (مليشيات حفتر) لا تزال مستمرة في قضيتها المتمثلة في تحرير الوطن بالكامل وليس الدفاع عن سرت والجفرة فقط"، مضيفة أن "الأيام المقبلة تحمل الكثير من الخير للجيش والهلاك للعدو".
سبق ذلك تأكيد آمر غرفة عمليات سرت والجفرة التابعة لحكومة الوفاق، إبراهيم بيت المال، في بيان ليل الأحد، تعهد الحكومة بزيادة الدعم الفني لمحاور قواته بين سرت والجفرة، مؤكداً أن قواته زادت من حجم قواتها في قطاع سرت-الجفرة بعد رصد مليشيات حفتر في سرت ما استدعى التواصل المباشرة مع الحكومة.
مصادر برلمانية: ضغط الإمارات لإغلاق المنشآت النفطية للتشويش على التحركات التي قد تسرّع وصول الأطراف الليبية إلى تفاهمات
ترافق ذلك مع ضغوط إماراتية عبر دفع مليشيات حفتر لإغلاق المنشآت النفطية مجدداً. وعن ذلك، قالت مصادر برلمانية من طبرق لـ"العربي الجديد" إن الخطوة الإماراتية جاءت بهدف التشويش على التحركات التي قد تسرّع وصول قادة الأطراف الليبية إلى تفاهمات بشأن الأوضاع في قطاع سرت-الجفرة والبدء بتفعيل المسارات المتعلقة بالحلول السياسية. وأكد أحد المصادر أن الإمارات تضغط من أجل استمرار وجود حفتر في أي مشاورات تجري بشأن الملف الليبي، وأنها لا تدعم رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح كممثل سياسي بديل عن حفتر في أي مفاوضات.
وكانت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية، قد اتهمت في بيان الأحد، أبوظبي بإعطاء تعليمات لمليشيات حفتر، بوقف إنتاج النفط الخام، مشيرة إلى أن المليشيات ناقضت موقفها المتعاون الذي أبدته خلال المفاوضات. ودانت المؤسسة الإغلاق المتجدد لصادرات النفط، داعية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمحاسبة الدول المسؤولة عن ذلك. لكن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش ادعى في تصريحات اليوم أن بلاده تريد "عودة إنتاج النفط في ليبيا في أقرب وقت ممكن، وتؤكد أهمية وجود ضمانات لمنع العائدات النفطية من إطالة وتأجيج الصراع". وقال إن أبوظبي ستواصل "العمل السياسي والدبلوماسي والأولوية لوقف إطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية" في ليبيا.
وكانت السفارة الأميركية، قد هددت في بيان الأحد، من يتمسكون بالتصعيد العسكري بأنهم "سيواجهون العزلة وخطر العقوبات". وقالت إن "أولئك الذين يقوّضون الاقتصاد الليبي ويتشبثون بالتصعيد العسكري سيواجهون العزلة وخطر العقوبات". وتعليقا على قرار حفتر بإعادة غلق المنشآت النفطية، أسفت السفارة لأن "الجهود المدعومة من الخارج ضد القطاعين الاقتصادي والمالي الليبي أعاقت التقدم وزادت من خطر المواجهة". وأضافت أن "غارات مرتزقة فاغنر على مرافق المؤسسة الوطنية، وكذلك الرسائل المتضاربة المصاغة في عواصم أجنبية، والتي نقلتها ما تسمى بالقوات المسلحة العربية الليبية (قوات حفتر) السبت، أضرت بجميع الليبيين الذين يسعون من أجل مستقبل آمن ومزدهر".
في مقابل ذلك، كانت المشاورات السياسية حول الملف الليبي تتوسع، وحضرت في اتصال هاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، اللذين اتفقا على مواصلة التعاون من أجل السلام والأمن والاستقرار في المنطقة. من جهته، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، إن الرئيسين أكدا مجدداً ضرورة إنهاء المواجهة المسلحة في وقت مبكر والعودة إلى عملية المفاوضات في ليبيا بناءً على قرارات مؤتمر برلين الدولي التي وافق عليها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2510، وتم الاتفاق على تكثيف الجهود السياسية والدبلوماسية المشتركة في هذا الاتجاه. في السياق، بحث الرئيس الروسي مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون آخر المستجدات الحاصلة في ليبيا. وقال الكرملين في بيان إن بوتين وتبون شددا خلال اتصال هاتفي بينهما، على ضرورة إحياء الحوار ووقف إطلاق النار بين الأطراف الليبية استنادا إلى القرار الأممي 2510 ومخرجات مؤتمر برلين. وأكدا أهمية دعم المساعي السياسية والدبلوماسية الدولية الرامية لإيجاد حل للأزمة الليبية.
وفي ظل هذه المشاورات السياسية، أكد مصدر حكومي من طرابلس لـ"العربي الجديد" أن أي تفاهمات عسكرية لحل في سرت-الجفرة ستجري بشكل غير مباشر بين موسكو وأنقرة اللتين تدعمان طرفي الصراع في المنطقة، لكن حكومة الوفاق لا تزال مصرّة على موقفها بشأن سيطرتها على المنطقتين. هذا الحل تحدث عنه وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، الذي اشترط انسحاب مليشيات حفتر من مدينتي سرت والجفرة للبدء في المفاوضات السياسية. وأضاف جاووش أوغلو في تصريحات لقناة "خبر ترك"، أن تركيا تحاول إجبار مليشيات حفتر على الانسحاب من المدينتين، مشيراً إلى أنه إذا لم يتم ذلك، فإن العملية العسكرية التي يجري التحضير لها لهذا الهدف آتية لا محالة. وأوضح أن تركيا ترغب في الحل السياسي بليبيا، وتريد وقف إطلاق النار هناك ليتم بعدها الحديث والتخطيط للحل السياسي. وعن عملية محتملة ضد مليشيات حفتر في سرت، قال إن هناك جهودا دبلوماسية لحل هذا الموضوع. وأضاف "هناك استعدادات لعملية لكننا نجرب طاولة (المفاوضات). إذا لم يكن ثمة انسحاب فإن هناك عملية عسكرية بالفعل وسوف تُظهر (حكومة الوفاق الوطني) كل العزم في هذا الأمر". وكشف الوزير التركي أن بلاده تتبادل وجهات النظر، على مستوى الخبراء، مع مصر بشأن مذكرة التفاهم لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا.
كشف جاووش أوغلو أن بلاده تتبادل وجهات النظر مع مصر بشأن مذكرة التفاهم لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا
وفي مقالة نشرتها صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، قال جاووش أوغلو إن حظر توريد السلاح إلى ليبيا، يقتصر تطبيقه على حكومة الوفاق، دون حفتر. ولفت إلى أن "الإمارات تموّل حفتر، ومصر وروسيا تدعمانه أيضاً، وهذا الشخص يضر بآمال تحقيق السلام والاستقرار". وتابع: "فرنسا التي تعتبر حليفاً تاريخياً لتركيا، تقوم بدعم حفتر، أما ادعاءات باريس حول تحرش البحرية التركية بسفينة فرنسية، فلم تحظ بتأكيد من قِبل حلف شمال الأطلسي". واعتبر أن الدعم التركي لحكومة الوفاق حال دون وقوع كارثة إنسانية في طرابلس، كان سيمتد تأثيرها إلى دول القارة الأوروبية. ولفت إلى أن ترك ليبيا تحت رحمة حفتر يعد خطأ كبيرا، مبينا أن الوجود التركي غيّر الموازين على الأرض.
في غضون ذلك، تواصلت الدعوات الدولية لحل سياسي في ليبيا. ودعا وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو إلى إقامة حوار مع جميع الأطراف في ليبيا، فضلا عن تعزيز الحضور العسكري لبلاده هناك. وأضاف في مقابلة صحافية، أن "هدفنا في ليبيا كان دائما هو إيجاد حل سياسي شامل لكل الأطراف الليبية"، وكذلك "إدانة اللجوء للحل العسكري"، ولهذا السبب "أجرينا حوارا في الأشهر الأخيرة كأداة للمبادرة السياسية، وللقيام بذلك كان علينا إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع جميع الأطراف الليبية". وذكر أنه "لا يجب الخلط بين ما سلف ذكره وبين الإبقاء على موقف المسافة المتساوية مع جميع الأطراف"، فمن ناحية "هناك من بدأ هجوما كانت له عواقب وخيمة، ومن جهة أخرى هناك حكومة شرعية معترف بها من قبل الأمم المتحدة". وشدد على أن "الأولوية الآن هي العودة إلى التفاوض وإبرام وقف دائم لإطلاق النار"، مضيفاً "اخترنا دائما إبقاء قناة اتصال مفتوحة مع جميع الجهات الليبية، لكن في الوقت نفسه، لم تتراجع علاقاتنا مع طرابلس أبدا، حتى في أشد مراحل الأزمة حدة".
في السياق، أكد وزير الخارجية التونسي نور الدين الري ونظيره الجزائري صبري بوقادوم، ضرورة إيجاد حل سلمي للأزمة الليبية يوقف التدخلات الخارجية. وفي مؤتمر صحافي مشترك في تونس، قال الري إن وجهات النظر بين بلاده والجزائر "متطابقة، بخصوص مختلف المسائل الإقليمية في مقدمتها الوضع في فلسطين وليبيا". وأضاف "نحن نبحث عن حلّ سلمي توافقي بين الليبيين للتصدي للتدخلات الخارجية". وتابع "نسعى لدفع كل القوى الفاعلة في ليبيا نحو حل سياسي ليبي توافقي يوقف التدخلات الأجنبية ويفتح الباب أمام مستقبل جيد لليبيا". بدوره، أمل بوقادوم "الجلوس على طاولة الحوار للتوصل إلى تسوية سياسية ليبية-ليبية تمكن من بناء دولة واحدة مزدهرة". وأضاف: "ليست لنا أي مصلحة نفطية واقتصادية هناك، فنحن نريد الأمن واستقرار البلاد وبقاء مؤسسات موحدة مقبولة من الليبيين". وفي وقت سابق اليوم، استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد بوقادوم وبحث معه الوضع في المنطقة لا سيما في ليبيا.