لبنان في زمن "التسويات"

لبنان في زمن "التسويات"

19 فبراير 2014
+ الخط -

لم يكد اللبنانيّون يستيقظون من صدمة تأليف الحكومة، حتى تلقوا سلسلة من الصدمات. صدمة يراها كثيرون "إيجابية"؛ فبعد أيام قليلة على إعلان الحكومة، بادر رئيس "تكتّل التغيير والإصلاح"، ميشال عون، إلى القول إنه قام بوساطة سياسيّة بين الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري.

لم يقف الأمر عند هذا الحدّ. فأوّل استقبال "خاص"، يقوم به وزير العدل في الحكومة الجديدة،، اللواء أشرف ريفي، كان لمسؤول "وحدة التنسيق والارتباط" في حزب الله وفيق صفا في منزل ريفي . استقبال خرج للإعلام سريعاً، بعكس الاجتماعات السابقة بين الطرفين، إذ غالباً ما كانت تبقى سريّة. بالأحرى، هذه المرة أُريدَ للاجتماع أن يخرج إلى العلن. أبرز ما في اللقاء، كان وجود رئيس فرع المعلومات العقيد عماد عثمان. كأنما حزب الله (وهوالمسرّب لخبر اللقاء) أراد أن يعود عن رفضه لدور ريفي في قوى الأمن الداخلي.

أهم ما في هذا الاجتماع كان عودة قناة التواصل الأبرز بين حزب الله وتيّار المستقبل للعمل بشكلٍ فعلي، وهي قناة أمنيّة وسياسيّة. قناة "لم تنقطع أصلاً"، بحسب ما قاله ريفي لـ"العربي الجديد"، مع أن "اللقاءات ليست بالوتيرة السابقة". تعاتب الطرفان، واتفقا على حلحلة عدد من النقاط العالقة لخفض مستوى التحريض السني ــ الشيعي.

في الوقت الذي كان خبر اللقاء ينتشر تلفزيونياً، كانت الحكومة مجتمعةً للمرة الأولى. فلنتجاوز جميع التصريحات البروتوكوليّة، وأكثرها سخفاً تلك التي أفادت بأن الحكومة "صناعة لبنانيّة بامتياز". أعلن رئيسا الجمهوريّة والحكومة أنهما يُريدان الانتهاء من البيان الوزاري لهذه الحكومة خلال أسبوع. يُدرك الجميع في لبنان، أن اللجنة الوزاريّة التي كُلفت صياغة البيان الوزاري، ليست هي المسؤولة عن الأمر، إذ يكتفي أعضاء اللجنة بنقل ما يُطلب منهم. المهم هنا هو ما جرى تسريبه عن وجود مسودة للبيان الوزاري باتت بين أيدي الوزراء. كثيرٌ من الوزراء نفوا الخبر، لكنه "نفي في معرض التأكيد".

في الوقت عينه، تقول مصادر تيار المستقبل إن لقاءً حصل بين راغب قباني، نجل مفتي الجمهوريّة اللبنانية محمد رشيد قباني، ونادر الحريري، إبن عمة سعد الحريري ومستشاره السياسي.

في الأيّام الأخيرة، باتت الصالونات السياسيّة في لبنان، تزخر بالأحاديث عن التسويات. تتلاقى مصادر عدة على تأكيد أن تأليف الحكومة وما يليه من أحداث، ليس مجرّد صدفة، أو مبادرة من ميشال عون. تؤكّد هذه المصادر (بعضها في منصب وزاري) على أن القرار الغربي والإقليمي بمنع الانفجار في لبنان "تحوّل إلى قرار بلملة أشلاء هذا البلد".

شكّلت الهبة السعوديّة المقررة إلى الجيش اللبناني، التعبير الأول عن هذا التوافق الإقليمي الدولي. جولات السفير الأميركي في لبنان دافيد هيل، بين السعوديّة وباريس وبيروت، ساعدت كثيراً في بلورة هذا التوافق. تُغطي إيران هذا الأمر وتسير فيه بالكامل حتى اللحظة. أمّا فرنسا، فهي ستتولى المتابعة أو الإشراف.

تؤكّد هذه المصادر على أن هذا التوافق، إذا ما استمر، سيسمح بمنع الفراغ في منصب رئاسة الجمهوريّة بعد نحو ثلاثة أشهر. ليس من المؤكّد أن انتخابات رئاسيّة ستجري، وقد يكون منع الفراغ عبر التمديد أو أي صيغة دستوريّة يخرج بها النواب اللبنانيّون.

لكن هل هذا التوافق تعبير عن حلحلة في الملفات الإقليميّة؟ يُشير أحد المصادر الوزارية إلى أن الواقع الإقليمي لم يرقَ لهذا المستوى بعد. هو يعتقد بأن لبنان يُعَدّ اختبار نوايا لهذه القوى، للسير قدماً بعمليّة التفاوض على مختلف الملفات الإقليميّة، وخصوصاً أن أحداً من هذه القوى لم يرد يوماً تفجير الوضع اللبناني. "وحده الرئيس السوري بشار الأسد أراد ذلك، والعبوات التي أُرسلت من دمشق إلى بيروت بسيارة الوزير السابق ميشال سماحة دليل على ذلك" بحسب المصدر المحسوب على قوى 14 آذار. وعند تشكيل الحكومة، علا صوت المتحدثين باسم الأسد في لبنان، اعتراضاً آنذاك على ما وصفوه بأنه "تنازلات" كبيرة قام بها فريق الثامن من آذار. حتى إنّ وزيراً سابقاً من حلفاء الأسد، قال منذ مدة بوضوح إنّ "دمشق لا تُريد حكومة في بيروت".

في جميع الأحوال، يعتقد المصدر الوزاري المنتمي لـ14 آذار، أنّ "صوت الأسد سيعلو كثيراً كلما اقتربت التسويات في المنطقة، وسيطير رأسه مع هذه التسويات".

المساهمون