لبنان.. ثأر "الحريري 2"

لبنان.. ثأر "الحريري 2"

02 ديسمبر 2017
+ الخط -
إذا كان لا بدّ من إطلاق لقب ما على شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فهو "شهر سعد الحريري" بامتياز. بدأه رئيس الحكومة اللبنانية محتجزاً رغم إرادته في السعودية، وانتهى بإعلانه شبه انتفاضةٍ على الحلفاء قبل الخصوم، في أكثر اللحظات مفصليةً في الإقليم وفي لبنان. "الحريري 2" المولود من رحم مكوثه الصعب في الرياض، والذي عاد "منتصراً" يوم عيد الاستقلال اللبناني، في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أصبح مثل "بلدوزر" يجرف، في طريقه، كل من شكّ بولائه، أو اعتبر أنه "خانه" في المرحلة الماضية. وبات أعضاء عديدون في تيار المستقبل والكتلة النيابية العائدة له وجيش المستشارين المُحيطين بالحريري، في دائرة الشكوك. لم يعد الحريري يريد أن يكون كما كان قبل 4 نوفمبر، تاريخ تقديمه استقالته المبهمة في الرياض، بل يرغب في أن يكون في موقع "المُبادر" في حراكه المرتقب، مستنداً إلى دعم رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي، ميشال عون ونبيه بري، بالإضافة إلى تأمينه "ربط نزاع" مع حزب الله، بحسب وصفه.
عليه، بدأت الماكينة الإعلامية التابعة للحريري تمهيد الأرضية لإبعاد حلفاء الأمس ـ خصوم اليوم، في مهمةٍ يُفترض أن تستولد ردّ فعلٍ، لكنها لن تتمكّن من "اتهام" الحريري بأنه "أصبح حليفاً لحزب الله". الرجل أبعد من أن يكون حليفاً لحزبٍ اتُهم سياسياً بالتوّرط باغتيال رئيس الحكومة السابق، رفيق الحريري، والد سعد، في انتظار قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بتحديد مرتكبي جريمة 14 فبراير/ شباط 2005. ستنتهي عملية إقصاء الخصوم سريعاً، فهؤلاء غير مستندين إلى دعمٍ شعبي، ولا حتى إلى قوةٍ حزبيةٍ مؤثرة، لن يتمكّنوا من مواجهة "الحريري 2".
غير أن رقصة الفالس الأسوأ قد تكون في مواجهة القوات اللبنانية، الحليف المسيحي الأول للحريري بين عامي 2005 و2017، والتي باتت في صلب المواجهة الناعمة مع تيار المستقبل، على وقع تبادل الاتهامات والبيانات والتسريبات في الأيام الأخيرة بينهما. بالتالي، هل يُمكن تحويل القوات اللبنانية إلى كبش محرقةٍ في المرحلة الحالية، بغضّ النظر عن صحة أو عدم صحة الاتهامات الموجّهة لها في شأن قضية سعد الحريري؟ لا، لن يحصل هذا. لا لأنها القوات، بل لأن التاريخ السياسي اللبناني في مرحلة ما بعد الطائف لا يسمح بإلغاء أي حزبٍ أو فريقٍ في لبنان. ربما قد تضعف القوات أو تقوى مرحلياً، لكنها لن تتحوّل إلى حزبٍ في "صالون وسفرة"، كما حصل مع أحزاب كثيرة سابقاً، ذلك لأن إلغاء أي حزبٍ أو تيار في لبنان، يحتاج إلى عملية "عنيفة" كالحرب الأهلية، أو انتظار عامل الزمن، أي وفاة أبطال الأحزاب.
وهناك عنصر أساسي في مسألة القوات اللبنانية، مرتبط بعون، الذي لن يسمح بانزلاق الخلاف الواسع إلى صفوفه الخلفية، أي في الوسط المسيحي. وهو الذي كرّس تفاهماً وتحالفاً مع رئيس القوات، سمير جعجع، أفضى إلى دعم الأخير له في المعركة الرئاسية. في النوستالجيا المسيحية: عون ليس في وارد المساهمة في عزل "القوات"، كي لا يُسجل التاريخ أن عزلها حصل مرتين، في 1994 بسجن قائدها جعجع، في عزّ الاحتلال السوري للبلاد (1976 ـ 2005)، وفي عهد "الرئيس المسيحي القوي" التي ساهمت في انتخابه.
يُمكن ملاحظة الكثير في شخصية "الحريري 2"، كأنه بات رجلاً ثانياً، إثر "معمودية نار" مرّ بها على مدار 18 يوماً. حدّته في التعاطي مع محيطه، تجلّت في اجتماعاته السياسية والحزبية، خصوصاً في أثناء حديثه عن بعضهم. بات "الحريري 2" مستعجلاً أكثر من أي وقتٍ مضى، حتى أنه أبدى تأييده تقديم موعد الانتخابات النيابية، المقرّرة في مايو/ أيار المقبل. "الحريري 2" هو فعلياً أكثر شخصٍ لا يرغب أحدٌ في لبنان في مواجهته. لا يمكنك أصلاً مواجهة من هو عائد لينتقم.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".