لبنان المأزوم

لبنان المأزوم

05 مايو 2019
+ الخط -
يعيش اللبنانيون حالياً في ظل مجموعة أزماتٍ، قد يكون أشدها المالي والمعيشي، في ظل كلام واضح عن إفلاس الدولة، ومحاولاتٍ يائسةٍ من الحكومة للاتفاق على الخطوات الإصلاحية وميزانية تقشف إنقاذية. بالإضافة إلى أزمات سياسية لا تنتهي، أصعبها إدراك اللبنانيين أن عودة مليون لاجئ سوري يعيشون في أراضيهم إلى بلدهم أمر مستبعد حالياً، ومؤجل إلى زمن غير معروف، ومرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحل السياسي في سورية، وبصورة خاصة بعملية إعادة إعمار تعتمد اعتماداً كبيراً على أموال الدول الخليجية العربية والغربية التي تشترط تقديم الأموال اللازمة بعودة الاستقرار إلى سورية الذي يبدو اليوم هشّاً أكثر من أي وقت مضى.
والراهن اليوم أن لبنان، مثل أغلبية دول المنطقة، دخل مرحلة جديدة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي، وأصبح مستقبل استقراره السياسي والمالي مرتبطا بأكثر من مسألة، بالإضافة إلى تطور الصراعات الإقليمية والدولية على السيطرة على دول المنطقة. من مستقبل سورية السياسي، وانعكاسه على مسيرة إعادة الإعمار، مروراً بانعكاسات العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران وحزب الله، وصولاً إلى "صفقة القرن" التي يبدو أنه سيعلنها الأميركيون في نهاية شهر رمضان، وستتضمن على الأرجح توطين الفلسطينيين في لبنان، ما من شأنه أن يؤجج مجدداً مخاوف لبنانية قديمة، حيال موضوع اللجوء الفلسطيني، ومخاوف لبنانية جديدة حيال استمرار اللجوء السوري، وتأثير ذلك كله على التوزان الداخلي الهشّ في لبنان.
في هذا السياق، يبدو الحديث داخل لبنان عن حرب جديدة بين حزب الله وإسرائيل من قبيل التهويل والتخوف أكثر منه من قبيل التقديرات التي تستند إلى وقائع ومعطيات جدّية، فمنذ حرب تموز/ يوليو 2006 لم تتغير كثيراً المقاربة الإسرائيلية إزاء موضوعي سلاح حزب الله والجبهة الشمالية. وهي تستند إلى خطوط حمراء واضحة، أهمها منع انتقال سلاح كاسر للتوازن إلى يدي حزب الله، ومنع الحزب من إقامة بنية تحتية عسكرية في هضبة الجولان السورية، ومنع إيران من بناء مصانع لإنتاج الصواريخ الدقيقة في لبنان. وجميع هذه الأمور موضع متابعة دقيقة من الإسرائيليين، ولا يبدو حتى الآن ثمّة تغيرات كبيرة في هذا الصدد، وما تزال هناك مصلحة واضحة من إسرائيل وحزب الله بالامتناع عن مواجهة عسكرية جديدة، قد تتطوّر إلى حربٍ على أكثر من جبهة، ليست إسرائيل في الوقت الحالي على الأقل في واردها.
لكن في ضوء الوضع القائم من عدم اليقين، أي تغير في المعطيات يعني احتمال حدوث 
توتراتٍ ومواجهات، مثل احتمال أن تؤدي العقوبات الاقتصادية الأميركية الصارمة المفروضة على إيران، وإعلان الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني تنظيماً إرهابياً، إلى رفع درجة التوتر على الحدود الجنوبية، وزيادة احتمال وقوع مواجهة عسكرية لا يرغب أحد من الطرفين في وقوعها. والراهن أن إسرائيل اعتادت على فكرة التعايش مع الترسانة الصاروخية الضخمة التي يملكها حزب الله، بعد أن أصبح دور هذا السلاح ردعياً أكثر منه هجومياً، وبات فائض القوة العسكرية للحزب أداةً يستخدمها في الجبهة الداخلية اللبنانية لفرض إرادته على الحياة السياسية أكثر منه أداة ضغط عسكرية على إسرائيل. بمعنى آخر، قواعد اللعبة التي وضعت في أعقاب حرب تموز 2006 ما تزال سارية المفعول، وأصبحت مثالاً تحاول إسرائيل تطبيقه مع حركة حماس في غزة، ومن خلال مقايضة الهدوء على الحدود مع القطاع بتقديماتٍ اقتصاديةٍ ومعيشيةٍ للتخفيف من الضائقة الإنسانية التي يعانيها أهل غزة.
تبقى مسألة تجدّد النقاش الداخلي بشأن لبنانية مزارع شبعا بين حزب الله الذي يصر على أن مزراع شبعا أراض لبنانية محتلة وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، الذي يقول إن المزارع ليست خاضعة للسيادة اللبنانية، بل السورية. في خلفية هذا الجدل، المسعى الأميركي الذي قام به وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، لدى زيارته للبنان وإسرائيل، والذي اقترح فصل الخلاف الإسرائيلي- اللبناني على ترسيم الحدود البرية عن الخلاف على ترسيم الحدود البرية، واقترح بومبيو أولاً حل مشكلة الحدود البرية بالحصول على موافقة إسرائيل على التنازل عن الأراضي التي يطالب لبنان بالسيادة عليها، أي استعادة السيادة اللبنانية على القرى السبع من دون مزارع شبعا المختلف على سيادتها، وفي المقابل، يجري حل الخلاف على الحدود البحرية بالتحكيم الدولي، ما يسهل على لبنان مسألة التعاقد مع الشركات الأجنبية على استخراج الغاز والنفط من البلوكات التي هي موضع خلاف مع إسرائيل.
معروفٌ أن الشعوب، في أوقات الأزمات، تتصاعد فيها الميول الفاشية الشعبوية العنصرية وكراهية الغريب. ومن تداعيات لبنان المأزوم الشعار المعيب للتيار الوطني الحر، بمناسبة عيد العمال "لا تشغل إلا لبناني"، الذي هو محاولةٌ بائسةٌ لامتصاص النقمة الشعبية على تردّي الأحوال المعيشية، وعلى فساد الطبقة الحاكمة، وتحويله إلى عداء للعمال السوريين والفلسطينيين. وهذا موقف مشين وغير أخلاقي.
رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر