الجبهة اللبنانية: معضلة إسرائيلية ولبنانية

الجبهة اللبنانية: معضلة إسرائيلية ولبنانية

25 فبراير 2024

مقاتلون من حزب الله خلال تشييع علي الدبس في النبطية جنوب لبنان (16/2/2024/فرانس برس)

+ الخط -

شهدت المواجهات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي في الشهرين الماضيين تصعيداً دراماتيكياً ينذر بالأسوأ، ويثير مخاوف عميقة حيال إمكانية الإنزلاق إلى مواجهة أعنف وأوسع وأخطر وأكثر تدميراً. وعلى الرغم من عدم وجود أي مصلحة لدى أي طرف محلي وإقليمي ودولي في حربٍ واسعة النطاق بين إسرائيل ولبنان، فإن الصورة اليوم أكثر تعقيداً مما كانت عليه مع بداية المواجهات على الحدود في 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والوضع الناشئ حالياً على طرفي الحدود، سواء في إسرائيل أو في جنوب لبنان، حوّل المواجهات الدائرة ومصيرها إلى معضلة إسرائيلية ولبنانية في آن.

بالنسبة إلى حزب الله الذي دخل هذه الحرب من منطلق التضامن مع "حماس"، ومن أجل إشغال الجيش الإسرائيلي على أكثر من جبهة، يجد نفسه اليوم في مواجهة وضعٍ صعب، مع تصعيد إسرائيل هجماتها على بلداتٍ تقع في عمق الأراضي اللبنانية بعيداً عن منطقة الخمسة كيلومترات التي اقتصرت عليها في الشهرين الأولين، واستهدافها مواطنين أبرياء، وتوسّع عمليات الاغتيال لمسؤولين عسكريين ضحيتها أبرياء أيضاَ.

تعقّد كل هذه التطورات مهمّة حزب الله في حرب الإسناد التي يخوضها، وتقوّض قواعد الاشتباك التي وضعها لها، وحاول فيها أن يأخذ في الحسبان جزءاً كبيراً من الرأي العام اللبناني الرافض جرّ لبنان إلى حرب واسعة النطاق، ذات عواقب مدمّرة وخيمة.

يرفض سكّان المستوطنات الشمالية في إسرائيل العودة إلى بيوتهم قبل إزالة تهديد حزب الله العسكري، وإعادة إعمار ما تهدم

من ناحية أخرى، يحتّم أي حل للمعضلة قبول الحزب الانسحاب مسافة ثمانية إلى عشرة كيلومترات عن الحدود، ومعنى ذلك تلبية المطلب الإسرائيلي بنزع سلاحه في هذه المنطقة، وإزالة كل وجود عسكري له، وهذا يبدو معقّداً من جهة، لأن مقاتلي الحزب هم من سكّان القرى والمنطقة المطالب بنزع سلاحها، وليست هناك جهة قادرة على إجبارهم على تسليم سلاحهم. ومن جهة ثانية، لأن معنى هذا تخلّي الحزب عن أرصدة بناها طوال سنوات، تحضيراً لمواجهة محتملة مستقبلاً مع إسرائيل، لا سيما أن المقابل الذي تقدّمه إسرائيل هو أن بعد تطبيق قرار مجلس الأمن 1701، تبدأ المفاوضات غير المباشرة على ترسيم الحدود البرّية وإيجاد حل للنقاط الحدودية الخلافية على الخط الأزرق، الأمر الذي يمكن أن يشكّل إنجازاً سياسياً يحقّقه الحزب أمام الرأي العام اللبناني.

بالنسبة إلى إسرائيل، بدا الوضع الناشىء في البلدات الإسرائيلية المتاخمة للحدود اللبنانية يضغط أكثر فأكثر، فالمستوطنات الشمالية التي تحولت إلى مدن أشباح، بعد أن أُخليت من السكان، تعرّضت، في الأشهر الماضية، إلى أضرار جسيمة جرّاء صواريخ حزب الله، وأيضاَ بسبب استخدام الجنود النظاميين في الجيش الإسرائيلي منازل المواطنين التي تركوها على عجل. يرفض سكّان هذه المستوطنات العودة إلى بيوتهم قبل إزالة تهديد حزب الله العسكري، وإعادة إعمار ما تهدم، وإيجاد واقع أمني جديد آمن على الحدود، الأمر الذي يبدو حالياً بعيد التحقيق.

التزام حزب الله بوقف النار لا يزيل في رأي إسرائيل تهديداته العسكرية على مستوطناتها الشمالية

من جهة أخرى، توشك المواجهات مع حزب الله أن تصل إلى مرحلة وصفها أحد المعلقين العسكريين في إسرائيل بالدمار المتبادل الأكيد. أي مواجهة كبيرة ستكون مدمّرة للطرفين، حتى لو كان الثمن الذي سيدفعه اللبنانيون أكثر فداحة من الثمن الذي سيدفعه الإسرائيليون في ضوء الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها هذا البلد. وهكذا، تحولت المواجهات على الحدود مع لبنان إلى معضلة إسرائيلية، وكل السيناريوهات العسكرية المطروحة لحلها سيئة ومخيفة ومدمّرة. وبرزت، أخيراً، أكثر من وجهة نظر إسرائيلية لمعالجة هذه المعضلة، منها توجيه ضربة استباقية قوية إلى البنى التحتية في الدولة اللبنانية، وليس إلى حزب الله وحده، لأن هذه هي الطريقة الناجعة لإيلام الحزب ودفعه إلى الانسحاب؛ وهناك من يرى ضرورة الاستعداد لحرب شاملة، لأنه إذا استمرّت الحرب في غزّة، فإن حرباً في لبنان ستُصبح أمراً لا مفر منه؛ بينما هناك من يرى أن التوصل إلى وقف إطلاق نار في غزّة سيدفع بالمساعي الدبلوماسية لحل المعضلة على الحدود اللبنانية، لكن الجميع متّفقٌ في الرأي على أن حلّ هذه المعضلة سيكون طويلاً وصعباً.

ولكن خطر توسّع الحرب في لبنان ليس مسألة مرتبطة فقط بحزب الله وإسرائيل، بل هناك أطراف إقليمية لا مصلحة لها في ذلك، مثل إيران التي وقفت، منذ بداية المواجهات، ضد كل محاولات التوريط الإسرائيلية للحزب بحربٍ واسعةٍ في رأيها لا مصلحة لها فيها، وتخاف من أن تلحق خسائر كبيرة بأحد أهم أرصدتها في المنطقة؛ وهناك أيضاَ الرفض القاطع للإدارة الأميركية لتوسّع هذه المواجهات منذ اليوم الأول لاندلاعها، وإيفادها مبعوثها الخاص عاموس هوكشتاين في زياراتٍ متكرّرة إلى لبنان وإسرائيل، للحوؤل دون أيّ تطوراتٍ مأساويةٍ على هذه الجبهة.

حتى لو جرى الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزّة، فإنه لا يقدّم حلاً لمعضلة الجبهة اللبنانية من وجهة النظر الإسرائيلية على الأقل، لأن التزام حزب الله بوقف النار لا يزيل في رأي إسرائيل تهديداته العسكرية على مستوطناتها الشمالية.

رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر