كيف تكذب بالأرقام في مصر؟

كيف تكذب بالأرقام في مصر؟

24 اغسطس 2020
خفض زنة رغيف الخبز (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -

يجيد بعض كبار المسؤولين في مصر الكذب على المواطن والرأي العام، واستخدام لعبة الأرقام في تبرير هذا الكذب، متوهمين أن كلامهم هو الصدق بعينه، وأنه لا أحد سيراجع خلفهم للتأكد من دقة أرقامهم وصحة معلوماتهم، وأنهم الأعلم بالأرقام الدولية والإحصاءات المحلية، رغم أن تلميذاً في المدرسة الابتدائية يستطيع أن يكتشف زيف تلك الأرقام، ويؤكد عدم دقتها من خلال الدخول على مواقع المؤسسات المالية الدولية والمحلية معاً، بل يستطيع هذا التلميذ الصغير أن يكشف للجميع أن هذا المسؤول، أو ذاك الوزير، هو شخص يخدع الناس ويرهبهم بالأرقام.
أحدث فصول التلاعب بالأرقام، ما ذكره طلعت حسن، وكيل وزارة التموين في الجيزة قبل أيام، من أن رغيف الخبز المصري هو الأرخص في العالم، وأن "سعره البالغ 5 قروش لا يكفي لشراء لبانة أو علكة ". 
ولمزيد من التدليس، قال حسن إنه لم يُمَسّ بعدد أرغفة الخبر المدعم الممنوحة للمواطن من قبل الحكومة، وهو عدد 5 أرغفة في اليوم، وهذا كلام فيه تدليس، صحيح أنه لم يُمَسّ بالعدد، لكن وزن الرغيف خُفِّض بنسبة 18%، وهو ما يعني رفع سعره بهذه النسبة وبشكل غير مباشر.
ولو طالع هذا المسؤول الإحصاءات العالمية، ومنها ما نشرته مجلة الإيكونوميست الاقتصادية البريطانية منتصف العام الماضي، لأدرك على الفور أن كلامه عن أن رغيف الخبز المصري هو الأرخص في العالم غير دقيق، وأن هناك دولاً أخرى أرخص، منها الجزائر وسورية وفنزويلا وأوزبكستان وغيرها. 

وحتى إذا افترضنا أن الخبز المصري هو الأرخص، فيجب مقارنة السعر بدخل المواطن، لا أن تكون المقارنة في المطلق. ولو أخذنا بمعيار دخل الفرد مثلاً، لوجدنا أن الخبز في العديد من دول الخليج أرخص بكثير من مصر، فالمواطن الخليجي ينفق ربما أقل من 1% من راتبه ودخله على شراء الخبز، أما في مصر فإن النسبة تزيد كثيراً، وخاصة أن الخبر يُعَدّ وجبة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها في الوجبات الثلاث لدى أهالي صعيد مصر والريف، لدرجة أنه يُطلق عليه اسم العيش.
الأرقام لعبة يجيدها كبار المسؤولين في مصر منذ سنوات طويلة، فاحتياطي النقد الأجنبي هو الأعلى منذ سنوات حسب تصريحات هؤلاء الذين يتفاخرون دوماً بأن الاحتياطي حقق قفزات في السنوات الأخيرة، وأن تفشي وباء كورونا هو من أوقف هذه القفزات، رغم أن القاصي والداني يعرف أن نسبة كبيرة من الاحتياطي النقدي تم تكوينها من خلال التوسع في الحصول على قروض خارجية وودائع من دول الخليج سيتم سدادها وسندات دولية تم الحصول عليها من مستثمرين خارجيين. 
ومرة أخرى يقال إن معدل النمو في مصر هو الأعلى في منطقة الشرق الأوسط، رغم أن المصدر الأساسي لهذا النمو هو كثافة القروض الخارجية، لا زيادة الإنتاج المحلي، كما أن هذا المعدل القياسي، من وجهة نظر هؤلاء، لم ينعكس على المواطن، الشغل الشاغل لأي حكومة، ولم يصاحبه توفير فرص عمل لملايين المواطنين. 

ومرة يقال لك إن الحكومة سددت مؤخرا 20 مليار دولار مستحقات خارجية، رغم أن الحقيقة هي أن هذه أموال ساخنة هربت من مصر، وأن الدولة ملتزمة تدبير الاحتياجات الدولارية للمستثمرين الأجانب الفارين من البلاد وغيرها من الأسواق الناشئة بسبب زيادة المخاطر.
الأمر نفسه يتكرر عند الحديث عن مقارنة أسعار أو تذاكر مترو إنفاق القاهرة مع تذاكر مترو باريس وغيره من العواصم الأوروبية، وأن المترو في مصر هو الأرخص على مستوى العالم، ولا يُقارَن هنا، المسؤول صاحب هذا التصريح المضلل، دخل المواطن المصري بدخل نظيره في الخارج، سواء في فرنسا أو غيرها، علما بأنه لا توجد أي مقارنة بين الدخلين من الأصل، فشتان بين السماء والأرض. 
 وكذا عند مقارنة أسعار البنزين والسولار في مصر مع أسعار الوقود في الولايات المتحدة وغيرها من الدول، حيث لا يُذكَر أي شيء عن مقارنة الدخول والرواتب، ولا يذكر أي مسؤول أي شئ عن تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية والتي تبعها تراجع حاد في اسعار المشتقات البترولية على مستوى العالم. 

لعبة الأرقام لا تنتهي عند هذا الحد، فالحكومة المصرية توقفت مثلاً عن رصد معدل الفقر منذ العام 2015 مع زيادته في السنوات الأخيرة بسبب الاجراءات التقشفية الحادة المصاحبة لقرض صندوق النقد الدولي، وتوقفت كذلك عن ذكر عجز الموازنة العامة كرقم بل تذكره كنسبة، والأرقام المتعلقة بالدين الخارجي والمحلي توقف إعلانها عند نهاية العام 2019، ولم نسمع عن أحدث الأرقام المتعلقة بالدين العام إلا من المؤسسات المالية الدولية ومنها صندوق النقد.

المساهمون