كذب التلفزيونات العربيّة

كذب التلفزيونات العربيّة

25 ديسمبر 2016
التلفزة العربيَّة الرسميَّة تفقد المصداقية (فرنس برس)
+ الخط -
يستغرب البعض من اعتماد التلفزيونات العربية الرسمية، خلال تغطيتها للأحداث السياسية والاجتماعية في السنوات القليلة الماضية، على سرد تفاصيل وأخبار ووقائع، تبدو في غاية الغرابة والسماجة وعدم التصديق أحياناً. فمن حديث عن المجسمات لمدن كاملة، مروراً بالادّعاء المزمن حول المؤامرات الكونيّة وصولاً إلى الحديث عن حروب الجيل الخامس، تبدو هذه التلفزيونات، وخاصة السورية والمصرية منها، وكأنها تتقصد هذا الأسلوب وتعتمده سياسة تحريرية، لا تشوبها الهفوات المهنية أو الأخطاء الاحترافية.

وإذ يرى البعض أن هذا الأسلوب خطوة تنسجم مع سياسة النظم الحاكمة المالكة لتلك القنوات، ورغبتها في إشاعة نمط من التسطيح والاستسهال، فإن الحقيقة الثابتة لهذا الجنوح نحو اللامنطق في سرد الأخبار وتغطية الأحداث، يتعدى ذلك، إلى تكريس حالة التبعية والاستعباد بين الفئات المؤيدة لنظام الحكم وجماعاته التابعة لذات الأيديولوجيا. ذلك أن درجة "مصداقية" تلك الرسائل التلفزيونية هي مؤشر الإذلال، والمعادل الطبيعي لسوية الإخضاع، واختراق العقول الخائفة من التغيير.
فكلا الطرفين، سواء القائمون على التلفزيونات الرسمية الشمولية أو المشاهدون؛ المنسجمين مع خطابها، يدركون مدى الكذب والنفاق وعدم مصداقية تلك القنوات، خاصة في التحليل ومتابعة الأحداث السياسية. لكنهم يجبرون أنفسهم على التصديق، لعلمهم وقناعتهم بأن عملية التصديق، هي أولى فروض الطاعة للنظام السياسي، وأحد شروط الولاء له.

ثمة مقصد من ذلك الكذب وذلك التصديق، فالإعلام والتلفزيونات الرسميّة لا تطلب من مشاهديها، إجراء مقاربات عقلية ومنطقية، ولا يعنيها مدى قدرة مشاهديها على تحليل وتفكيك كل ما يصدر عنها. على العكس، يطلب منهم الذوبان في خطاب السلطة، وإلغاء الإرادات، وفرض رؤية وخيال موحد على الجميع.
وعليه، فإن عدم التصديق والتدقيق في الحقائق، يعني رفض الشمولية التي يقوم عليها النظام السياسي، وإعلامه الشمولي، الذي لا يبحث في الحقائق والمعلومات، بل يؤكد عبر مفردات "خشبية" على قدرته في امتلاك الحقائق والحديث باسمها.
بيد أن الجانب الأخطر في موضوع سرد الأخبار والحوادث بلغة بعيدة عن المنطق وعدم الالتزام بالمصداقية، لا يتعلق بالدور الوظيفي لتلك القنوات في التغطية على استبدادية النظام السياسي وقتلها للمخيلة الفردية، والاستثمار في المخاوف الشعبية، إنما تكمن في إستنهاض الروح الفاشية ومحاصرة المتلقي بهواجسه وخوفه، والإيهام بعدم مسؤوليته الأخلاقية اتجاه الأحداث والوقائع، لا في الحاضر ولا في المستقبل. وحقيقة، جرى ذلك، وبشكل واضح مع الإعلام والتلفزيون السوري الرسمي المؤدلج. فرغم بشاعة ما تعرَّض له الناس في مناطق المعارضة، من قصف بالبراميل المتفجرة ، وتدمير وتشريد وقتل، مازال أغلب المؤيدين للنظام على اعتقاد، "بأن المعارضين هم من يقومون بقصف بيوتهم، وقتل أهلهم من أجل إثارة الرأي العام".
هكذا ومع إدراكنا ان التلفزيونات العربية الرسمية لا تحرص على "الصدقية"، بذات درجة الحرص على مصلحة النظام السياسي والدعاية له، تظهر لنا حقيقة ادعاءاتها حول الجدية والمتانة والنبرة العالية، لا لبناء سياق معرفي، بل لمحاصرة العقول بخطاب أيديولوجي ذي صبغة وإيقاع سياسي واحد.

المساهمون