06 ديسمبر 2024
عن القانون الحديدي ووباء السلطة
نظمت، في عام 1974، مجموعة من الضباط الماركسيين، في إثيوبيا، انقلاباً عسكرياً ضد الإمبراطور هيلاسيلاسي الذي كان يحيط نفسه بحالةٍ من القدسية المصطنعة، ويعيش في أجواء إمبراطورية باذخة، على الرغم من أن إثيوبيا كانت من أكثر البلاد فقراً. وكعادة الانقلابات العسكرية في الدول النامية التي خرجت من فترة استعمار، أعلن الضباط أن الانقلاب هو ثورة تصحيح، من أجل نشْر العدل والحرية والمساواة، ومن أجل قيام حياة ديمقراطية سليمة. وفي البداية، أعلنوا ولاءهم للإمبراطور لضمان عدم مقاومة القبائل والقيادات الدينية، ثم تدريجياً بدأت عجلة الاعتقالات والإعدامات في صفوف الطبقة السياسية. ومع الوقت، تم استيعاب المقاومة والاعتراضات وتجميدها، ثم تم القبض على الإمبراطور هيلاسيلاسي وإعدامه، من دون مقاومةٍ تذكر، ثم تم إعلان إثيوبيا دولةً اشتراكية، وتم التأميم والمصادرات المقترنة بالقمع.
وفي هذه الأثناء، كان الرائد مينجستو يدعّم وضعه في السلطة، ثم بدأ إطاحة شركائه في الانقلاب، والاستحواذ على السلطة، وتقريب كل الموالين له، وإقصاء كل من لديه وجهة نظر مختلفة. وعاش مينجستو حياة الإمبراطور الباذخة نفسها في القصر الذي كان يعيش فيه هيلاسيلاسي، وتصرف مثله. ولكن، باسم الاشتراكية والعدالة والثورة، وأصبح الضباط ومعاونوه يرتدون أفخم الماركات، ويستوردون لهم أفخم السيارات، ويعيشون في أفخم المنازل ويشربون أفخم أنواع الخمور، بحجة التفرغ للقيادة والتخطيط السليم لنشر العدل والمساواة وتحقيق أهداف الثورة المجيدة.
وفي التسعينيات، قام لوران كابيلا بقيادة الثورة في الكونغو ضد موبوتو سيسيسيكو الذي كان مناضلاً قديماً ضد الاستعمار، ثم تحول إلى ديكتاتور أسوأ من الاستعمار بعد استقلال الكونغو. وغيّر لوران كابيلا اسم الدولة إلى الكونغو الديمقراطية، بعد أن كان موبوتو قد غيّر اسمها من الكونغو كينشاسا إلى زائير. ولكن، على الرغم من الشعارات التي كان يتم رفعها كل مرة، لم ينجح المناضل موبوتو سيسيسيكو في جعل زائير دولةً حرةً مستقلةً، تستغل ثرواتها بنفسها بعيداً عن القوى الاستعمارية. ولم ينجح لوران كابيلا في جعل الكونغو الديمقراطية دولةً ديمقراطيةً، لأن الهدف كان السلطة، ولم يكن بناء مؤسساتٍ تضمن التوازن، وتقسيم السلطة وتراقب السلطة الحاكمة، وها هي الكونغو الديمقراطية التي كان اسمها زائير، وقبلها الكونغو كينشاسا، تعاني من الظلم والفساد والقمع واحتكار السلطة.
لم يختلف الأمر في زيمبابوي كثيراً، فالمناضل روبرت موغابي الذي أسهم في استقلال البلاد،
لا يزال يحكم، وقد تعدى التسعين عاماً، فهو الذي حكم زيمبابوي على قواعد الاستعمار نفسه، وأساليب الاحتكار نفسها، وهو الذي قضى على كل شركاء النضال، وكل أشكال المعارضة، واستحوذ على الثروات والمناجم له وللمقربين والمؤيدين، وحافظ على التعاقدات والتعاملات الاحتكارية منذ العهد الاستعماري، لكي يزداد قوةً وسيطرةً، على الرغم من حديثه الدائم عن الغرب والمؤامرات والاستقلال الوطني.
تكرّر في معظم الدول الإفريقية السيناريو بأن يتحول المناضلون الثوريون إلى سفاحين أكثر دمويةً من الاستعمار. إنه وباء السلطة، ربما لم تنجح إلا دول قليلة، من ضمنها بتسوانا التي استطاعت كسر القالب، وعدم الدخول في دائرة الاستحواذ على السلطة والصراع المتبادل عليها، فمنذ استقلالها عام 1960، كان هناك إصرار من القائمين على السلطة أن يكون هناك توزيع عادل للثروات، واحتواء لجميع القبائل، وألا تكون الثروات في يد قبيلةٍ أو مجموعة بذاتها، كما تمت إتاحة الفرص الاستثمارية للجميع من دون محاباة، وهو ما أحدث حالةً من الرضا العام، ولم يكن هناك صراع على السلطة، لأنها لم تكن هدفاً في حد ذاتها.
ولا نستطيع أن نتجاهل تجربتنا العربية، وما نحن فيه الآن، فقد كانت موضة الانقلابات العسكرية في الخمسينيات تحت شعارات التحرّر من الاستعمار، والقضاء على الإقطاع، وإقامة حياة ديمقراطية سليمة. ولكن، بمجرد أن استحوذ الضباط على السلطة المطلقة، وبدأت موجات الإقصاء والقمع وقتل الحياة السياسية، تحت شعارات القضاء على أعوان الاستعمار، حتى تحول الضباط الحكام لممارسات هي الأكثر سوءاً ودمويةً من الاستعمار، وأكثر فساداً وفجوراً من حاشية الملك. ولدينا في مصر التجربة الأعم والأهم، عندما قرّر الضباط الأحرار الاستحواذ على السلطة، وعدم العودة إلى الثكنات، بحجة استكمال الثورة، ثم عاثوا في الأرض فساداً، واستغلوا سلطاتهم المطلقة، واستوطنوا القصور، وعاشوا مثل العائلة المالكة، حتى تحولوا إلى عائلات مالكة ومراكز قوى. وقد أدى النظام الشمولي والاستبداد وتكميم الأفواه وقتل الحياة السياسية وإرهاب المواطنين إلى هزيمةٍ عسكريةٍ مريرةٍ في 1967، لا نزال نعاني من آثارها.
إنه القانون الحديدي للأوليجاركية، وهي حكم الأقلية التي تفعل كل شيء، من أجل البقاء في السلطة، فالأوليجاركية تعيد دائماً إنتاج نفسها، مع تغيير بعض الأشخاص، لكن القواعد والقوانين الفاسدة نفسها تستمر، فعندما تتملك مجموعة جديدة السلطة، فإنها تستغل عدم وجود مؤسسات قويةٍ، توازن السلطة لتقوم المجموعة الجديدة باحتلال أماكن النظام القديم نفسها، واستخدام أدواته نفسها، إلقاء السلم بعد الصعود، حتى لا يصعد شخص آخر، ووضع العراقيل من أجل عدم قيام تعددية، أو من أجل منع تداول السلطة.
يذكّرني ذلك بالإخوان المسلمين في مصر، عندما استخدموا بعد ثورة يناير وسائل الحزب
الوطني، الحاكم قبل الثورة، خصوصاً الزيت والسكر والرشاوى الانتخابية وسلاح التخوين وتبنّي مبدأ المغالبة، وليس المشاركة كما وعدوا قبل تولي السلطة. واستمرت قاعدة القانون الحديدي للأوليجاركية بشكل أسوأ بعد إزاحتهم، فالحكم الحالي استخلص أسوأ ما في حكم حسني مبارك، وأسوأ ما في حكم "الإخوان"، ليقيم نظاماً استحواذياً إقصائياً لكل من هو خارج الدوائر القديمة، وقمعياً لكل من لديه رأي مختلف.
ولا تقدّم المؤسسات الاستحواذية أي مراجعات، ولا تعترف بأي خطأ. ولذلك، لا تزال مراجعات "الإخوان" بعيدة، وكذلك لن يعترف النظام الحالي بأي تخبطٍ أو إجراءاتٍ كارثية تؤدي إلى تفاقم الوضع. يتبنّى النظام الحالي في مصر منهجا خاطئاً، أثبت فشله في عهد مبارك، وهو "نظرية التحديث" التي تزعم أنه عندما يكون هناك نمو اقتصادي، واتجاه نحو تحرير السوق ومزيد من الرأسمالية، سيؤدي ذلك إلى تطور تدريجي، وانفتاح سياسي تدريجي، واتجاه نحو التحضر والحداثة والتقدم والتحول الليبرالي الذي قد يقود إلى التحول التدريجي نحو الديمقراطية، فتحرير السوق، طبقا لتلك النظرية، يؤدي إلى تخفيف قبضة الدولة تدريجياً.
وقد تؤدي الديمقراطية الصورية الإجرائية، طبقا لتلك النظرية، مع الوقت، إلى تحول ديمقراطي تدريجي. وهذه النظرية خاطئة، فرأسمالية المحاسيب والنيوليبرالية في عهد مبارك ربما أدت إلى زيادة النمو الاقتصادي، ولكنها أيضا زادت المعاناة والظلم والفروق بين الطبقات، فهناك فارق كبير بين النمو والتنمية.
وهناك نماذج كثيرة في التاريخ لأنظمة سلطوية حققت نمواً اقتصادياً، ولكنها لم تحقق ديمقراطيةً أو رضى عاماً، أو عدالة اجتماعية. وفي بعض الحالات، قد يؤدي النمو الاقتصادي وتحرير السوق إلى تعليم جيد، واهتمام بالبحث العلمي، من أجل تحديث التصنيع، هذا في حالة تطبيق قواعد الحوكمة، ولكن التقدم العلمي والتعليم الجيد لم يمنعا، مثلاً، ظهور هتلر الذي قاد العالم كله نحو الكوارث.
والأرجنتين التي كانت من أغنى دول العالم وأكثرها تعليماً وتقدماً، ولكن الاستبداد واحتكار السلطة أديا إلى سلسلة من الاضطرابات والثورات والانقلابات العسكرية وضياع الثروات وإفلاس الدولة، كما أن الدول الريعية التي لديها ثرواتٌ طبيعيةٌ ونمو اقتصادي، منذ سنوات لم تتحقق فيها الديمقراطية.
ربما تؤدي قروض البنك الدولي إلى تحسن الاقتصاد، لكنها، في معظم الحالات، تسببت في زيادة المعاناة للطبقات الفقيرة وزيادة الفجوة بين الطبقات، فبدون علاج لأسباب الأزمات الاقتصادية، لن يكون هناك تغيير أو إصلاح، فزيادة عجز الموازنة قد يكون قمة الجبل الجليدي، والقروض هي مجرد مسكّنات، إن لم يتم علاج المشكلات، فالاستبداد والفساد يلتهمان القروض، والمعونات الأجنبية للمستبدين ليست حلاً، فمعظمها يتم إهداره مباشرة أو غير مباشرة، إما بالنهب أو الفشل الإداري، حتى المعونات المشروطة بإحداث تقدّم في مجال الديمقراطية تنجح الأنظمة المستبدة في الالتفاف عليها، وإقامة ديمقراطية شكلية، فالأهم هو بناء المؤسسات وإحداث توازن بين السلطات وضمان عدم الانفراد بالسلطة وضمان إمكانية المشاركة للجميع، من دون إقصاء أو تخوين أو إرهاب.
وفي هذه الأثناء، كان الرائد مينجستو يدعّم وضعه في السلطة، ثم بدأ إطاحة شركائه في الانقلاب، والاستحواذ على السلطة، وتقريب كل الموالين له، وإقصاء كل من لديه وجهة نظر مختلفة. وعاش مينجستو حياة الإمبراطور الباذخة نفسها في القصر الذي كان يعيش فيه هيلاسيلاسي، وتصرف مثله. ولكن، باسم الاشتراكية والعدالة والثورة، وأصبح الضباط ومعاونوه يرتدون أفخم الماركات، ويستوردون لهم أفخم السيارات، ويعيشون في أفخم المنازل ويشربون أفخم أنواع الخمور، بحجة التفرغ للقيادة والتخطيط السليم لنشر العدل والمساواة وتحقيق أهداف الثورة المجيدة.
وفي التسعينيات، قام لوران كابيلا بقيادة الثورة في الكونغو ضد موبوتو سيسيسيكو الذي كان مناضلاً قديماً ضد الاستعمار، ثم تحول إلى ديكتاتور أسوأ من الاستعمار بعد استقلال الكونغو. وغيّر لوران كابيلا اسم الدولة إلى الكونغو الديمقراطية، بعد أن كان موبوتو قد غيّر اسمها من الكونغو كينشاسا إلى زائير. ولكن، على الرغم من الشعارات التي كان يتم رفعها كل مرة، لم ينجح المناضل موبوتو سيسيسيكو في جعل زائير دولةً حرةً مستقلةً، تستغل ثرواتها بنفسها بعيداً عن القوى الاستعمارية. ولم ينجح لوران كابيلا في جعل الكونغو الديمقراطية دولةً ديمقراطيةً، لأن الهدف كان السلطة، ولم يكن بناء مؤسساتٍ تضمن التوازن، وتقسيم السلطة وتراقب السلطة الحاكمة، وها هي الكونغو الديمقراطية التي كان اسمها زائير، وقبلها الكونغو كينشاسا، تعاني من الظلم والفساد والقمع واحتكار السلطة.
لم يختلف الأمر في زيمبابوي كثيراً، فالمناضل روبرت موغابي الذي أسهم في استقلال البلاد،
تكرّر في معظم الدول الإفريقية السيناريو بأن يتحول المناضلون الثوريون إلى سفاحين أكثر دمويةً من الاستعمار. إنه وباء السلطة، ربما لم تنجح إلا دول قليلة، من ضمنها بتسوانا التي استطاعت كسر القالب، وعدم الدخول في دائرة الاستحواذ على السلطة والصراع المتبادل عليها، فمنذ استقلالها عام 1960، كان هناك إصرار من القائمين على السلطة أن يكون هناك توزيع عادل للثروات، واحتواء لجميع القبائل، وألا تكون الثروات في يد قبيلةٍ أو مجموعة بذاتها، كما تمت إتاحة الفرص الاستثمارية للجميع من دون محاباة، وهو ما أحدث حالةً من الرضا العام، ولم يكن هناك صراع على السلطة، لأنها لم تكن هدفاً في حد ذاتها.
ولا نستطيع أن نتجاهل تجربتنا العربية، وما نحن فيه الآن، فقد كانت موضة الانقلابات العسكرية في الخمسينيات تحت شعارات التحرّر من الاستعمار، والقضاء على الإقطاع، وإقامة حياة ديمقراطية سليمة. ولكن، بمجرد أن استحوذ الضباط على السلطة المطلقة، وبدأت موجات الإقصاء والقمع وقتل الحياة السياسية، تحت شعارات القضاء على أعوان الاستعمار، حتى تحول الضباط الحكام لممارسات هي الأكثر سوءاً ودمويةً من الاستعمار، وأكثر فساداً وفجوراً من حاشية الملك. ولدينا في مصر التجربة الأعم والأهم، عندما قرّر الضباط الأحرار الاستحواذ على السلطة، وعدم العودة إلى الثكنات، بحجة استكمال الثورة، ثم عاثوا في الأرض فساداً، واستغلوا سلطاتهم المطلقة، واستوطنوا القصور، وعاشوا مثل العائلة المالكة، حتى تحولوا إلى عائلات مالكة ومراكز قوى. وقد أدى النظام الشمولي والاستبداد وتكميم الأفواه وقتل الحياة السياسية وإرهاب المواطنين إلى هزيمةٍ عسكريةٍ مريرةٍ في 1967، لا نزال نعاني من آثارها.
إنه القانون الحديدي للأوليجاركية، وهي حكم الأقلية التي تفعل كل شيء، من أجل البقاء في السلطة، فالأوليجاركية تعيد دائماً إنتاج نفسها، مع تغيير بعض الأشخاص، لكن القواعد والقوانين الفاسدة نفسها تستمر، فعندما تتملك مجموعة جديدة السلطة، فإنها تستغل عدم وجود مؤسسات قويةٍ، توازن السلطة لتقوم المجموعة الجديدة باحتلال أماكن النظام القديم نفسها، واستخدام أدواته نفسها، إلقاء السلم بعد الصعود، حتى لا يصعد شخص آخر، ووضع العراقيل من أجل عدم قيام تعددية، أو من أجل منع تداول السلطة.
يذكّرني ذلك بالإخوان المسلمين في مصر، عندما استخدموا بعد ثورة يناير وسائل الحزب
ولا تقدّم المؤسسات الاستحواذية أي مراجعات، ولا تعترف بأي خطأ. ولذلك، لا تزال مراجعات "الإخوان" بعيدة، وكذلك لن يعترف النظام الحالي بأي تخبطٍ أو إجراءاتٍ كارثية تؤدي إلى تفاقم الوضع. يتبنّى النظام الحالي في مصر منهجا خاطئاً، أثبت فشله في عهد مبارك، وهو "نظرية التحديث" التي تزعم أنه عندما يكون هناك نمو اقتصادي، واتجاه نحو تحرير السوق ومزيد من الرأسمالية، سيؤدي ذلك إلى تطور تدريجي، وانفتاح سياسي تدريجي، واتجاه نحو التحضر والحداثة والتقدم والتحول الليبرالي الذي قد يقود إلى التحول التدريجي نحو الديمقراطية، فتحرير السوق، طبقا لتلك النظرية، يؤدي إلى تخفيف قبضة الدولة تدريجياً.
وقد تؤدي الديمقراطية الصورية الإجرائية، طبقا لتلك النظرية، مع الوقت، إلى تحول ديمقراطي تدريجي. وهذه النظرية خاطئة، فرأسمالية المحاسيب والنيوليبرالية في عهد مبارك ربما أدت إلى زيادة النمو الاقتصادي، ولكنها أيضا زادت المعاناة والظلم والفروق بين الطبقات، فهناك فارق كبير بين النمو والتنمية.
وهناك نماذج كثيرة في التاريخ لأنظمة سلطوية حققت نمواً اقتصادياً، ولكنها لم تحقق ديمقراطيةً أو رضى عاماً، أو عدالة اجتماعية. وفي بعض الحالات، قد يؤدي النمو الاقتصادي وتحرير السوق إلى تعليم جيد، واهتمام بالبحث العلمي، من أجل تحديث التصنيع، هذا في حالة تطبيق قواعد الحوكمة، ولكن التقدم العلمي والتعليم الجيد لم يمنعا، مثلاً، ظهور هتلر الذي قاد العالم كله نحو الكوارث.
والأرجنتين التي كانت من أغنى دول العالم وأكثرها تعليماً وتقدماً، ولكن الاستبداد واحتكار السلطة أديا إلى سلسلة من الاضطرابات والثورات والانقلابات العسكرية وضياع الثروات وإفلاس الدولة، كما أن الدول الريعية التي لديها ثرواتٌ طبيعيةٌ ونمو اقتصادي، منذ سنوات لم تتحقق فيها الديمقراطية.
ربما تؤدي قروض البنك الدولي إلى تحسن الاقتصاد، لكنها، في معظم الحالات، تسببت في زيادة المعاناة للطبقات الفقيرة وزيادة الفجوة بين الطبقات، فبدون علاج لأسباب الأزمات الاقتصادية، لن يكون هناك تغيير أو إصلاح، فزيادة عجز الموازنة قد يكون قمة الجبل الجليدي، والقروض هي مجرد مسكّنات، إن لم يتم علاج المشكلات، فالاستبداد والفساد يلتهمان القروض، والمعونات الأجنبية للمستبدين ليست حلاً، فمعظمها يتم إهداره مباشرة أو غير مباشرة، إما بالنهب أو الفشل الإداري، حتى المعونات المشروطة بإحداث تقدّم في مجال الديمقراطية تنجح الأنظمة المستبدة في الالتفاف عليها، وإقامة ديمقراطية شكلية، فالأهم هو بناء المؤسسات وإحداث توازن بين السلطات وضمان عدم الانفراد بالسلطة وضمان إمكانية المشاركة للجميع، من دون إقصاء أو تخوين أو إرهاب.