عندما متُّ.. لأسباب نبيلة

عندما متُّ.. لأسباب نبيلة

17 ديسمبر 2014
مات من كتر الأكل (Getty)
+ الخط -
اجتمعتْ عواملُ عديدة في صناعة هذه الطرفة، أوّلها أنني أصبحت شرهاً للطعام بعد أن تركتُ عادة التدخين عام 2003، إثر عملية القلب المفتوح. وثانيها أنّني خرجت، يومها، من البيت من دون تناول طعام الفطور، وتأخرت في العودة، فكنت جائعاً جداً. وثالثها أنّ زوجتي (السيدة سلسبيل) مجتهدة في تحضير الأطعمة. ورابعها، أنّها كانت قد طبخت طعام الرز والبامياء، وهذه أكلتي المفضلة.

المهم أنني بدأت آكل بطريقة (إما قاتل أو مقتول!). حينما انتهيتُ من البلع، وما عدت قادراً على التنفس السليم، قلت لسلسبيل: نسيت أن أخبرك أنني أعول كثيراً على صدور الكتاب الذي أعددته "حكايات سورية لها علاقة بالاستبداد" لسببين. الأوّل، هو أنّه كتاب مهم يشارك فيه ثلاثون كاتباً من أفضل كتاب سورية المعاصرين وسيكون له شأن في الأوساط الثقافية والسياسية والثورية. والثاني، هو أنّني سأرصد ريعه لدعم مجلتي "كش ملك" الساخرة التي ما زلتُ أدفع تكاليفها من جيبي، وأصبحتُ مديوناً بسببها.

قالت: أنت من يوم ما عرفتك تقوم بمشاريع ثقافية خاسرة. قلت: ليس هذا موضوعنا. قالت: هه. وأيش هو موضوعنا؟ قلت: بصراحة، أكثرت من الأكل، وربّما أموت! قالت: بعيد الشر. قلت: إذا متُّ سيأتي المُحِبُّون للتعزية بي، وبعضهم سيتصلون بكم هاتفياً ويعزونكم، ثم يسألونكم عن سبب الوفاة. قالت بضجر: طيب. وبعدين؟ قلت: قولي لمن يسأل، أنّ كتابه الجديد "حكايات سورية" صدر، وقد أخبره الناشر بذلك، وأنّهم أرسلوا إليه مئتي نسخة، بالبريد البحري، ليتولى هو أمر توزيعها في تركيا. وقد مرّت الكمية المشحونة في ميناء إحدى الدول العربية الموالية لنظام الأسد، وحينما عرف موظفو الجمارك في الميناء أنّ الكتاب يفضح السلوك الاستبدادي لهذا النظام صادروه، وبمجرد ما عرف المرحوم خطيب بذلك امتقع لونه، وشهق، ثم مات.

كادت رهبة الحديث تدخل الهلع إلى نفس سلسبيل، لكنّها تماسكت: ليش كل هذا الشي؟ قلت لها: لأنّه من غير المناسب أن تقولي للناس إن زوجك الكاتب، النبيه، الفهمان، الحساس، العبقري، مات من كتر الأكل!

المساهمون