على الأقل حتى نهاية الليل

على الأقل حتى نهاية الليل

20 ابريل 2020
ألبيرتو بيرتوني
+ الخط -

ضربٌ وردّ مع جانكارلو بونتيجيا

*  ألبيرتو بيرتوني


أذكُر الجِدار في قصّة قصيرة
"فلنبتعد عن همومي"
ولكن أكثر من فاز لم يكن الجدار بل أنْ-لا
أكون أبداً غير ما أنا عليه
حانقاً، خاضعاً، ساخطاً

الكابوس هو تفكّك العالم هذا
بين الخياشيم والمعصم
وابل الذرّات هذا الخارج عن السيطرة
وأنت في المنتصف
مرآة كئيبة
لا تجمّل
أي شيء
إن لم يكن وجودي اليوم
أحد الأعراض الحيّة
للوشيك
عيد ميلادي الخامس والستّين
بمنأى عن
المجتمع الطيّب الذي علّمني
هو تأكيدٌ على الحق في الانعتاق
من عظامي ولكن أيضاً
من سمنتي المتبقّية المترتّبة
عن عواطف مطوّلة
واليوم - أُقرّ - هي مهملة
بسبب طعام أجزائي
وهذا القليل من الكحول

في المحصّلة، أنا أيضاً لو
حدث والتقطتُّ العدوى
سيتمّ على أقلّ تقدير حبسي
وبعد وقت قصير دفني
في الحديقة التي لا منفذ لها
حيث التقيت كبومةٍ
هذا الصباح
حشدَ كلاب عاوية
والبهاء المنطفئ لآذاري
مخدوشاً بشفرات الصقيع
التي يجمع فيها الشِّعر
النهاية بالبداية
لأنه، عزيزي جانكارلو بونتيجيا،
لا وجود لشيء آخر
غير هذا الاستنزاف السريع المتسلسل
للدموع من نهاية القصة
أو من فقدان لا يُعوَّض لأب
لو عرفنا لمرّة
قراءة السماء التي أصدرت
حكمها النهائي
لنهاية المطر
مع ضربات مسارات الثلج البيضاء
ولون أزرق
يلاحقني من على جانب المرض
ويتدهور الأمر بسرعة
يغدو غيبوبة مؤمّناً عليها
الأعصاب تَشبِكك على بعضك
وتنفجر العبارة داخلك
في شظايا حروف تقول
كفى كلاماً، عزيزي،
على الأقل حتى نهاية الليل
في الوقت المعتاد الذي لا يعرف النوم
لمرور العرق
أنا الطبيعة وما أدراك ما أنا
أُختزل إلى العدم
ليس الإنسان وحده عديم الاحساس
بل الحجر العاطل عن وجوده منذ زمن

ولكن بدلاً من أن تختزلني
في كلمة أُحادية منتهية الصلاحية
تقترب منذ زمن إلى الهاوية
حيث يعيش أحبّائي
أتجمّع كُلّي في دائرة
السنوات، والأيام، والساعات
حتى آخر دقيقة
أُنقذ فيّ تقريباً فقط:
ذرة الشم تلك
ومذاقاً في زاوية الفم.


Alberto Bertoni شاعر وناقد إيطالي، من مواليد 1955 مودينا في إقليم إيميليا ـ رومانيا بإيطاليا، أستاذ الأدب الإيطالي المعاصر في جامعة بولونيا، صدرت له عشرات المؤلّفات عن كبريات دور النشر الإيطالية، من دواوين شعرية منها "السرير الخاوي" (2012)، وأعمال نثرية منها "ذكريات من الزهايمر" (2016)، بالإضافة إلى أعمال نقدية أبرزها "تاريخ الشعر الإيطالي الحر (1995)، و"الشعر، كيف يُقرأ كيف يُكتب" (2006). حظيت أشعاره بدراسات نقدية موسّعة، ويُعدّ حالياً من أهم كتّاب صحيفة "لا ريبوبليكا".


■ ■ ■


كما لو كنّا نصوّر فيلماً

جانكارلو بونتيجيا


عزيزي ألبيرتو،
رسالتك هذه هي حقّاً هدية رائعة توظّف بعضاً من عناصر [كتابي] "المرآة"، مُزحزِحاً إياها على مستوى تجربة لا تقل إرباكاً وملحمية. هاوية الوقت والذاكرة، وبالتالي العالم، منهياً كل شيء بـ "ذرّة من الشم/ المذاق"، في لقطة ساخرة تخلع عنّا لوهلة، ذلك الشعور من الارتباك والدوخة الذي نحياه جميعاً كضحايا ومتواطئين عندما نفكر في العلاقة الغريبة للأنا بتعقيدات الكون.

كانت في غاية الجمال على وجه خاصّ تلك الأربطة التي اخترقتها تدفّقات نحوية جميلة تحاكي إلى حدّ ما الحركة غير المنتظمة للكلام، ولكنها تجد توازنها الذي لا تشوبه شائبة، وهو إيقاع يتوقّف عليه كلّ شيء.

وكأنّني أسمع في كتاباتك هذه صدى "تشيكو أنجولييري" أو مقطع فذ من "كارمينا بورانا"، حيث تتوحد اللقطة المرحة والمضحكة مع الكآبة السوداء، البعد الوجودي لمذاق التشويه والسخرية: تقاليد أحبّها كثيراً، وغالبًا ما أعود إليها في قراءاتي. شكراً من القلب، ألبيرتو: كان لا بدّ من كلمة متفجّرة بكلّ هذه العاطفة والتمرّد في لحظة غريبة ومفتوحة كهذه، تكاد تكون غير حقيقية: كما لو كنّا نصوّر فيلماً، أبطاله كومبارس فقط، فيلم طويل جدّاً وقاتم.

مع خالص التحية.
جانكارلو


Giancarlo Pontiggia شاعر وناقد إيطالي من مواليد 1952 في سيرينو بإقليم لومبارديا. صدر له العديد من الكتب النقدية والأعمال الأدبية، من بينها: "مرآة" عن دار موندادوري (2017) التي تعالقت قصيدة ألبيرتو بيرتوني "ضربٌ وردّ" معها نصيّاً.

المساهمون