عرائس السكر... هكذا تحتفل تونس برأس السنة الهجرية

عرائس السكر... هكذا تحتفل تونس برأس السنة الهجرية

تونس

مريم الناصري

avata
مريم الناصري
19 اغسطس 2020
+ الخط -

ليس رأس السنة الهجرية مناسبة عادية في تونس، وخصوصاً في ولاية نابل. وعلى الرغم من انتشار فيروس كورونا الجديد، حرص الأهالي على إعداد عرائس السكّر، ما يجعل شوارعها أكثر جمالاً وفرحاً

في شوارع المدينة العتيقة في ولاية نابل وغالبية الأحياء المتفرعة عن وسط المدينة، تغزو عرائس السكر غالبية المحال التجارية في الأسواق منذ أكثر من أسبوع. مشهد يتكرّر سنوياً في تلك المنطقة استعداداً للاحتفال برأس السنة الهجرية في تونس. تُعرض عرائس مختلفة الأشكال والأحجام والألوان والتي صنعت من السكر. 
وتعدّ عرائس السكر من بين أبرز مظاهر الاحتفال برأس السنة الهجرية في ولاية نابل على وجه الخصوص. وعلى الرغم من تفشي فيروس كورونا، لم تغب عرائس السكر. وتعدّ صناعة تلك العرائس كما تُسمى في المنطقة، من بين أهم المهن التي توارثها أهالي المدينة منذ قرون. إضافة إلى المحال، تُصنع من قبل العديد من النساء داخل البيوت.

في محلّ صغير وسط المدينة، يضع الحرفي سامي السكر في إناء كبير ويخلطه بالمياه، ثم يحرّكه جيداً حتّى ذوبان السكر، وقد عمد مسبقاً إلى تحضير قوالب مصنوعة من الحجارة أو الرخام فوق طاولة، في انتظار أن يجهز السكر على النار قبل وضعه في تلك القوالب. يقول سامي لـ "العربي الجديد" إنّه يمتهن تلك المهنة الموسمية منذ نحو عشرين عاماً، وتصنع تلك العرائس على مراحل عدّة. "بداية، نخلط السكر والمياه في وعاء كبير ونحركه باستمرار لتذويب السكر جيداً، ثم نضيف القليل من الليمون ونضع الوعاء على النار ليغلي نحو نصف ساعة، حتى ينضج السكر ويكسب لوناً أبيض ناصعاً. بعد ذلك، نرفع الوعاء عن الموقد ونحرّك السكر الذي ذاب في الوعاء ليبرد قليلاً، ثمّ نضيفه في قوالب مختلفة لتتخذ أشكالاً عدّة، منها مجسّمات لبعض الألعاب أو بعض أبطال أفلام الكرتون أو الحيوانات". 
يُضيف سامي: "لا تحتاج عرائس السكر داخل القالب إلى وقت طويل حتى تجف وتُصبح صلبة. بعد وضعها في القوالب، يتم إخراجها بعد عشر دقائق فقط، ثمّ تُرصف حتى تجف أكثر خارج القالب قبل الانتقال إلى مرحلة أخرى، وهي تلوينها بعدّة ألوان مختلفة بحسب شكل العروس والزينة التي تتطلبها. ثم تغلف بطبقة من البلاستيك الشفاف الصحي لحفظها من الغبار، وتزين بالشرائط الملونة لتكون جاهزة للعرض على أشكال مختلفة داخل المحال التجارية في غالبية أسواق نابل". 

الصورة
عرائس السكر... هكذا تحتفل تونس برأس السنة الهجرية

وتشهد ولاية نابل خلال هذه المناسبة حركة تجارية نشطة في أسواقها، وتُباع عرائس السكّر التي يُقبل عليها الكبار كما الأطفال، إضافة إلى الحلوى والفاكهة الجافة. ويُنظّم في المنطقة مهرجان سنوي كبير يحمل اسم "مهرجان عرائس السكر". وتتخذ أشكال العرائس مجسمات عدة كأبطال الأفلام الكرتونية أو أشكال بعض الحيوانات. كما تُصنع دمى من السكر تُجسّد شكل العريسين خلال حفل الزفاف، والتي تُهدى عادة إلى المتزوجين حديثاً، أو تُقدم هدية إلى الخطيبة بمناسبة رأس السنة الهجرية.

الصورة
عرائس السكر 3

ويقول سامي: "ورث سكان المنطقة فكرة عرائس السكر عن أحد الإيطاليين الذي كان يحتفل برأس السنة الميلادية من خلال صنع عرائس أو مجسمات من الشوكولاتة، ولأنّها مادة غير متوفرة بكثرة في تونس وباهظة الثمن بالمقارنة مع السكر، فتمّ تعويضها بمادة السكر الأبيض"، مضيفاً أنّ "بعض تلك العرائس تؤكل، والبعض مخصص للزينة فقط".

الصورة
عرائس السكر 3

وتشتهر المنطقة أيضاً بطبق الكسكسي الذي يطهى خصيصاً خلال رأس السنة، والذي يزين بالبيض المسلوق والحمص والسكر والحلوى والفاكهة الجافة. وفي منتصفه، يزين الطبق من خلال وضع عروس من السكر. ومن العادات الأخرى التي يحافظ عليها سكان المنطقة تكسير عروس السكر يوم رأس السنة الهجرية لأكلها أو استعمالها في تحلية الشاي أو القهوة. كما يهدي الشبان المقبلون على الزواج عرائس السكر لزوجات المستقبل ليلة رأس السنة، وتكون عادة على شكل فتاة أو عروسين.

الصورة
عرائس السكر  1

وأنتج أنيس الأسود أوّل فيلم قصير بعنوان "عرائس السكر"، تحدّث فيه عن تلك العادات التي تميّز منطقة نابل، وأبرز القصص التي تتحدث عن أصل عروس السكر في الجهة. ويشير إلى أنّها "عادة تعود أصولها أساساً إلى منطقة القيروان في الوسط التونسي، جاءت إلى تونس مع فترة الأغالبة (سلالة عربية من بني العنبر بن عمرو من قبيلة بني تميم حكمت إقليم أفريقيا بالمغرب العربي أي شرق الجزائر وتونس وغرب ليبيا ما بين 800 و909م)، لأنّها عادة من العادات التي أرّخت لانتشار الإسلام في المنطقة. وكانت المرأة تهدي عروس السكر إلى الزوج قبل ذهابه في أي رحلة ليتذكرها أو لتكون زاداً له". يضيف: "لهذا السبب، فإنّ عرائس السكر كانت تصنعها النساء داخل البيوت ثم باتت مهنة موسمية في منطقة نابل يسترزق منها العشرات خلال احتفالات رأس السنة". 

من جهته، يقول عضو جمعية صيانة مدينة نابل، أنور المرزوقي، لـ "العربي الجديد": "الجمعية ساهمت بشكل كبير في تنظيم مهرجان سنوي خاص بالاحتفال برأس السنة الهجرية، وإحياء تقاليد صناعة عروس السكر في نابل". ويشير إلى تنظيم مسابقات لاختيار أحسن وأجمل عروس من السكر، بهدف إحياء أجواء خاصة في المنطقة، ما يعد حافزاً لتنشيط السياحة الداخلية. ويتوجه العديد من التونسيين من جهات مختلفة إلى نابل لشراء عرائس السكر أو لحضور المهرجان.

ذات صلة

الصورة
جابر حققت العديد من النجاحات في مسيرتها (العربي الجديد/Getty)

رياضة

أكدت التونسية، أنس جابر نجمة التنس العربي والعالمي، أن تراجع نتائجها في المباريات الأخيرة، يعود إلى إصابة قديمة منعتها من تقديم أفضل مستوى لها.

الصورة
يدفع المهاجرون مبالغ أقل للصعود على متن القوارب الحديدية

تحقيقات

بحثاً عن الأرخص، تصنع شبكات تهريب البشر الناشطة في تونس قوارب حديدية من أجل نقل المهاجرين غير الشرعيين عبرها إلى أوروبا بكلفة أقل، إذ تنفق مبالغ بسيطة على بنائه
الصورة
أكد المشاركون أن الثورة شهدت انتكاسة بعد انقلاب قيس سعيد (العربي الجديد)

سياسة

أكدت جبهة الخلاص الوطني، اليوم الأحد، خلال مسيرة حاشدة وسط العاصمة تونس، أن البلاد في مفترق طريق ولا بد من قرارات مصيرية حتى لا تذهب نحو الانهيار.

الصورة
وقفة تضامنية في تونس مع نساء وأطفال غزة  (العربي الجديد)

مجتمع

في أروقة المدينة العتيقة في تونس تجتمع الحرفية خولة عبدلي مع النساء والأطفال لاستغلال حرفيتهن في الفنون الجميلة لتطريز خريطة فلسطين التاريخية

المساهمون