طريق التفافية نحو مصيرك

طريق التفافية نحو مصيرك

30 يونيو 2015
سوزان أبو الهوا (تصوير: غرايم روبيرتسون)
+ الخط -

شتاء

أهكذا يبدو الشعور إذاً؟
مجموعة ممتازة من الجروح النافذة
في القلب؟
حين تحوّلُ النعمةُ الوحدةَ إلى أغنية؟

حين أردت دقّ ألواحك فوق النوافذ
والجلوس بقرب ألسنة نارك
كي ترى ربما ما يرون،
ولا تقدر أن ترى

تبحث في النار عن شيء
غير تلك الغرفة خافتة الإنارة،
التي بالكاد أنهيتها،
شيء ما وراء النشوة المنتزعة،
يتكسر على السطح البارد
الآن، لجسد، تحتك
لا يمكنك أن تحبه

في راحة العزلة،
الحرية المدمرة لامتلاك ذاتك
تنظر في النار مثلك،
لحاجة إلى حرق جلدك

لكنك هادئ فقط
وترمش.. رويداً،
رويداً




الحقائق على الأرض

عمود، من رقبتي
حتى بطني،
يدور

يتكور شبح مستقبلٍ ما
في المساحة بين رقبتي والترقوة

أدسُّ أصابعي هناك لأثبته في مكانه
كما فعلت مع الذاكرة

تتنهد الصحراء في سريري
يتسرب النوم عبر صدع في كوب الشاي

مزرعة "جدّو" باتت أرضاً معبدة،
وتوفيت "تيتا" في كوخ يملؤه البق

عنف الشوق يرقص في أحلامي
والرغبة تجلد ظهر العبد الذي صرته
نام أوربيون في سرير تيتا في القدس

وتجدك العرّافة مقلوباً
ترصف طريقاً التفافية لمصير وعدت به نفسك
مثل الطرق الالتفافية المخصصة لليهود وحدهم
نحو عقارات الأرض المطوّبة لهم وحدهم، من الله
ليجتازوني
ليجتازوا فلسطين، ويضعوا حجراً منحوتاً ببراعة

يقطعون طعامهم بالشوك والسكاكين، ويشربون شايهم بارداً

إلا أن الطريق الالتفافية نحو مصيرك، تأخذك إلى مكان آخر
فمنزل "تيتا" لم يبن للأوروبيين،
ومزرعة "جدّو" لم تعشق كي يخنقها حجر منحوت ببراعة

تلك حقائق تلمع على الأرض
كذبات، ومزامير، وخرافات غريبة
تزرع وتسقى، يوماً بيوم

نحن نقطع طعامنا بالخبز، ونشرب شاينا ساخناً، بنعناعنا الطازج!

ولا زلت بي،
كما يجب أن تكون فلسطين، دائماً بي،
ولي..


[هامش من الشاعرة: كان الشعر أول ما كتبته قبل أي شيء آخر. هذا ما أتذكره على الأقل. الشعر العربي، على وجه الدقة. ضاع معظم ما كتبت منذ وقتٍ طويلٍ. كانت قصائد غير ناضجة، وأنا متأكدة من هذا الأمر. كتبتها في طفولتي. بعضها كان عن إعجابي بجارنا العراقي كمال. وبعضها عن غدير، تلك البنت اللئيمة في الصف الأول، التي طالما كانت تشد إحدى جدائل شعري. لم أكن أعرف كيف أعيدها كما كانت، وعليّ أن أحتمل اليوم بشعر غير متوازن. وأخرى عن معلمة اللغة العربية في الصف الأول، لا أتذكر اسمها الآن، لكنها كانت لطيفة جداً معي. وبعضها عن سائق الحافلة الذي توقف ليشتري لي البوظة ذات يوم بعد أن أنزل باقي الركاب. أذكر نظرته إليّ. بدا لي وأنا في السادسة من العمر مثل أي شخص بالغ آخر. وأنا في الثالثة والأربعين الآن، أتذكر وجهه وأرى الحب الذي كان يسيل من عينيه، كما لو كنت أذكّره بابنة أو حفيدة فقدها. لا زال ذلك السائق يخطر على بالي من حين إلى آخر. كتبت قصائد عن تيتا وعن خالي جمال، حيث كنت أعيش معهما في الغرفة ذاتها. ظل شخيرهما يوقظني، إلى أن جاء يوم وجدت فيه نفسي من دونهما، ولم يعد بوسعي النوم من دون صخب نومهما. ثم، وبعد زمن طويل، تعلمت النوم في الصمت، بعدما جلبني منفاي إلى الغربة في اللغة الإنجليزية، استيقظت ذات يوم، وعلمت أن العربية قد سُرقت من لساني. أو ربما هربت من تلقاء نفسها، مثلما قد يفعل أي طفل أهمله أهله. كم أشتاق للغة بشكلٍ ممض، وتطاردني أشباح الألم حين أفكر في مكان تلك القصائد من عقلي قبل أن تبتر بنومي في الصمت
عثرت على كلمات جديدة أقحمها في اللغة التي تسكنني، وكنت أفعل ذلك وحدي سراً وفي الخفاء. كنت أكتب حين أحب، أو أتألم، وطالما كانت الحالتان وجهين لعملة واحدة. هذه مجموعة مختارة من القصائد التي كتبت على مدى خمس سنوات. قررت نشرها، مع امتناني لجميع القراء الذين أدخلوني قلوبهم وأفكارهم على مر السنين. س. أ]


* كاتبة وشاعرة فلسطينية تكتب بالإنجليزية

** ترجمة: باسمة تكروري

المساهمون