سينما 2015: عام من الحركة البطيئة

سينما 2015: عام من الحركة البطيئة

04 يناير 2016
من "قدرات غير عادية" لـ داود عبد السيد، مصر
+ الخط -

قد لا يكون الوجه السينمائي للعام الذي ودّعناه موسوماً بتفاصيل كثيرة تميّزه عن الأعوام السابقة، لكنه شهد أحداثاً كثيرة ومتلاحقة تجعله استثنائياً؛ فالموسم السينمائي في هوليوود بدأ خافتاً من دون أفلام كبرى، حيث انتظر الجمهور توالي أشهر السنة لمشاهدة أفلام جيدة ومعها أفلام الميزانيات الضخمة.

طرح ستيفن سبيلبيرغ جديده "جسر الجواسيس"، وطرح أليخاندرو غونزاليز إيناريتو فيلم "العائد" الذي جمعه بليوناردو ديكابريو، لكن بقية الأفلام الضخمة لم تخرج عن نمط السينما التجارية الأميركية المعروف. وظلت أفلام الميزانيات الصغيرة صانعة الدراما الجميلة، خصوصاً تلك المشاركة في مهرجانات خارج حدودها الجغرافية.

الأفلام الأوروبية، من جهتها حقّقت سنة إيجابية إلى حد بعيد. ورغم أن أفلام هذه السنة لم ترق إلى مستوى التحف، لكنها ظهرت بوجه فني جميل. مهرجان "كان" السينمائي الذي يُقام في الشهر الخامس من كل عام، عرض أهم أفلام السنة، فشاهد الجمهور جديد المخرج الإيطالي باولو سورينتينو، "شباب"، الذي بفضله حافظ على مكانته، بعد فيلمه "الجمال العظيم". وعرض مواطنه ناني موريتي فيلمه "أمي"، وقدّم ماتيو غاروني "حكاية من الحكايات".

عام السينما الفرنسية كان غزيراً على مستوى الإنتاج، وبمستوى فني معقول، فقد شهدت إنتاجات لقيت إقبالاً جماهيرياً جيداً من جهة، ومن جهة أخرى احتفاء نقدياً؛ مثل فيلم "مارغريت وجوليان" للمخرجة فاليري دونزلي و"قانون السوق" للمخرج ستيفان بريز و"عنوان مؤقّت" للمخرج جاك أوديار.

بقية البلدان الأوروبية قدّمت، هي الأخرى، أعمالاً برزت في مهرجانات السينما هذا العام، مثل فيلم "سرطان البحر" للمخرج اليوناني يورغوس لنتيموس، الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم في "كان"، و"كارول" لتود هاينز و"أمنيجيا" لـ باربيت شرودر، و"أسفالت" لـ سامويل بن شتريت، لكن فيلم "ابن شاوول" للمجري لازلو نيميس كان الأبرز على مستوى التتويجات، إضافة إلى عدد من الأعمال التي قدّمها مخرجون غير أوروبيين، لكن لم يكن تصنيفها ضمن التوجّه السينمائي الأوروبي؛ مثل فيلم وودي آلان "رجل غير عقلاني" و"أوكا" لـ سليمان سيسيه.

بالعودة إلى مشهد مهرجانات السينما هذا العام، فقد طُرحت علامات استفهام كبيرة، كون السينما الأميركية أخذت تهيمن في سوق الفيلم بعيداً عن أراضيها، وأصبحت أروقة المهرجانات تنحاز بشكل أو بآخر إلى منطق الفيلم التجاري الذي تبرع فيه السينما الأميركية وتسوّق له، ولعل الهالة الإعلامية التي صاحبت عرض "ماد ماكس" في مهرجان "كان" تؤكّد أن التقاليد الأوروبية لا تستطيع الصمود أمام منطق السوق.

في النهاية حصد عنوان مؤقّت سعفة "كان" الذهبية، رغم أن كثيرين لم يروه الأفضل -على الأقل ليس أفضل من فيلمَي الإيطاليين سورينتينو وموريتي- هذه النظرية تأكّدت في جوائز برلين التي لم تكن لها نفس قناعات لجنة "كان"، فمنحت جائزة أفضل مخرج لـ سورينتينو، وأفضل فيلم لـ "شباب".

السينما العربية، من جهتها، بدأت عامها بشكل حزين. ففي أول أشهر 2015، رحلت المخرجة المصرية أسماء البكري (1947 - 2015)، ثم توالت في الشهور المتبقّية أخبار الموت برحيل سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة (1931 - 2015) قبل فترة من رحيل عمر الشريف، ثم رحل بعدهما نور الشريف (1946 - 2015). الموت غيب أيضاً كلاًّ من سامي العدل ومحمد وفيق وحسن مصطفى، كما رحل الناقد المغربي مصطفى المسناوي أثناء مشاركته في "مهرجان القاهرة"، وأيضاً المخرجان الجزائريان عمار العسكري وبن عمر بختي.

بعيداً عن أخبار الموت، استطاعت الأفلام العربية التي أنتجت هذا العام أن تغيّر شيئاً في مشهد العزوف عن القاعات، وهو الحال الذي طغى منذ 2011، ففي مصر طرحت دور العرض أكثر من عشرين فيلماً، معظمها لا يحيد عن منطق السينما التجارية السائد.

عودة الدفء إلى شبابيك التذاكر هي عودة إلى واقع سينمائي مُرّ وبعيد عن الفن. لكن هذه السنة حملت وجهاً مشرقاً آخر بالنسبة للسينما المصرية، بعودة بعض وجوهها البارزة؛ مثل المخرج داود عبد السيد بفيلمه "قدرات غير عادية" وهاني خليفة بـ "سكر مر" والسيناريست وحيد حامد بـ "قط وفار".

وفي المغرب الذي صار يلي مصر، من حيث عدد الأفلام المنتجة سنوياً، لم يختلف الأمر كثيراً؛ فحصيلة السنة التي تجاوزت العشرين فيلماً كانت بعيدة في مجملها عن السينما التي يطمح إليها المغاربة، فبرز فيلم "إطار الليل" لـ تالا حديد، و"جوق العميين" لـ محمد مفتكر، وانتظر هشام العسري نهاية السنة ليشارك بفيلمه "جوّع كلبك" في مهرجان دبي.

النقاش في المغرب كان حول فيلم "الزين لي فيك" الذي صار الجمهور يعرف الكثير عنه الآن، رغم أنه لم يشاهده بسبب المنع. المهمّ أن نظرية الكم التي يتحمّس لها "المركز السينمائي المغربي" تحقّق المراد ببلوغ أكثر من 20 فيلماً سنوياً.

ظلّت المهرجانات العربية الكبرى نافذة المشاهد على الأفلام المستقلة. صحيح أنها فقدت "مهرجان أبوظبي" الذي توقّف من دون سبب يدعو إلى هذا الصمت المفاجئ، لكن أغلبها أطلّ في موعده. "مهرجان القاهرة الدولي" كان فألاً سيئاً للسينما المصرية التي لم تفز بأي من جوائزه الكبرى، حيث حصد الفيلم الإيطالي "البحر الأبيض المتوسط" جائزة "الهرم الذهبي"، فيما ذهبت "الهرم الفضي" إلى "فيوسي" و"الهرم البرونزي" إلى الشريط الأرجنتيني "بولينا".

أما مهرجان مرّاكش الذي بدأ دورته الـ15 بفاصله المعتاد من التنافر مع السينمائيين المغاربة، فلم يحمل جديداً يميّز الدورة عن سابقاتها؛ حيث ذهبت جائزة "النجمة الذهبية" إلى الفيلم اللبناني "كتير كبير" للمخرج ميرجان أبو شيعا. أما جائزة لجنة التحكيم فقد فازت بها كل الأفلام المشاركة في لفتة خلّفت الكثير من الكلام عن معايير لجنة فرانيس فورد كوبولا.

وابتسمت جوائز "أيام قرطاج السينمائية" للسينما المغربية؛ حيث فاز فيلم "جوق العميين" لـ محمد مفتكر بـ "التانيت الذهبي"، وذهب "التانيت الفضي" إلى الفيلم الجنوب أفريقي "نهر بلا نهاية" لـ أوليفيي هرمانيس، أما "التانيت البرونزي" فكان من نصيب المخرجة التونسية ليلى بوزيد عن فيلمها "على حلّة عيني".

وجاء "مهرجان دبي" الذي يختتم المهرجانات العربية ليقدّم العروض الأهم هذه السنة، ففازت بمهره الذهبي ليلى بوزيد عن فيلمها "على حلة عيني" أيضاً. المهمّ في سنة 2015 أن جيلاً جديداً من الشباب أعلن عن نفسه فنياً، خصوصاً في المنطقة العربية؛ حيث واصلت الكاميرا حركيتها رغم الظروف السياسية الصعبة.


اقرأ أيضاً: محمد مفتكر: القاعات هي مشروعنا الأكبر

دلالات

المساهمون