سياق "رابعة"

سياق "رابعة"

22 اغسطس 2015
كان الاعتصام بالنسبة لبعض الناس فردوساً (مواقع التواصل)
+ الخط -
سنظل نتذكر في شهر أغسطس/ آب من كل عام ذكرى دماء المصريين، التي سقطت بأيدي زبانية سلطة 3 يوليو/ تموز في واحدة من أكثر الوقائع السياسية دموية في تاريخ مصر المعاصر، عملية فض اعتصام ميدان رابعة العدوية.


ولكن هذه الذكرى يجب ألا تقودنا لمحو ما قبلها وما بعدها من جرائم وأحداث ترقى إلى حد الجرائم في حق المصريين وثورتهم من طرفين، كانا الحاضر الغائب في أحداث رابعة، هما قيادة الجيش المصري وقيادة الإخوان المسلمين.

كما يجب ألا ينسينا ذلك اليوم الأسود السياق العام لاعتصام رابعة وشقيقه الأصغر؛ اعتصام ميدان نهضة مصر، وما حدث خلالها وما تم توثيقه من التسليح الكثيف في "النهضة" والاعتداءات التي تعرض لها المناوئون للاعتصام من سكان القاهرة والجيزة، وما تلا فض الاعتصامات من استهداف للأقباط وممتلكاتهم ومنشآتهم الدينية في الصعيد، على يد أنصار الإخوان الغاضبين من الفض.

سياق وطني
كان اعتصام رابعة في الحقيقة هو ذروة سياسة محددة اتبعتها قيادة الإخوان منذ مارس/ آذار 2011 تقريباً، تتمثل في تعبئة القوى والتيارات الإسلامية وراء توجهاتها باسم "الهوية" أو "الشريعة" ثم "الشرعية" وأخيرا "الثورة". كانت تلك التوجهات تتمثل مرات في تفاهمات مع المجلس العسكري الذي حكم مصر من فبراير/ شباط 2011 وحتى تسليم السلطة للرئيس الأسبق، محمد مرسي، ومرات أخرى في خطط خاصة بقيادة الجماعة، منها مسألة ترشيح شخص منها لانتخابات الرئاسة 2012.

كان قرار الترشيح محل جدل داخل الجماعة نفسها وداخل مجلس الشورى الخاص بها حتى تم إقراره، ولكن الانتخابات تحولت في مراحلها الأخيرة إلى جهاد ومسألة شرعية في خطاب كثير من الإسلاميين.

وفي الأيام السابقة لمظاهرات 30 يونيو 2013 لجأت قيادة الإخوان ثانية إلى حشد التيار الإسلامي وراءها في معركة صفرية ضد كل المعارضين، وتوالى على منصة استاد القاهرة مشايخ من السلفيين يرفعون أيديهم بالدعاء على معارضي مرسي وعلى الشيعة إلخ إلخ.

كانت إحدى المشاهد الرهيبة التي تلت ذلك هي مشاهد الشيعة المصريين، الذين قتلوا ومثّل الغوغاء بجثثهم في أحد الأحياء القريبة من قلب العاصمة؛ فقط بعد أيام من إنصات رئيس بلادهم للتحريض الموجه ضد طائفتهم بشكل محدد.

مشهد مثل ذلك زلزل قلوب الكثيرين، ففي الغد يمكن أن نسمع مثل ذلك التحريض على الأقباط أو على العلمانيين أو على أي من المعارضين، ليجد كل شخص أنه تحت تهديد غضب الغوغاء واستجابتهم للتحريض الذي تتسامح معه الدولة ابتداء من رأسها.

سياق الاعتصام
لم أر في اعتصام رابعة أبدا رمزا نضاليا ولا بطوليا بسبب سياقه بالذات، فهو اعتصام بدأ كاعتصام مؤيد للسلطة؛ لرأس السلطة تحديدا، واستمر من بدايته وحتى نهايته اعتصاماً لشريحة المتدينين من المسلمين المصريين السُّنَّة، ولست بصدد مقارنته بأية اعتصامات أخرى، ولكنه كان بوضوح بعيداً عن أن يكون ممثلا لشعب مصر بخلفيات مواطنيه المتنوعة.

كانت منصة الاعتصام بوقاً للتحريض على العنف -حتى قبل 30 يونيو أو انقلاب 3 يوليو- تارة ضد معارضي محمد مرسي على الإطلاق، وتارة ضد شخصيات بعينها من قادة المعارضة، وبعد يوليو اتسع الأمر ليشمل الأقباط وقياداتهم الروحية والعلمانيين وغيرهم؛ وطوال الوقت كانت منصة للتعبئة الدينية، في الحقيقة الحشد الديني كان أحد الأسس الهامة لهذا الاعتصام، لذلك كانت التعبئة الدينية طبيعة هناك.

بالطبع كان الاعتصام بالنسبة لبعض الناس فردوسا، فهو كان فردوس الإسلاميين، حيث لا أقباط ولا علمانيين ولا تحديات فكرية أو معضلات سياسية واقعية يجب أن تحل، ولكن الاعتصام كان في الوقت نفسه  وسيلة للتخويف، وسيلة لتخويف المنقلبين على مرسي، استغلتها حكومة 3 يوليو وإعلامها لتخويف المجتمع من الإسلاميين عموما.

في الحقيقة، الإسلاميون الربعاوية لم يتركوا فرصة إلا وقدموا ذخيرة للمعسكر الآخر، فالتهديدات بالتفجيرات والعمليات الانتحارية وعودة الإرهاب تكررت بدرجة يصعب حصرها.

أخيرا فإن ما تلا الاعتصام من وقائع الهجوم والتدمير، التي طالت الكنائس والمنشآت المملوكة لمواطنين مصريين أقباط، تكفي لتأكيد الطبيعة الطائفية للاعتصام ومناصريه؛ كانت جرائم مكتملة، سبقها تحريض من على منصة رابعة وغيرها من المنصات، وسبقها تحديد لهذه المنشآت بعلامات مميزة كتهديد واضح لها تقاعست السلطات عن التفاعل معه، وانتهت بأن تكبد الأقباط خسائر باهظة في المعركة بين الجيش والإسلاميين.

أبطال وضحايا
بعد وضع يوم فض الاعتصام في ذلك السياق، لا أجد في نفسي قدرة على تصديق دعاية الإخوان المسلمين من أن الاعتصام كان جزءاً من كفاحهم البطولي من أجل الثورة والديمقراطية، بل أجد في نفسي شفقة على الضحايا الذي سقطوا في مواجهة شبه محسومة سابقا بين سلطة مجرمة؛ رأى الإخوان إجرامها –ودعموه أحيانا- في ماسبيرو ومحمد محمود والعباسية؛ وبين قيادة جماعة أدمنت الحلول الصفرية فانتهى بها الحال إلى قيادة أكبر حزب في مصر - بعد يناير 2011- إلى الانتحار وقيادة الإخوان إلى مأزق تاريخي، لا يبدو أن هناك أفقاً واضحاً للخروج منه.

(مصر)

المساهمون