سحب القوات الأميركية من ألمانيا: خطأ وانتقام من ميركل

سحب القوات الأميركية من ألمانيا: خطأ وانتقام من ميركل

برلين

شادي عاكوم

avata
شادي عاكوم
31 يوليو 2020
+ الخط -

أثار قرار الإدارة الأميركية، نقل حوالي 12 ألفا من القوات المسلحة الأميركية، بزيادة ألفي جندي عما كان متوقعاً، من عديد قواتها المتمركزة في ألمانيا، ردود فعل شاجبة، بعد إعلان وزير الدفاع مارك إسبر، مساء أول من أمس الأربعاء، الخطط العملية لذلك، بناء على طلب السفير السابق لدى برلين ريتشارد غرينيل، وتبرير الرئيس دونالد ترامب مراراً أن النفقات الدفاعية لألمانيا، الشريك في الأطلسي، غير كافية، وهي في حالة تخلف عن السداد وبعيدة عن نسبة 2 في المائة المطلوبة من الناتج المحلي الإجمالي، لا سيما أن الجنود موجودون لحمايتها وحماية أوروبا. وبات من المؤكد أن العلاقات الألمانية الأميركية ستكون أمام عبء إضافي مع تدهور مستوى التعاون الوثيق، الذي نما على مدى عقود بين البلدين، مع إقدام أحد الشركاء على اتخاذ إجراءات "عقابية" بحق بلد حليف.

في غمرة هذا الواقع، اعتبر الكاتب كونستانتين فون هامرشتاين، أن ترامب لم يترك أي شك في أنه يريد الانتقام من المستشارة أنجيلا ميركل، وبنظره فإن الألمان كانوا "مذنبين"، لأنهم لم يفوا بالتزاماتهم المالية للأطلسي. وتابع الكاتب، في مقال له في صحيفة "دير شبيغل": "المثير للسخرية هو نقل ترامب بعض القوات إلى بلجيكا وإيطاليا، الدولتين اللتين تفيان بالتزامات أقل من ألمانيا تجاه الأطلسي"، مضيفاً أن "ألمانيا هي الخاسر الأكبر من الانسحاب، وعلى ما يبدو فإن الأطلسي يتلاشى"، من دون استبعاد حقيقة أن تخفيضات الميزانية نتيجة الأزمة الاقتصادية الحادة، تضغط على واشنطن.


تستعدّ ولايات ألمانية لفقدان الوظائف وتضرر الدورة الاقتصادية

بدورها، اعتبرت صحيفة "زود دويشته تسايتونغ" أن العبارات الرئيسية الواردة في كلام نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال جون هايتن، مفادها بأن "الانسحاب حاصل، لكن من دون خطط، لأنه يجب بناء منشآت عسكرية جديدة في الولايات المتحدة والدول الأوروبية". ولهذا السبب، يرى عدد من المحللين أن عملية الانسحاب قد تستغرق سنوات وستكلّف الأميركيين المليارات، ومن أن تتسبب المغادرة في إضعاف موقف أميركا في وجه روسيا، وبأن تضرّ بأمنها أكثر من أمن ألمانيا، لأنه من الصعب التعامل مع العمليات الأميركية في أفريقيا وأفغانستان والشرق الأوسط.

اللافت أيضاً كانت التعليقات الصادرة عن المسؤولين في الولايات الألمانية الأكثر تضرراً من عملية انسحاب القوات المسلحة الأميركية. وفي هذا الإطار، انتقد وزير داخلية ولاية راينلاند بفالز، روجر ليفينتز، توجهات ترامب، واصفاً القرار بـ"الخطأ الجوهري"، ومن أن الانسحاب الجزئي شكّل ضربة قوية لمناطقهم. وأضاف: "لسوء الحظ علينا الاستعداد لفقدان الوظائف الألمانية نتيجة هذا القرار من قبل الإدارة الأميركية"، حسبما ذكرت شبكة "أيه أر دي" الإخبارية. وتشير التقارير إلى أن هناك الآلاف من العمال الملحقين بالقوات الأميركية في الولاية المذكورة، كما في ولاية بادن فورتمبرغ، وسيتضررون من تبعات ذلك. وسيؤثر الأمر على الدورة الاقتصادية في الولايتين، في ظلّ تقديرات مفادها أن الوجود الأميركي فيهما يضخ مليارات من الدولارات سنوياً. في المقابل، ووفق الشبكة نفسها، لن تتأثر المنشآت الأميركية في رامشتاين وكايزرسلاوترن وباومهولدر، مع انتشار نحو 12 ألف جندي وحوالي 7200 موظف مدني.

أما رئيس وزراء ولاية بافاريا، التي تنتشر فيها قوات أميركية، ماركوس سودر، فقال لوكالة الأنباء الألمانية "دي بي أي"، إن القرار يضعف على المدى البعيد حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة نفسها. وأكد أن حكومته ستقدم الدعم للمناطق التي سيطاولها الضرر مثل غرافنفور وفيلسيك، وهي من أكبر المواقع الأميركية في أوروبا، وينتشر فيها نحو 10 آلاف جندي، سيغادر منهم حوالي 4500 جندي. مع العلم أنه يعمل 3 آلاف ألماني مع الأميركيين في فيلسيك. وستتأثر مدينة شتوتغارت أيضاً من الانسحاب الجزئي، لأن القرار سيشمل نقل القيادة الأوروبية بأكملها إلى بلجيكا.

من جهته، قال خبير الشؤون الخارجية المنتمي للحزب المسيحي الديمقراطي، نوربرت روتغن، لصحيفة "أوغسبرغر ألغماينه"، إن الحكومة الأميركية اتخذت خطوة ضد مصالحها الخاصة، مضيفاً أن سحب القوات الأميركية سيضعف الحلف بدلاً من تعزيزه. ورأى أن الجنود الأميركيين يساهمون أيضاً في أمن ألمانيا، لكن ألمانيا تخدم في المقام الأول الولايات المتحدة كمركز لوجستي لقواعد انتشارها في العالم.

ويتفق كثر في الولايات المتحدة مع الألمان في إبقاء القوات الأميركية فيها، وهو ما كشفته نيكول غاويت وريان براوني مراسلا موقع "سي أن أن"، اللذان ذكرا أن النائب الجمهوري البارز من تكساس (أبرز معاقل ترامب الانتخابية)، العضو في لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب ماك ثورنبيري، وصف الخطوة بـ"المقلقة". ولم ترَ مديرة البرامج في مشروع ترومان للأمن القومي، المتخصصة في الأمن الأوروبي، رايتشل ريزو، أي فائدة في الانسحاب، بقولها "من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، رؤية أي مكسب"، في انسحاب القوات الأميركية. أما قائد القوات الأميركية الأسبق في ألمانيا، الجنرال المتقاعد مارك هيرتلينغ، فكشف أنه "سئم من هذا القرار وتفسيراته"، مشيراً في تغريدة له على "تويتر" إلى أن "الانسحاب لا يرتبط بأي ميزة استراتيجية، بل في الواقع يؤدي إلى نتائج عكسية لإظهار القوة في أوروبا".


وجّه 22 نائباً جمهورياً إلى ترامب رسالة مفادها أن الانسحاب سيفسح المجال لعدوان روسي 

بدوره، كشف الكاتب كيم هييلمغارد في صحيفة "يو أس توداي"، عن انتقاد نواب جمهوريين لترامب، واصفين خطوة الانسحاب بـ"هدية لروسيا وتهديداً للأمن القومي الأميركي"، لافتاً إلى أن "22 نائباً جمهورياً في لجنة القوات المسلحة، وجهوا رسالة إلى ترامب، مفادها أن خفض الالتزام الأميركي بالدفاع عن أوروبا، سيُفسح المجال لعدوان روسي".

وبرز تعليق على "تويتر" للسيناتور الجمهوري ميت رومني، انتقد فيه بشدة سحب قوات عسكرية من ألمانيا، واصفاً الخطوة بـ"الخطأ الفادح وصفعة في وجه صديق وحليف، وتأتي في وقت يتعين على الحلفاء التعاضد والالتزام المتبادل، لدرء الاعتداءات الروسية والصينية". ورأى أن القرار بمثابة "هدية لروسيا".

وكان إسبر قد كشف أن بلاده، وبهدف زيادة "المرونة الاستراتيجية"، ستسحب 11900 جندي من ألمانيا، لينخفض عديدهم من حوالي 36 ألف جندي إلى 24 ألفا، وسيتم نقل حوالي 5600 جندي إلى دول أخرى في حلف الأطلسي كبلجيكا وإيطاليا، شرط أن يتم أولاً إبرام الاتفاقات المناسبة، كذلك إلى بولندا ودول البلطيق (إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا)، على أن يعود حوالي 6400 جندي إلى الديار. ورحّب الرئيس الليتواني، جيتاناس ناوسيدا، باحتمال نقل قوات أميركية إلى بلاده، مغرداً على "تويتر": "جاهزون لاستقبال المزيد من القوات الأميركية".

تجدر الإشارة إلى أن دول الأطلسي التزمت بزيادة إنفاقها الدفاعي إلى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2024، إلا أن الحكومة الألمانية اعلنت أخيراً أنها لم تحقق سوى 1.38 في المائة، ولن تصل إلى النسبة المطلوبة خلال المرحلة المتبقية. وهذا أقل من نصف ما تنفقه الولايات المتحدة على الحلف، وهي 3.5 في المائة.

ذات صلة

الصورة
توماس غرينفيلد في مجلس الأمن، أكتوبر الماضي (بريان سميث/فرانس برس)

سياسة

منذ لحظة صدور قرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف النار في غزة سعت الإدارة الأميركية إلى إفراغه من صفته القانونية الملزمة، لكنها فتحت الباب للكثير من الجدل.
الصورة
تظاهرة ووقفة بالشموع أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن

سياسة

شهدت العاصمة الأميركية واشنطن وقفة بالشموع وتجمّعاً للمئات من الناشطين أمام السفارة الإسرائيلية تأبيناً للجندي آرون بوشنل و30 ألف شهيد فلسطيني في غزة.
الصورة

سياسة

نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال الأميركية" عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إدارة الرئيس جو بايدن تستعد لإرسال قنابل وأسلحة أخرى "نوعية" إلى إسرائيل.
الصورة
مسيرة وسط رام الله (العربي الجديد)

سياسة

شارك عشرات الفلسطينيين، اليوم الجمعة، في مسيرة جابت شوارع مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، نصرةً لغزة ودعماً للمقاومة الفلسطينية.

المساهمون