سجون مصر: أنفاس الثورة الأخيرة

سجون مصر: أنفاس الثورة الأخيرة

29 سبتمبر 2016
(تصوير: خالد الدسوقي)
+ الخط -
المشهد الأول: 25 يناير/ كانون الثاني 2016، السجناء السياسيون يشاركون الثوّار خارج السّجن موجتهم الثورية، هُتافاتهم تدوّي داخل العنابر والغرف على مدار أربع وعشرين ساعة، إدارة السجن من جانبها تُحكم غلق الأبواب خشية أن يتطوّر الموقف إلى ما لا تُحمد عقباه، روح معنوية عالية وحالة ثورية خلف الأسوار بينما عناصر الشرطة في ترقّب وقلق.

المشهد الثاني: 14 أغسطس/ آب 2016، يوم عادي جدّاً، لا هتافات من جانب السجناء السياسيين، ولا ترقّب من جانب إدارة السجن، يوم يمرّ كأيّ يومٍ على الرغم من أنه الذكرى الثالثة لفضّ اعتصامي رابعة والنهضة، روح المعتقلين المعنوية في أدنى مستوياتها والحالة الثورية خافتة.

بين المشهدين مثل ما بين السماء والأرض، والأسباب تحتاج إلى بيان.


ورقة ضغط
حينما وقع انقلاب عسكري في الثالث من يوليو/ تموز 2013، عمدت سلطة الانقلاب إلى اعتقال أكبر عددٍ ممكنٍ من قيادات الحراك الثوري وعناصره الفاعلة، وامتدت قبضتها لتطاول كل من يشتبه بانتمائه إلى الثورة؛ بغية إضعاف الحراك الثوري من جهة، وتخويف المجتمع من جهة ثانية حتى يبتعد عن الحراك الثوري وعناصره، ومن جهة أخرى، تحتفظ بأعداد كبيرة من هؤلاء المعتقلين كرهائن تساوم بهم قيادة الحراك الثوري في ما بعد إذا أرادت إنهاء هذا الصراع.

يُصبح المعتقلون إذاً جزءاً أصيلاً في معادلة الصراع بين سلطة الانقلاب والحراك الثوري؛ يستخدمهم الانقلابيون كورقة ضغط على الثورة حتى تستسلم وتذعن، ويستثمر الثوّار في ثباتهم وصمودهم ليفرّغوا هذه الورقة من مضمونها.

في السّجن، تمارس سلطة الانقلاب على المعتقلين ضغوطاً بدنية ونفسية، وتعزلهم عن حركة الحياة حتى تُضعف مقاومتهم بعد حين ويتحوّلوا إلى أداة ضغط على الحراك الثوري، ودفعهم للقول: "أخرجونا من هذه السجون بأيّ ثمن ولو كان توقف الثورة".


معنويات عالية
في المقابل؛ يعي المعتقلون هذه الحيلة ويفوّتون بثباتهم وصمودهم الفرصة على سلطة الانقلاب، وحجر الزاوية في هذه المقاومة حالتهم المعنوية العالية التي لا تتأثر غالباً بالضغوط التي تمارس عليهم؛ لأنهم متشبثون بفكرة الثورة التي يصغر أمامها كل شيء، وتهون في سبيلها كل التضحيات.

من هنا، فإن حالة المعتقلين المعنوية في عمومها تتناسب طرديّاً مع الحراك الثوري، ويتحرّك مؤشرها صعوداً وهبوطاً تبعاً لقوّة هذا الحراك وضعفه.

وقد عايشت منذ دخولي السجن، قبل عام ونصف تقريباً، فترات كان الحراك الثوري فيها قويّاً وأخرى كان فيها ضعيفاً، ولاحظت حالة المعتقلين المعنوية صعوداً وهبوطاً؛ يبدو ذلك في أنشطتهم العامة وأحاديثهم وفي جدّهم وهزلهم.


النفس الأخير
أحسّ المعتقلون بتدنّي مستوى الحراك الثوري، خلال الأشهر القليلة الماضية، إلى مستويات منعدمة لأوّل مرة، منذ الانقلاب العسكري، على الرغم ممّا تعانيه سلطة الانقلاب من أزمات اقتصادية وتدن في مستوى شعبيتها، فرصة كان ينبغي أن تستثمرها قيادة الحراك الثوري.

ولا أدلّ على ذلك الهبوط المدوّي للحراك الثوري في ذكرى الانقلاب الثالثة في 3 يوليو/ تموز، وذكرى فضّ انتفاضة رابعة والنهضة في 14 أغسطس/ آب؛ وبضاعة القوم لم تتجاوز ضجيج البيانات إلى طحن التحرّكات.

نال هذا الضعف الثوري من حالة المعتقلين المعنوية، كما لم ينل منها شيء غيره؛ حتى آلات التعذيب الوحشية وظروف السجن غير الإنسانية، والعزلة عن الحياة والبعد عن الأهل والوقوع في قبضة الخصم، وأضحى كثيرون منهم يتمنّون أن لو انتهت حالتهم هذه بصورة كانوا أبعد الناس عن القبول بها في وقت سابق، ولسان حالهم: "إما أن تثوروا ونحن صامدون ولو لسنوات حتى تنتصروا، وإما أن تبحثوا لكم ولنا عن طريق وسط تُنهون به هذه الحالة من اللافعل المحبط".


* معتقل على ذمّة قضية سياسية. عمل مدرساً ومدققاً لغوياً ومعلقاً صوتياً، وهو مدوّن وناشط سياسي مصري، باحث متخصّص في الأدب العربي الحديث

المساهمون