رسالة إلى بابا نويل..إن كنت تنوي زيارة سورية

رسالة إلى بابا نويل..إن كنت تنوي زيارة سورية

07 ديسمبر 2015
فأطفال سورية لن يعتبوا وما عادوا يأبهون(فيسبوك)
+ الخط -


لطالما استخدم السوريون في مجاملاتهم، وتعبيراً عن حبهم، عبارات تتعلق بالموت، فعند شدة الحب تقول الأم لابنها والزوجة لزوجها والحبيبة لحبيبها:"حبيبي  تقبرني، تقبشني، تطلع على قبري، تشكل آسي...إلخ"، وكلها كلمات لو دققنا فيها لوجدناها مرتبطة بالموت والمشقة والحزن.

وكأن الحب مرتبط بشكل طردي بالموت في سورية. مؤخراً صديقتي الفنانة السورية، زينة حلاق، المقيمة في تونس لأسباب قسرية، كتبت على صفحتها عبر "فيسبوك": "ساعدوني كي أشرح للأصدقاء في تونس ما معنى كلمة تقبشني"..وجاءت الردود محمّلة بعبارات كوميدية لا تحمل رداً شافياً أو قاطعاً.

تداول السوريون تلك الكلمات عبر عشرات السنين بكل وسائل الاتصال المباشر وغير المباشر، حتى أنها دخلت في مجال التواصل الإلكتروني حالياً، وانتشر صداها رغم جهل الأغلبية العربية معانيها بسبب الأعمال الدرامية السورية، التي باتت ذائعة الصيت وشهيرة لدرجة أنني كلما سافرت للقاء الأشقاء في البلاد العربية استوقفوني للسؤال عنها وعن معانيها، في حين يعجز قاموسي السوري عن تفسيرها وربما عن تأويل سبب لقولها.

أحب الشعب السوري بعضه بعضا لدرجة الموت، فحلت عليه نقمة تلك الكلمات، وأصبح الموت أقرب إليه من حبل الوريد. أكثر من 1500 يوم وسورية في كل يوم تفقد شبابها وأطفالها ونساءها، سواء بسبب القتل أواللجوء أو غيره.

مع اقتراب مغادرة سنة 2015، غير مأسوف عليها كغيرها من السنوات التي لحقت سنة 2011، طلب منها السوريون أن تاخذ معها ما تبقى من حزن ومآسٍ، أن تحتضن ما تبقى من ألم ووجع وترحل به، لتأتينا السنة القادمة بحلة خير وسعادة.

كل بلاد العالم ستحتفل بقدوم السنه الميلادية، إلّا إياك يا سورية، ما عاد هناك من ينتبه لتلك الفرحة البهية منذ أعوام. أيام وسيحضر بابا نويل لأطفال العالم كهدية إلا أنت، أطفالك ما يزالون منسيين، وحتى لو حضر بابا نويل فرحلته ستكون غير عادية. لذلك قررت أن أكتب له هذه الرسالة الإنسانية...أعرف أني لا أملك الذائقة الشعرية ولكني أردت أن أخبرك عن تفاصيل رحلتك السحرية.

"مدينتي الغالية لن تعرف عيداً ولا هدايا ..فكل أيامها  أصبحت دامية.

بابا نويل ..حين ستزورنا هذا العام ، لا تجلب معك الخريطة ، فقلوبنا ستدلك علينا، نعرف أن سوريتنا تغيرت وشوارعها تقطعت واختلطت روائحها برائحة الموت، ولكنها ما زالت تعبق برائحة الياسمين .

بابا نويل ..هذا العام لا تنس إحضار بطاقتك الشخصية ، لأن شوارعنا امتلأت بالحواجز الأمنية، وهي لا تسمح بمرور حتى النملة الغبية .

بابا نويل .. ما من داع لحمل هداياك التقليدية، فما تبقى من أطفالنا لم تعد تعنيهم لعبك الوردية، كبروا وشاخوا في تلك الأعوام، وأصبحت أحلامهم بندقية ونومة هنية، ورغيف خبز دون حياة شقية..

بابا نويل.. لا تترك العنان للحيتك المرخية فإن وجودها سيعرضك للمساءلة الأمنية، فهي مجال شك في أن تكون من إحدى الجهات المخفية، وأن يكون كيس هداياك مملوءاً بقنابل ذرية.

بابا نويل... لا تلبس ثوبك الأحمر، فهذا اللون انطبع في أذهاننا مثالاً للدموية .

أخيراً بابا نويل لو سألتني رأيي ...سأقول لك: أجّل زيارتك البهية لأطفال يعيشون حياة طبيعية، لا داخل ملاجىء وخيم مهترئة.

بابا نويل، أرجو أن لا تكون رسالتي هذه مدعاة لإلغاء رحلتك العالمية، فأطفال سورية لن يعتبوا وماعادوا يأبهون بتلك الأمور. لقد كبروا.. وكبروا.. في غفلة من غياباتك السنوية".

 اقرأ أيضاً: "يراعات" فريق يكتشف الكتابة الإبداعية

المساهمون