داعش ومسؤولية الحكومة العراقية

داعش ومسؤولية الحكومة العراقية

23 اغسطس 2014

عنصر من البشمركة قرب أربيل (14 أغسطس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

تحوّل تنظيم داعش، الذي خرج من رحم القاعدة في بلاد الرافدين إبان الاحتلال الأميركي للعراق، بين عشية وضحاها، إلى قوةٍ زاحفةٍ في العراق، بعد انخراطه في الحرب في سورية، ما جعل مجلس الأمن يتبنى قراراً يدرجه، وجبهة النصرة السورية، ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، باعتبارهما تهديداً للأمن والسلام الدوليين، ويجيز عملياً استخدام القوة ضدهما. أما ميدانياً، فحرّكت القوى الغربية آلتها العسكرية، حيث يقصف سلاح الجو الأميركي مواقع داعش في شمال العراق، فيما أعلنت قوى أوروبية استعدادها لتسليح الأكراد لمواجهة مقاتلي داعش. ويثير هذا التحرك الغربي أسئلةً ليس فقط حول ماهية داعش، وإنما بشأن حيثيات الصراع في العراق وأبعاده، كما يؤكد ازدواجية المعايير في التعامل مع أزمات المنطقة. لكن، ماذا عن مسؤولية الحكومة العراقية في إيجاد البيئة المواتية لنشاط داعش؟

بغض النظر عن تواطؤ فواعل إقليمية، وربما دولية، مع داعش وتوظيفها، بشكل أو بآخر، وعن المستفيدة منها (المستفيد منها ليس بالضرورة من يقف خلفها)، فإن الحكومة العراقية مسؤولة عما آلت إليه الأمور، فهي من جعل البلاد منكشفةً أمام مثل هذه التنظيمات. ولو كان العراق ديمقراطيةً، لتوالت الاستقالات في الحكومة، وتمت محاكمة المسؤولين قضائياً، لكن مثل هذه السلوكيات/الإجراءات مستحيلة، في بلد تقصف فيه حكومته شعبها بالبراميل المتفجرة أمام الملأ، من دون أن يحرك العالم ساكناً، كما يحدث لأهل الفلوجة، وكأن وضعهم لم يتغير بعد الانسحاب الأميركي.

فضلاً عن إخلال الحكومة العراقية بمسؤوليتها الأمنية، واستهدافها مواطنين عزلاً، على طريقة حكومة الأسد في سورية، فإنها خلقت الظروف الضرورية لاستيطان تنظيماتٍ، مثل داعش في البلاد. فحالة التعفن السياسي والأمني، وإقامة نظام طائفي في البلاد، أوجدتا تربة خصبة تترعرع فيها مختلف الجماعات الإرهابية. وهنا مكمن الخطورة في استراتيجية هذه الحكومة التي تراهن على خلط الأوراق بوصم الجماعات العراقية المناوئة لها بالإرهاب حتى تشرعن التقتيل الممارس في حق المواطنين العزّل، وحتى تنال الدعم الغربي لسياستها القمعية. وقد نجحت، جزئياً، لأن من يندد باستخدام البراميل المتفجرة في سورية يغض البصر عنها في العراق، بيد أن استراتيجية المراهنة على وصم الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة بالإرهاب خاطئة.

على الرغم من السوابق التاريخية (تجربة الصحوات)، راهنت الحكومة على رمي القوى المعارضة لها في أحضان الإرهاب الذي تمنحه بعداً طائفياً، راكبة موجة داعش. لكن التنظيمات العراقية المسلحة تعي الضرر الذي تلحقه بها داعش وبمطالبها، فهي لم تسقط في فخ القاعدة بالأمس، ومن المستبعد أن تسقط في فخ داعش اليوم. فقد أعلن المجلس العسكري للعشائر وقف عملياته الهجومية، والاكتفاء بالدفاع عن المناطق التي يسيطر عليها. وعليه، فإن مراهنة الحكومة العراقية على فزاعة الإرهاب محاولة يائسة. والمثير للانتباه حشدها قواتها، واستخدامها براميل متفجرة ضد مواطنيها في الفلوجة، بينما لا تفعل الشيء نفسه ضد داعش.

من المتوقع أن تقاتل التنظيمات العراقية داعش، كما فعلت الصحوات السنية مع القاعدة، وهذا يسمح لها بتحسين موقعها التفاوضي أمام الحكومة، وإثبات عجز الأخيرة في مواجهة داعش، كما يسمح لها بربح دعم إقليمي، وربما دولي لمطالبها. ومن ثم، فإن مراهنة الحكومة على رمي التنظيمات العراقية في أحضان داعش دلالة على قصور الرؤية الإستراتيجية. فبقدر ما تفسد داعش تحرك التنظيمات العسكرية، والعشائر العراقية، وتشوه قضيتها ومطالبها، بقدر ما تمثل فرصة لتدعيم وتحصين موقعها حيال الحكومة، لما ستجنيه هذه التنظيمات سياسياً من قتالها داعش، وعزلها داخل العراق، خصوصاً أن القوى الغربية تسعى إلى عزل داعش، وتجنب أي ترابط بينها وبين تنظيمات عسكرية عراقية، بالفصل بين التنظيمات العراقية، ذات المطالب السياسية والتنظيمات الإرهابية العابرة للأوطان مثل داعش.

أما على الصعيد الكردي، فإن إستراتيجية الحكومة العراقية خاطئة أيضاً، وستزيد من علاقة إقليم كردستان معها تعقيداً. فالأكراد (قوات البشمركة) هم من يقاتلون داعش، وليس الحكومة المركزية، وهم من يتلقون الدعم العسكري الأميركي والسلاح الأوروبي. ونظراً للمراهنة الغربية على تدمير قدرات داعش العسكرية، سيخرج الأكراد منتصرين من هذا الصراع، ما يزيد من ثقلهم، وحتى من قوتهم العسكرية في مواجهة الحكومة المركزية. وربما المستفيد الأكبر من نشاط داعش هم الأكراد، في علاقتهم مع الحكومة المركزية (استغلال الوضع لتسريع عملية الانفصال فالاستقلال).

هكذا، بعدما فشلت في أداء مهمتها الأساسية (الأمنية)، أخطأت الحكومة العراقية في حساباتها محلياً على الصعيدين "السني" و"الكردي"، كما أخطأت، أيضاً، على الصعيدين، الإقليمي والدولي. فباستنجادها بالولايات المتحدة أثبتت عدم أهليتها في الحكم وعجزها سياسياً وأمنياً، كما أثبتت أنها تعتمد على التدخل الأجنبي، وسيلة لإدارة شؤون البلاد فاتحة الأبواب مجدداً على مصاريعها، لنفوذ القوى الإقليمية والدولية.

إن العراق اليوم على فوهة بركان تتفاعل فيها مواد عالية الالتهاب تتمثل، أساساً، في الطائفية والإرهاب والنفوذ/الاختراق الأجنبي. هكذا أصبحت بلاد الرافدين مسرحاً لعبث الصغار والكبار من فواعل دولتية، وغير دولتية. والمسؤولية عراقية (مسؤولية الحكام) في المقام الأول.