حوارنا الحضاري مع الغرب

حوارنا الحضاري مع الغرب

02 يوليو 2016
+ الخط -
يؤكد الواقع أن هناك دوماً حضارة سائدة على حساب الأخرى، فتفرض منطقها على الزمان، وتمد سيطرتها على المكان، والفارق الوحيد الذي يمكن ملاحظته بين الثقافات والأمم المنضوية تحت رايتها، وبين الآخرين المعاصرين لها، هو الفارق بين الرائد والتابع، بين المؤثر والمتأثر، بين المنتج والمستهلك، فهكذا كانت حضارتنا سائدة في عصر والغرب تابع، ثم تغيرت الحال وتبدلت المواقع الآن.
وعلى الرغم من الآراء السائدة حول العلاقة المتوترة بين الحضارتين، العربية الإسلامية والغربية المسيحية، كما يصفها المتزمتون، إضافةً إلى انتشار مصطلحي "المؤامرة" و"صدام الحضارات" انتشاراً مشمئزاً، إلا أن من يطلع على العلاقة بين الحضارتين، يجد أنها علاقة تثاقف مزدوجة الأوجه والسياق، فهي تتطور نحو الأرقى في خطٍ طويل صاعد، وإن حدثت بعض الانقطاعات، وهذا ما يؤيده الباحث المصري صلاح سالم. ولكن، لا بدَّ من الاعتراف بوجود لحظات تأزم بين الحضارتين، والأكثر بروزاً في هذا الصدد الحروب الصليبية، إلى جانب الهجمة الاستعمارية بقيادة الدول الإمبريالية، إضافةً إلى فوبيا صدام الحضارات بعد أحداث 11 سبتمبر.
تبدو كل من تلك اللحظات الصدامية أقل تعقيداً من اللحظة السابقة، رغم أنها أكثر تعقيداً من سياقها الطبيعي. وعلى سبيل المثال، تنطوي الحروب الصليبية على دوافع مركّبة (دينية، سياسية، اقتصادية)، إذ تنطلق باسم الصليب نحو أرض الهلال، كما أنها تتضمن بالأساس أهدافاً عملية سياسية من قبيل السيطرة والتحكم وبناء المجد للنبلاء الأوروبيين، إضافةً إلى الطمع في الموارد العربية وخصوصاً القدس. بينما تنطوي لحظة الهجمة الاستعمارية على تعقيدٍ أقل، إذ تأتي في سياقٍ تاريخيٍّ أوروبي تجاوز مركزية الدين الذي بقي حبيس الكنيسة، إلى مركزية الدولة القومية، بينما ظل الدافعان السياسي والاقتصادي مهيمنين، حيث الطموح إلى السيطرة والازدهار.
أما مقولة صِدام الحضارات، فلا تأخذ الدين حقيقة، وإنما تدثرت بغطائه من أجلِّ تحقيق الهدف السياسي الإستراتيجي الذي يكمن في تكتّل الغرب خلف الولايات المتحدة الأميركية. ويعني هذا أن التناقض، في هذه اللحظة، لم يعد ذا دوافع سابقة، كما كان إبّان الحروب الصليبية، بل صار ثنائياً باستثناء الدافع الأول الديني، كما لم يعد بين العالم الإسلامي والغرب كلِّه، كما كان إبان الهجمة الاستعمارية، بل صار مع الولايات المتحدة فقط، وهو ما تفطّن إليه الأوروبيون في عام 2003، وتحديداً بعد الاحتلال الأميركي للعراق، فقد رفض البابا يوحنا باسم الكاثولوكية العدوان على العراق.
وفي الجهة المقابلة، من الملاحظ إن كلّ المحاولات التي جرت بهدف التواصل الحضاري مع الغرب، إنما كانت ترتكز على أُسسٍ دينية، خصوصاً حول عقيدة الذات الإلهية، فالمؤكد أنه سوف تفشل تلك المحاولات في تقريب المواقف، إن لم تفجرها تماماً، فلدى كل دين، كالمسيحية والإسلام مثلاً، نقاط جوهرية صلبة، لا تطرح للمناقشة، فضلاً عن إمكانية الحسم فيها.
وبمعنى آخر فإن طرفاً من الأطراف لا يمكن أن يتنازلَ عنها أو يرضى المساومة عليها، دون جرح مشاعره الدينية وإيمانه الراسخ.
وعلى العكس، لو أننا حاولنا، بنزاهةٍ وتجرد، دونما إدخال الحوار الديني، وإحلال محله القضايا السياسية والاقتصادية المنتمية إلى واقعنا المعاصر، لوجدنا قدرة أعلى على التوافق، ومن دون توجيه إهانة لأيِّ طرفٍ كان، فيجب أن نصبح براغماتيين (نفعيين).
وإذا ما أراد العرب التواصل الفكري والحضاري مع الغرب، والاستفادة مما أحرزوه من تقدم في مجالاتِ الحياة كلُّها، يتطلب ذلك الابتعاد عن المسائل التي لا يمكن التفاوض بشأنها، أو المساومة حولها أو بصددها، دونما إحداث شروخ في الهوية الحضارية، في مقابل إحلال الانتماءات الحديثة للطبقة الاجتماعية والحزب السياسي وللهويات الواسعة، كالوطن والدولة، ما يزيد مساحة التوافق، ويزيل أعقد أسباب التناقض بين الحضارتين.
5ADE5A47-E143-4BFB-9A04-F3543E66FC8B
5ADE5A47-E143-4BFB-9A04-F3543E66FC8B
بشير الكبيسي (العراق)
بشير الكبيسي (العراق)