حكمة صينيّة وانتخابات رئاسيّة مضروبة

حكمة صينيّة وانتخابات رئاسيّة مضروبة

17 ابريل 2014

في حرب أكتوبر 73 حقق الجيش المصري انتصار الإرادة

+ الخط -
تقول حكمة للفيلسوف الصيني القديم صن تزو، صاحب كتاب "فنّ الحرب": "القتال والانتصار في جميع المعارك ليس قمة المهارة. التفوّق الأعظم هو إخضاع العدو وكسر إرادته". وعلى الرغم من مضيّ أكثر من 2500 عام على هذه الحكمة، إلا أنها تبقى صحيحة تماماً. ففي حرب يونيو/ حزيران 1967، حقّق العدو الإسرائيلي انتصاراً عسكرياً في مسارح العمليات، وعلى كل الجبهات، واحتلَّ في مصر شبه جزيرة سيناء، بالإضافة إلى باقي فلسطين والقدس وأراضٍ عربية أخرى في الأردن وسوريا ولبنان.
رفض الشعب القبول بالهزيمة والاستسلام للعدو، ليس في مصر فقط، بل في كل الوطن العربي، وخرجت تظاهراتٌ حاشدةٌ، يقودها شباب الأمة في ذلك الوقت، تطالب بالصمود وعدم الاستسلام، لعلّ أشهرها تظاهرات الطلبة في مصر العام 1968 في القاهرة والإسكندرية، ولم يهدأ الشعب إلا مع انطلاق حرب الاستنزاف والاشتباك مع العدو، واستمرت ألف يوم، في أطول حرب مع العدو الإسرائيلي، وأعقبتها نحو ثلاث سنوات من الإعداد والاستعداد، حتى جاءت لحظة الحرب على الجبهات المصرية والسورية، في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1973. 

وفي عودة إلى صن تزو ومقولاته، فإن العدو الإسرائيلي، على الرغم من تحقيقه نصراً عسكرياً مباشراً وواضحاً في يونيو/ حزيران 1967، بعد انتصاراته في 1948 و1956، إلا أنه فشل تماماً في فرض إرادته في أعقابها، فلا أحد استسلم له، ولا أحد تفاوض معه، ولا أحد اعترف به، وبقي حتى السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1973 يحتل شبه جزيرة سيناء في مصر وأراضٍ في سوريا ولبنان، وبالطبع فلسطين. وجاء السادس من أكتوبر 1973، وانطلقت الجيوش العربية من مصر وسوريا لتبادر، لأول مرة، بالهجوم، ودارت عجلة الحرب على امتداد مسارح العمليات في مواجهاتٍ قتاليةٍ مباشرة، لم تتدخل فيها أي قوى خارجية أخرى. ثمانية أيام من 6 أكتوبر وحتى 13 أكتوبر. وشهد العالم كله على ما حققه الجيش المصري من انتصار عسكري في ساحات القتال، وتحرير كامل الضفة الشرقية لقناة السويس، بعمق يصل إلى 15 كلم شرقاً. كما شهد على بطولات الجيش السوري وعلى حجم الخسائر التي أوقعها بالعدو، على الرغم من تراجعه على الأرض. تلك كانت النتيجة الحقيقية للمعارك الميدانية، قبل مشهد الثغرة، غرب القناة، وملابساتها، ودخول أميركا مباشرة، عبر إقامة أضخم جسر جوي للإمدادات العسكرية إلى إسرائيل عرفه تاريخ الحروب.
ما يعنينا أن الجيش المصري خرج، في نهاية الأمر، مرفوع الرأس، مزهوّاً بما أنجز عسكرياً. وشعر الشعب المصري عامة بأنه استردَّ كرامته التي تعرّضت للمهانة بسبب هزيمة يونيو/ حزيران 1967.
ونعود إلى الحكيم الصيني، صن تزو، وكتابه "فن الحرب"، وحديثه عن القتال والانتصار في المعارك، والمهارة الحقيقية في القدرة على فرض الإرادة على العدو، فنجد أنه، على الرغم من الانتصار العسكري الملموس للجيش المصري، تمكّن العدو الإسرائيلي من فرض إرادته التي فشل في فرضها من قبل، على الرغم من انتصاراته السابقة في جولات 48 و56 و67، وهي إنهاء حالة الحرب مع مصر، والحصول على اعتراف رسمي بدولة إسرائيل، وعقد معاهدة سلام معها، وافتتاح أول سفارة ترفع العلم الإسرائيلي في أكبر عاصمة عربية، القاهرة. وامتد الأمر، ليشمل منظمة التحرير الفلسطينية ودولاً عربيةً أخرى، وهكذا، أصبح الانتصار العربي "مضروباً"، أو كأنه انتصار.
ولتتحقّق حكمة صن تزو، التي أعتقد أننا نحتاجها الآن، لنفهم ما جرى ويجري على الساحة العربية، منذ انطلاق ثورات الربيع العربي مطلع العام 2011.
ولنأخذ مصر نموذجاً، لأنها الأكبر، ولأنها محور الارتكاز لتغييرٍ منشود في المنطقة، ولأنها، على حد تعبير دراسة مؤسسة "راند" الأميركية في العام 2002، ستكون "الجائزة الكبرى" في مشروع الشرق الأوسط الجديد. فما الذي جرى في مصر؟ انطلقت ثورة الشعب المصري بصرخةٍ مدويةٍ من الشباب في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، أعقبها التحام قوى شعبية عديدة معها، لا شك في أن "الإخوان المسلمين" بتنظيمهم القوي كانوا في مقدمتها. وعلى مدى 18 يوماً، حدثت تفاعلاتٌ وتداعيات كثيرة، سيأتي الوقت حتماً لدراستها وتحليلها. لكن، المهم أنها أسفرت عن تخلي رأس النظام عن منصبه، وتسليمه السلطة إلى قيادة القوات المسلحة، ممثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ما يعني أن النظام تصدّع، لكنه لم يسقط.
أثار ذلك المشهد الثوري الرائع في ميادين التحرير في قلب القاهرة، وفي كبريات المدن المصرية، اهتمام العالم ودهشته. وكأنها ثورة، لأَن الشعب لم يتمكن من فرض إرادته في إسقاط النظام. ولكن، تم استدراجه إلى عمليةٍ سياسيةٍ بعيدةٍ تماماً عن مفهوم الثورات الشعبية وطبيعتها، وهي عملية الصناديق وطوابير الاستفتاء والانتخاب.
ليس لنا اعتراض، لو أن النيات كانت صادقة. للأسف، لم يكن الأمر كذلك، فبعد خمس عمليات انتخابية، بمشاركةٍ شعبيةٍ واسعة، أول مرة في تاريخ الشعب المصري، إذا بنا نكتشف في الثلاثين من يونيو/ حزيران والثالث من يوليو/ تموز 2013، أن ذلك كله كان عمليةً سياسيةً "مضروبة". 
وبدا الأمر للوهلة الأولى، بعد الانقلاب، وكأَنَّ الجولة قد انتهت بهزيمة القوى الشعبية التي انخدعت بالعملية السياسية، وانتصار التيارات التي احتمت بالقوة العسكرية! كان يمكن أن يكون هذا صحيحاً، لو أن الأمر انتهى عند هذا الحد. لكن ما جرى ويجري في الشارع المصري، على مدى نحو عشرة أشهر يقول غير ذلك، لأن أبناء الشعب، من الناس البسطاء، رفضوا القبول بالهزيمة، وقرروا المقاومة. وهكذا، لم يعد النصر بالقوة العسكرية قمة المهارة، بعد الفشل في كسر إرادة الجماهير الثائرة، وأصبحنا من جديد أمام عمليةٍ سياسيةٍ جديدةٍ، وانتخابات رئاسية أيضاً "مضروبة" أو.. كأنها انتخابات.
2FABA6BB-F989-4199-859B-0E524E7841C7
عادل سليمان

كاتب وباحث أكاديمي مصري في الشؤون الاستراتيچية والنظم العسكرية. لواء ركن متقاعد، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية - العسكرية.