تعقيب .. "صهيونية الأغيار" مفبركة أيضاً

تعقيب .. "صهيونية الأغيار" مفبركة أيضاً

17 نوفمبر 2014

إيهود باراك متحدثاً في المؤتمر السنوي لـ"AIPAC"(مارس/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -

يثير رد الأستاذ والصديق صقر أبو فخر، في "العربي الجديد" (13/11/2014)، وعنوانه"وعد نابليون لليهود خرافة"، على ما ورد في مقالتي "وعود ما قبل بلفور" في "العربي الجديد" (2/11/2014)، مسألة مهمة يتداخل فيها عمل المؤرخ بعمل الباحث والمنقح لحدث تاريخي محدد. وهي مسألة دحض الخرافات الشائعة في الأدبيات السياسية العربية، ومن ضمنها الفلسطينية، وقوتها وأهداف القوى المنتجة والمسوقة لها. واستمرار ذيوع تلك الخرافات أنتج سياسات خاطئة، قادت ماضياً وستقود حاضراً ومستقبلاً إلى هزائم سياسية محققة.

وأشير إلى أن المصدر الذي استندت إليه موثوق علمياً، وهو "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" للدكتور عبد الوهاب المسيري، وأيضاً كتابه "الأيديولوجية الصهيونية" الصادر بقسميه ضمن سلسلة عالم المعرفة الكويتية سنة 1982. حيث ورد، أيضاً، أن حاييم وايزمان وصف نابليون بونابرت بأنه "أول الصهاينة العصريين من الأغيار" (الأيديولوجية الصهيونية، القسم الأول ص 106)، وهو وصف ورد في رسالة كتبها وايزمان إلى تشرشل، لم يرسلها له قط. وردت في كتاب ريتشارد كروسمان، وعنوانه "أمة تنبعث من جديد" ص 130.

وإذا كان نداء نابليون مزوراً ومحض خرافة، أسأل الصديق والباحث، صقر أبو فخر، عن "الوقائع والمعطيات التالية التي وردت في مقال للأستاذ عمر كيلاني، عنوانه "مشاريع توطين اليهود من البرازيل إلى فلسطين. المنشأ الأوروبي للصهيونية ومراحل تهويدها" (صحيفة الحياة 25/12/2003)، هل يضعها أيضاً في منزلة "الخرافات": 1- في عام 1649 أرسل اللاهوتيان الإنجليزيان، جوانا وأيبنز كارترايت، نداءً من هولندا إلى الحكومة البريطانية، جاء فيه: "ليكن شعب إنجلترا وسكان الأراضي المخفوضة أول من يحمل أبناء وبنات إسرائيل على سفنهم إلى الأرض التي وعد الله بها أجدادهم إبراهيم وإسحق ويعقوب، لتكون إرثهم الأبدي". 2- في عام 1622 نشر هنري فينيش، وكان المستشار القانوني الأول في إنجلترا، دراسة عن الاستعادة الكبرى للعالم يدعو فيها إلى استعادة إمبراطورية الأمة اليهودية. 3- في الدنمارك، حضَّ هولغر بولي ملوك أوروبا على القيام بحملة صليبية جديدة لتحرير فلسطين والقدس من الكفار وتوطين اليهود، وارثيها الأصليين الشرعيين. وفي عام 1696، قدم خطة مفصلة إلى ملك إنجلترا، وليم الثالث، طالباً منه أن يعيد احتلال فلسطين، ويسلمها لليهود، لإقامة دولة خاصة بهم. 4- في عام 1818، دعا الرئيس الأميركي، جون آدامز، إلى استعادة اليهود فلسطين وإقامة حكومة مستقلة لهم. 5- في عام 1839، أصدر بالمرستون، الذي شغل منصبي وزارة الخارجية ورئاسة الوزراء في بريطانيا، تعليمات إلى القنصل البريطاني في القدس، وليام يونغ، بمنح اليهود في فلسطين الحماية البريطانية لضمان سلامتهم وصيانة ممتلكاتهم وأموالهم. 6- في أثناء عقد مؤتمر الدول الأوروبية في لندن عام 1840، قدم اللورد شافتسبري، مشروعاً إلى بالمرستون، سماه مشروع "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، داعياً إلى أن تتبنى لندن إعادة اليهود إلى فلسطين وإقامة دولة خاصة بهم، ومحذراً من أنه لو تقاعست بريطانيا عن تنفيذ هذا المشروع، فإن هناك احتمالاً كبيراً لتنفيذه على يد دولة أخرى، كروسيا مثلاً.

وتبنّى بالمرستون، في المؤتمر، مشروعاً يهدف إلى "خلق كومنولث يهودي في النصف الجنوبي من سورية، أي فوق المساحة التي شغلتها فلسطين التوراتية". 7- في عام 1844، ألف البرلمان الإنجليزي لجنة "إعادة أمة اليهود إلى فلسطين". وفي العام نفسه، تألفت في لندن "الجمعية البريطانية والأجنبية، للعمل في سبيل إرجاع الأمة اليهودية إلى فلسطين". وألح رئيسها، القس كريباس، على الحكومة البريطانية، لكي تبادر للحصول على فلسطين كلها، من الفرات إلى النيل ومن المتوسط إلى الصحراء. 8- وفي عام 1845، قدم إدوارد ميتفورد، وكان يعتبر من أخلص أنصار بالمرستون، مذكرة إلى الحكومة البريطانية يطلب فيها "إعادة توطين اليهود في فلسطين بأي ثمن، وإقامة دولة خاصة بهم، تحت الحماية البريطانية". 9- وفي نهاية الستينات من القرن التاسع عشر، بدأ الألمان إنشاء مستعمرات ألمانية في فلسطين، أشرفت على تأسيس غالبيتها "جمعية الهيكل" الألمانية التي تأسست في القرن السابع عشر، كحركة دينية إصلاحية في الكنيسة الإنجيلية الألمانية".

وحب نابليون بونابرت أو كراهيته، أو غيره من القادة وصانعي السياسة في التاريخ الأوروبي لليهود، ليست بيت القصيد، أو العامل المحرك لمشاريع توظيف واستغلال اليهود في مشاريع استراتيجية أوروبية في المشرق العربي.

وجاء في نص مقالتي: "واللافت أن نابليون لم يَكُن يُكنُّ كثيراً من الحب أو الاحترام لليهود، وهذا يظهر في تشريعاته في فرنسا. وكان إرسالهم إلى فلسطين يشكل حلاً للمسألة اليهودية في فرنسا. كما كان نابليون يهدف إلى توظيف اليهود في خدمة مشاريعه، وتحويلهم إلى عملاء له". وأيضاً "بلفور كان معادياً لليهود، وأنه حينما تولى رئاسة الوزارة البريطانية، بين عامي 1903 و1905، هاجم اليهود المهاجرين إلى إنجلترا، لرفضهم الاندماج مع السكان، واستصدر تشريعات تحد من الهجرة اليهودية، لخشيته من الشر الأكيد الذي قد يلحق ببلاده".

وبصدد "تقرير كامبل ـ بنرمان" الذي أوصى بضرورة فصل الجزء الأفريقي من المنطقة العربية عن الجزء الآسيوي بحاجز بشري غريب. وهو تقرير مزور، أيضاً، على غرار "نداء نابليون"، تشير الحقائق إلى تنفيذ التوصية على أرض الواقع كان بفضل دعم "صهيونية الأغيار" التي كانت في منزلة "الشريك الكبير" في مشروعٍ يرمي إلى تهويد فلسطين، أرضاً وشعباً وسوقاً، بينما كانت "الصهيونية اليهودية" في منزلة "الشريك الصغير" الذي يسعى إلى توسيع هامش تحركه لتنفيذ الشق اليهودي الخاص من المشروع، بوتيرة أسرع. وذلك يفسر راهناً سعي إدارة أوباما إلى إنقاذ إسرائيل من نفسها رغماً عنها، بينما يحاول نتنياهو التهرب من متطلبات سياسة "ضبط النفس" تجاه ما يجري في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي محيط إسرائيل الإقليمي.

دلالات