تشهد الأزمة الليبية حالةً من الحيوية على صعيد الحوارات السياسية الرامية إلى التوصل إلى اتفاق سياسي ينهي الأزمة، في وقت تناول فيه المجتمعون ما بين مدن مونترو السويسرية، وبوزنيقة في المغرب، والعاصمة المصرية القاهرة، مجموعة من التصورات الرامية إلى تحقيق مصالح الأطراف المنخرطة في الصراع، سواءً الليبية، أو داعميهم من القوى الإقليمية. وفي هذا الإطار، كشفت مصادر مصرية خاصة، مطلعة على ملف إدارة الأزمة الليبية، لـ"العربي الجديد"، أن القاهرة منخرطةٌ في الوقت الراهن في حوارات مع أطراف إقليمية ودولية عدة، بشأن التوصل إلى حلٍّ يُجنّب الجميع المواجهة العسكرية. وأضافت المصادر أن المسؤولين في مصر يتحركون في اتجاه أول مع الأمم المتحدة، لوضع خطوط عريضة، يجري على أساسها لاحقاً أي اتفاق سياسي، مشيرة إلى أن أبرز تلك الخطوط، هي "عدم طرح أي أشخاص من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، وكذا أي مسؤولين محسوبين على تركيا، للمناصب العليا في ليبيا".
وأضافت المصادر أن الاتجاه الآخر الذي تتحرك فيه القاهرة، هو مع فرنسا في المقام الأول، بشأن الحفاظ على تماسك ما تسميه "الجيش الوطني الليبي" في الشرق، وذلك بعد ظهور تصدّعات كبيرة داخل تلك المليشيات. وأوضحت المصادر أن هناك دوراً للأجهزة المصرية بالتعاون مع مسؤولين من فرنسا، لتوحيد صفوف مليشيات الشرق الليبي، وحسْم تمكين رئيس الأركان عبد الرازق الناظوري، من قيادة تلك المليشيات بشكلٍ رسمي، بعد تنحية خليفة حفتر من المشهد.
أبدت مصر قبولاً بتشكيل مجلس عسكري موحد بين الغرب والشرق، على أن يقوده عبد الرازق الناظوري
وكشفت المصادر أن هناك تصوراً عاماً رحبت به القاهرة عندما عُرض عليها مشفوعاً بدعم أممي، موضحة أن هذا التصور يتضمّن تشكيل مجلس رئاسي جديد يُستبعد منه رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج، ويكون له رئيس ونائبان، أحدهما ممثل للغرب وآخر للشرق، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن الاتجاه السائد ضمن هذا التصور لرئيس المجلس، يميل إلى اختيار شخصية من مدينة سرت، وسط البلاد، وهو ما يعني أن هذا الرئيس سيكون من القذاذفة، قبيلة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.
كما يتضمن التصور الذي يلقى قبولاً مصرياً، تشكيل مجلس عسكري تتوحّد تحته كافة الكتائب والمليشيات الرسمية في الغرب والشرق، على أن يقوده عبد الرازق الناظوري، ويكون نائبه فتحي باشاغا، وزير الداخلية الحالي في حكومة الوفاق، ممثلاً للغرب، والذي يلقى قبولاً داخل الدوائر والأوساط الرسمية المصرية المسؤولة عن إدارة الملف الليبي.
وشددت المصادر على أن القاهرة، خلال حوارات مع عدد من المسؤولين الدوليين بشأن مستقبل ليبيا، رفضت أي حديث عن تقسيم ليبيا إلى أقاليم ذاتية الحكم، أو تطبيق نظام كونفدرالي. وقالت المصادر إن "مصر رفضت تماماً الحديث عن مصطلح تقسيم ليبيا مناطقياً، لكنها في الوقت ذاته تمسكت بالتمثيل المناطقي المناسب".
وفي سياق متصل، دعا وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إلى ضبط آجال الحوار، مؤكداً أن الوضع لا يتحمل المماطلات ولا المناورات. وأكد باشاغا، في سلسلة تغريدات له عبر "تويتر"، أن الحوار السياسي البنّاء هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة الليبية، وإنقاذ الدولة من الانقسام السياسي والمؤسساتي الذي أدى إلى انهيارات اقتصادية وخدماتية حادة تتطلب معالجات عاجلة من دون تردد أو تسويف، لأن المواطن ضاق ذرعاً من الفوضى والفساد. وأعرب عن تقديره لجهود البعثة الأممية لجمع الفرقاء وتذليل الصعاب، مثمناً دور المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني ويليامز وإسهاماتها في تقدم العملية السياسية نحو الحل. ودعا باشاغا البعثة الأممية إلى المسارعة في ضبط آجال الحوارات، مشدداً على أن الوضع لا يحتمل المماطلات ولا المناورات.