بلبلة في ليبيا: "بوق القذافي" مسؤولاً للإعلام؟

14 سبتمبر 2020
+ الخط -

في ظلِّ تقدم المشاورات بين الأطراف الليبية في المغرب وسويسرا، والحديث عن الذهاب إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية في ظرف ثمانية عشر شهراً، يواصل رئيس المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق"، فائز السراج، تنفيذ الوعود التي أطلقها عقب اندلاع الاحتجاجات في العاصمة الليبية طرابلس، بشأن محاربة الفساد وإجراء تعديلات وزارية عاجلة، خصوصاً في المناصب الأمنية الرفيعة التي كانت شاغرة لفترة طويلة.

لكن تكليف الكاتب الصحافي محمد بعيو بمثابة وزير الإعلام، برئاسة "المؤسسة الليبية للإعلام"، أثار جدلاً واسعاً أكثر من كل الشخصيات الأخرى.

"المجلس الرئاسي يعين القيادي السابق في اللجان الثورية والناطق باسم آخر حكومة للقذافي (معمر القذافي)، محمد بعيو، مسؤولاً عن جميع القنوات والصحف المملوكة للدولة"، بهذه الكلمات صاغت قناة "ليبيا الأحرار" الخبر العاجل على شاشتها، الخميس الماضي، ومنذ ذلك الحين ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالانتقادات الساخطة والتعليقات الساخرة من تكليف بعيو رئيساً لـ"المؤسسة الليبية للإعلام" التي تخضع لها ما يزيد عن ست عشرة جهة إعلامية، بما في ذلك "الهيئة العامة للصحافة"، و"وكالة الأنباء الليبية" (وال)، وعدد من المراكز والقنوات والإذاعات المملوكة للدولة.

وقد تداول ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي منشورات قديمة لبعيو على موقع "فيسبوك" يؤيد فيها هجوم خليفة حفتر على طرابلس، في الحرب التي استمرت أربعة عشر شهراً على تخوم العاصمة الليبية، وفيديوهات عدة يهاجم فيها السراج بوصفه "مغتصب السلطة" و"عنصر تأزيم"، قبل أن يكلفه الأخير بـ"المؤسسة الليبية للإعلام" التي أنشئت في اليوم نفسه، وحلّت محل "الهيئة العامة للإعلام".

بيانات رفض

"قرار إنشاء (المؤسسة الليبية للإعلام) يشوبه العديد من الأخطاء والخلط، تداخلت فيه المهام كمؤسسة وكهيئة مستقلة للإعلام وفق ما ينصّ عليه الدستور، وتكليف بعيو على رأسها بصلاحيات واسعة يهدد المكاسب التي تحققت بفضل ثورة فبراير"، يقول رئيس تحرير صحيفة "أصوات" حسام الطير، في حديثه إلى "العربي الجديد".

ويضيف الطير: "بعيو شخصية متقلبة الآراء والتوجهات، يميل دوماً إلى مصلحته الشخصية من خلال الابتزاز، كما فعل مع محافظ مصرف ليبيا المركزي عندما أقاله من منصبه مستشاراً إعلامياً، وذهابه إلى تأييد حفتر بقوة في حربه على طرابلس، قبل أن يقفز من جديد إلى معسكر الوفاق".

في الأثناء، تداولت وسائل الإعلام بياناً أصدره عدد من الإعلاميين والمدونين والموظفين في وسائل الإعلام الحكومية، أكدوا فيه رفضهم القاطع بشأن إنشاء المؤسسة وتعيين بعيو على رأسها، باعتباره قراراً "يقتل الإعلام الحر"، مع الإشارة إلى "مواقفه المتقلبة وغير المستقرة"، والتهديد بعصيان مدني يقفل الشاشات ويخرس الإذاعات، وفق نصّ البيان.

لكن الاحتجاجات لم تقف عند الوسط الإعلامي؛ عضو المجلس الرئاسي ووزير التعليم المكلف، محمد عماري زايد، أصدر بدوره بياناً وصف فيه بعيو بأنه كان "بوق الطاغية القذافي"، ودعا فيه رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي لعقد اجتماع عاجل لإعادة النظر في هذا القرار.

كما وجهت انتقادات قيادات قوات "بركان الغضب"، وبعض الشخصيات السياسية البارزة، و"الهيئة الطرابلسية" التي اتهمت السراج بخيانة ثورة فبراير عبر تعيين أعضاء اللجان الثورية في المناصب الحساسة.

آراء إيجابية

في المقابل، يدافع بعضهم عن بعيو باعتباره صاحب "مشروع إعلامي شامل"، مع الإشادة بمواقفه المعادية لجماعة "الإخوان المسلمين"، وأنه قادر على إقصاء "الإعلام المؤدلج"، خصوصاً بعد دعوته الإعلاميين الليبيين، عبر صفحته الشخصية على "فيسبوك"، إلى أن يكون "إعلام السلام بديلاً عن إعلام السلاح"، ووصفه لقناة "ليبيا الأحرار" بـ"أبواق الشيطان".

"الأديب والصحافي محمد بعيو عارك الإعلام منذ زمن طويل والأهم أنه بعيد كل البعد عن الأدلجة السياسية"، يقول الكاتب والأكاديمي فوزي الحداد في حديثه إلى "العربي الجديد". ويضيف الحداد: "الحملة التي تشنّ ضده تأتي بشكل خاص من تيار الإسلام السياسي بعد أن فشلوا في استقطابه وترويضه، ومع تمكنه من المؤسسة سيكشف الغطاء عن الكثير من الحقائق المغيبة في مجال الإعلام".

تخبّط السراج

وبينما يفسّر بعضهم قرار السراج بمغازلة أنصار النظام السابق، في ظلّ الصراعات التي يعيشها داخل العاصمة، يذهب آخرون إلى تفسير القرار على أنه تغطية على الفساد المستشري والفشل في احتواء وباء فيروس كورونا الذي تفشّى بشكل كبير في الأيام الأخيرة، وإلهاء المواطنين عن القرارات الأخرى الأكثر أهمية، المتعلقة بتكليف بعض قادة الكتائب المسلحة في طرابلس بمنصبيّ نائب رئيس جهاز المخابرات الليبية ونائب جهاز رئيس الأمن الداخلي.

"بدلاً من أن تأتي التعديلات الوزارية لتهدئة الأوضاع ورأب الصّدع، عززت الانقسام وأثارت جدلاً واسعاً على كافة المستويات، في الوقت الذي تشهد فيه جولات الحوار على ما فيها تقدماً جيداً"، يقول عضو المجلس الأعلى للدولة محمد أبو سنينة، في حديثه إلى "العربي الجديد".

ويستطرد أبو سنينة: "هناك تخبّطاً في قرارات الرئاسي الأخيرة، وهذا نتيجة سنوات طويلة من الانفراد بالقرارات من قبل رئيس المجلس الرئاسي، وتجاسره على مجلسيّ الدولة والنواب اللذين انبثق عنهما في الأساس، ونتحمل المسؤولية نحن وأعضاء المجلس الرئاسي الذين أتاحوا له المجال بصمتهم الطويل، حتى أصبحت اعتراضاتهم لا معنى لها"، في إشارة إلى بيان زايد.

المساهمون