بيكة الخواص... ذاكرة خوف بعمر فلسطين

بيكة الخواص... ذاكرة خوف بعمر فلسطين

06 يوليو 2020
كانت في العاشرة في عام النكبة (العربي الجديد)
+ الخط -

تجاوزت الثمانين وما زالت لاجئة، تعيش في مخيم عين الحلوة، في صيدا، جنوب لبنان. في البداية أرغمها العدو الصهيوني على ترك أرضها وبيتها مع عائلتها وهي صغيرة، في العاشرة، ولم تكن تعرف الخوف والقلق. لكنّ العدو الذي هجّرها زرع في نفسها الخوف والحزن على ابنها الذي قتلته الطائرات الصهيونية في اجتياح لبنان عام 1982. سقط شاباً شهيداً في المخيم.
هي بيكة خليل الخواص، من بلدة أم الفرج بفلسطين، لها من الإناث خمس، ومن الذكور ثلاثة. ما زالت تذكر كلّ ما حصل معهم يوم هاجمتهم طائرات العدو الصهيوني، عام 1948 وأرغمتهم على ترك بيوتهم وأرضهم: "لم أعد أذكر من أشجار الزيتون التي كانت في أرضنا سوى ذلك القصف الذي اقتلعها كما اقتلعنا. كنت حينها في العاشرة، وكنت أظن أنّ تلك الطائرات كانت تقصف أشجار الزيتون لتخويفنا وتهجيرنا من أرضنا، لكن على العكس من ذلك، فقصفها لم يكن إلا انتقاماً من كل ما يدل على فلسطينية أرضنا".
تضيف: "مرّت السنوات الطويلة كالحلم سريعة، ففيها كثير من الروايات التي قد تشبه الخيال في تفاصيلها. تنقلنا من مكان لمكان وما زلنا نعيش مرارة اللجوء". مرارة اللجوء التي عشناها يوماً بيوم، وما زلنا نعيشها حتى اليوم".

 


تقص رواية التهجير، فتقول: "عندما بدأ القصف الصهيوني على بلدتنا كانت أمي تعجن، وكانت قبل ذلك قد حلبت بقراتنا. أما أنا فكنت أجلس بالقرب منها أراقب ما تفعل، سعيدة بهذا المشهد. وبعدما انتهت أمّي لم تتمكن من خبز عجينها إذ بدأت الغارات، ومن بعده الهجوم البري، فقد دخل الجنود فجأة وقالوا باستنكار: عرب عرب، قوموا لنحصيكم... وعندما رفضت أمي أصرّوا على إخراجنا من بيتنا بحجة ذلك الإحصاء. عندها لم يكن أمامنا أي خيار تحت وطأة الخوف، فتركنا كلّ شيء في البيت، حتّى ملابسنا، وخرجنا، بانتظار الإحصاء، وعندما وصلنا إلى مكان معين كانوا قد أشاروا إليه، تبين أنّها سكة القطار الذي كان جاهزاً لنقلنا. القطار كان واسعاً. وصلنا إلى ساحة مليئة بأشجار الزيتون، وبقينا في العراء، ثم بدأ الطيران بالغارات على الأماكن التي زرعت فيها أشجار الزيتون، إلى أن اقترب القصف منّا، عندها خفنا وقررنا ترك المكان والمشي باتجاه مكان آمن. مشينا في الجبال وفي الوعر، ليل نهار، لمسافات طويلة حتّى نصل إلى مكان آمن. وبعد مضي وقت لم أعد أذكره، وصلنا إلى دمشق، وهناك استقبلنا أهلها وأسكنونا في المساجد، وقدموا لنا بعض الخبز والتمر، لكنّنا لم نقو على تلك العيشة المُرّة، فتركنا الشام وبدأنا رحلة جديدة من المشي، إلى مخيم الرشيديّة، في صور جنوبي لبنان. وفي الرشيدية بنينا بيوتنا، وتزوجنا، وزوّجنا أولادنا. ومن بعده، سكنت في مخيم عين الحلوة الذي ما زلت فيه".
تختم: "كانت حياتنا ترحالاً، والآن كلّ ما أتمناه أن أموت في فلسطين، وأدفن بأرضنا تحت أشجار الزيتون".

المساهمون