أم قاسم حجير... كنت أنقل السلاح للفدائيين

أم قاسم حجير... كنت أنقل السلاح للفدائيين

22 يونيو 2020
"أمنيتي أن أعود إلى فلسطين" (العربي الجديد)
+ الخط -
"أنا في الرابعة والسبعين من عمري، وأشعر بأنّني سأموت من القهر. أمنيتي أن أعود إلى فلسطين وأموت فيها"

كانت أم قاسم حجير تبلغ من العمر عامَين ونصف العام عندما وقعت نكبة 1948 وهُجّرت عائلتها من بلدة الطيرة الفلسطينية إلى لبنان. وتشير إلى أنّ والدها استشهد في قريتهم على أيدي الصهاينة، وهو يقاوم من أجل فلسطين. وتخبر أم قاسم: "كان أهلي يعملون في الزراعة، وكان أبي متزوجاً من امرأتَين وله سبعة أولاد، ستّ بنات وابن واحد صار مدرّساً. وقبل خروجنا من فلسطين، ومثلما أخبرني أهلي، كان والدي من الثوّار وكان يذهب إلى مصر لإحضار الأسلحة إلى الطيرة، وتوزيعها على هؤلاء الذين وقفوا في وجه العدو الصهيوني الذي احتلّ أرضنا".

تقول أم قاسم إنّه "في السابع عشر من مايو/ أيار من عام 1948 طوّق الصهاينة بلدتنا. في البداية، فخّخوا بيتاً على أطراف البلدة لآل الحلبي، فراح ضحية التفجير 17 شخصاً، وذلك من أجل زرع الرعب في قلوب الناس ليتركوا البلدة. وبعد التفجير مباشرة، بدأوا يسكبون البنزين حول بيت مصطفى حجير لإحراقه. في ذلك الوقت، حاول والدي استكشاف ما حصل، وعندما خرج من البيت أطلق الصهاينة النار عليه فأردوه. وبدأت حينها الاشتباكات بين الصهاينة والثوّار من أبناء البلدة، فارتعب الناس وصاروا يهربون. بعض منهم توجّه نحو مدينة حيفا، وكانت أمّي وأهلها منهم. من هناك، هاجروا عن طريق البحر. أمّا أنا وشقيقتي، فبقينا مع عائلة والدي بعد استشهاده، وتوجّهنا بالبوسطة (الحافلة) نحو الجليل". تضيف: "لقد ترك الناس أرزاقهم خلفهم، ولم يحملوا معهم شيئاً، لأنّهم ظنّوا بأنّهم سيعودون بعد أسبوع إلى بيوتهم مثلما أخبروهم".

وتكمل أم قاسم سرد ما نُقل إليها. "عندما وصلنا إلى لبنان كلاجئين، استقبلتنا الأمم المتحدة في مدينة صيدا جنوبي لبنان، لكنّ حياتنا كانت مريرة. ربّتني زوجة والدي، وتابعت تعليمي حتى الصف الرابع الأساسي ثمّ تزوّجت وأنا في الثانية عشرة من عمري. كان زوجي في البداية يعمل في جمع رمل البحر، وسكنا كما سوانا في خيمة. في ذلك الوقت، كانت النساء يطبخنَ على الحطب، وكنّا نضطر إلى نشره". وتتابع أنّه "في 26 ديسمبر/ كانون الأول من عام 1958، أنجبت ابني قاسم الذي استشهد في خلال مقاومته الصهاينة في الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982. حينها قامت مواجهات عنيفة بين الفدائيين والعدو الصهيوني، وهو راح يقاومهم عند مدخل مخيّم عين الحلوة في صيدا، قبل أن يتوجّه ورفاقاً له إلى منطقة نهر الأولي. هناك، نفدت ذخيرتهم وأصيب هو. وعندما اقترب منه الصهاينة، فجّر نفسه بالحزام الناسف الذي كان يزنّره. وهكذا فقدنا كلّ أثر له ولم نتمكّن من دفنه. بعد ثلاث سنوات ونصف، وقعت معارك شرق صيدا، وكان ابني الثاني في منطقة كفرفالوس، فأصيب برأسه برصاصة قنّاص ليستشهد على الأثر. أمّا ابني الثالث فقد قُتل على أيدي إرهابيين في مخيّم عين الحلوة، وكانت زوجته حاملاً. ابني الرابع قتله إرهابيون كذلك في المخيّم. ولم يتوقّف الأمر هنا. فحفيد لي، قُتل بالطريقة نفسها التي قضى بها عمّاه، على أيدي إرهابيين. بالنسبة إليّ، هو ابني الخامس الذي سقط شهيداً مثل الباقين".

"أنا في الرابعة والسبعين من عمري، وأشعر بأنّني سأموت من القهر. أمنيتي أن أعود إلى فلسطين وأموت فيها"

وتلفت أم قاسم إلى أنّ زوجها كان من ضباط الجبهة الديمقراطية وكان يخدم في الأردن، لذا كان يغيب أياماً طويلة عن البيت، "وكان يعود ليلاً ليطمئنّ علينا لأنّ عمله كان سرياً، وكنّا نخاف أن يشي به أحد لعناصر المكتب الثاني في المخيّم حتى لا يُلاحَق". وتؤكد أنّ "زوجي من الذين كانوا ينفّذون عمليات فدائية في الداخل الفلسطيني المحتل، ومن جهتي كنت أنقل من السلاح إلى الفدائيين في جنوب لبنان". وتكمل أم قاسم: "اليوم، أنا في الرابعة والسبعين من عمري، وأشعر بأنّني سأموت من القهر. أمنيتي أن أعود إلى فلسطين وأموت فيها".

المساهمون