المغرب: صراعات "الأحرار" تهدد طموحاته الانتخابية

المغرب: صراعات "الأحرار" تهدد طموحاته الانتخابية

31 اغسطس 2020
يشارك أخنوش في حكومة العثماني (الأناضول)
+ الخط -

يعيش حزب "التجمع الوطني للأحرار"، ثاني أكبر حزب في الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، على إيقاع أزمة حادة وسط قيادته وفي فروعه، تنذر بتصدعه، وذلك قبل نحو عام من الانتخابات التشريعية التي لا تخفي قيادته الحالية بزعامة وزير الزراعة عزيز أخنوش، طموحها لتصدرها والإطاحة بالإسلاميين. وفي الوقت الذي ما زالت فيه قيادة "التجمع الوطني للأحرار" لم تتعافَ من تأثيرات المقاطعة الاقتصادية التي طاولت ثلاث علامات تجارية عام 2018، من ضمنها شركة توزيع المحروقات المملوكة لأخنوش، يعيش الحزب منذ أسابيع مرحلة سيئة في تاريخه بتراكم أزمات عدة، دفعت أخيراً قياديين في الحزب إلى الانتقال إلى مرحلة التنسيق وتسريع الخطوات، من أجل الإعلان عن ولادة "حركة تصحيحية" للقطع مع ما سموه منطق المقاولة الذي أصبح يدار به الحزب.

تهدّد الأزمات الداخلية حظوظ "الأحرار" في الانتخابات التشريعية المقبلة

وفي هذا السياق، بدا لافتاً خروج الرئيس السابق لجهة كلميم واد نون، عبد الرحيم بوعيدة، الأسبوع الماضي، مطالباً من خلال تدوينة له على "فيسبوك"، برأس أخنوش، من خلال حركة تصحيحية وعقد مؤتمر استثنائي للحزب. وحرص بوعيدة على توجيه سهام نقده لإدارة أخنوش لشؤون الحزب قائلاً: "لا أفهم جيداً المنطق الذي تدار به الأمور داخل بيت الأحرار، لكني متتبع جيد لحالة الاستياء العام التي يعيشها هذا الحزب الذي ندرك جيداً ولادته ونشأته، لكننا لا نفهم اليوم طريقة موته التي يسير لها بخطى ثابتة وبتصميم من قيادته". واعتبر أن الحزب "يحتاج لمشرط الجراحة ليجتث جذور من أوصلوه لهذا المصير دون حتى علم زعيمه". واعتبر أن حزب "الأحرار" يحتاج إلى "حركة تصحيحية تخرج من صالونات التنظير ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى العلن لتعلن القطيعة أو الحوار، الاستمرار أو الانسحاب الجماعي"، لافتاً إلى أن "البقاء في حزب يحارب نفسه ويقتل نفسه، أشبه بانتحار ما لم يتدارك حكماء ومؤسسو الحزب ومناضلوه الحقيقيون الموقف". وسأل: "من يقود اليوم حزب الأحرار؟ وإلى أين يسير به؟ أليست الحاجة ملحّة لعقد مؤتمر استثنائي لاختيار قيادة جديدة بمنطق الديمقراطية، لا بسياسة الأمر الواقع الذي أنتج قيادة بإجماع غريب"؟

ويأتي تخطيط قياديين في "الأحرار" لإعلان حركة تصحيحية، ليعكس ما يعيشه الحزب من صراع بين جناحين، واحد يقوده الوزيران السابقان محمد أوجار ومحمد عبو، في حين يقود الجناح الثاني مؤيدان لأخنوش، وهما وزير الشباب والرياضة السابق رشيد الطالبي العلمي، وعضو المكتب السياسي ومدير الحزب مصطفى بيتاس. وهو الصراع الذي يجري التكتم عليه منذ التعديل الحكومي الأخير في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الذي أطاح بوزير العدل السابق محمد أوجار، والطالبي العلمي نفسه. وانفجر هذا الصراع بشكل جلي، حينما قاد بيتاس، اليد اليمنى لأخنوش، بمناسبة مناقشة مشروع قانون المالية التعديل في يوليو/تموز الماضي، حملة منظّمة ضد زميله في الحزب وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، منتقداً بشكل مفاجئ، وعلى مرأى ومسمع الخصوم والحلفاء، أداء زميله.

بوعيدة: حزب "الأحرار" يحتاج إلى "حركة تصحيحية

كما سلّط ما تعرضت له البرلمانية وفاء البقالي من حملة تشهير قادها محسوبون على بيتاس، بسبب موقفها الداعم لبنشعبون، الضوء على حجم الصراع بين الجناحين. وفي الوقت الذي يتحدث فيه بعض المتابعين عن صراع خفي بين أخنوش وبنشعبون، وصل إلى نقطة اللاعودة، شكّل إعلان المنسق الإقليمي للحزب في الرباط عبد القادر تاتو استقالته، هذا الأسبوع، عنواناً آخر للأزمة التي يمر بها "الأحرار"، واستمراراً لعدد من الاستقالات الجماعية التي عرفها الحزب في الآونة الأخيرة في العديد من المناطق ( فاس، اشتوكة آيت باها، الرحامنة، الرباط...) جراء ما وُصفت بالتجاوزات وعدم احترام القوانين الداخلية للحزب. هذه الأجواء جعلت الحزب، الذي تأسس سنة 1977 على يد أحمد عصمان، صهر الملك الراحل الحسن الثاني، وعرف باسم "الحزب الإداري" العامل في سياق كسب رضا الدولة، أمام مفترق طرق ينذر بحدوث انشقاقات في ظل سعي جناح الطالبي العلمي وبيتا السيطرة على الحزب قبيل الانتخابات المقبلة، كما أثارت أكثر من علامة استفهام حول تأثير ذلك على حظوظه خلالها.

وشهدت الساحة السياسية المغربية صعود نجم "التجمع الوطني للأحرار" منذ تولى قيادته أخنوش أواخر سنة 2016، ولا سيما بعد أن تمكن من الإمساك بخيوط تشكيل حكومة سعد الدين العثماني، وفرض شروطه أمام عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة السابق (29 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 إلى 5 إبريل/نيسان 2017). ومنذ ذلك الحين عمل أخنوش، بكل ما أوتي من قوة على تقوية الحزب، وتجديد هياكله التنظيمية وتطعيمها بوجوه جديدة، راهن عليها محلياً وجهوياً لبلوغ هدفه المنشود بقيادة الحكومة المقبلة وكسر هيمنة الإسلاميين على صناديق الاقتراع. بيد أن المؤشرات الأولية، قبل سنة من الانتخابات، لا تنبئ بتفاؤل كبير جراء حرب الاستنزاف الدائرة بين الجناحين المتصارعين داخل البيت التجمعي. ولئن كان حزب "الأحرار" قد استفاد كثيراً من الأزمات الداخلية التي واجهتها الأحزاب المنافسة له ممثلة في حزب "العدالة والتنمية" (بعد إعفاء أمينه العام السابق عبد الإله بنكيران من تشكيل الحكومة)، وحزب "الأصالة والمعاصرة" (بين أمينه السابق حكيم بنشماس وتيار المستقبل بزعامة الأمين العام الحالي عبد اللطيف وهبي) وحزب "الاستقلال" (بين الأمين العام السابق حميد شباط ومعارضيه)، إلا أنه يواجه، حالياً، أزمة داخلية تهدد حظوظه في النزال الانتخابي المقبل جراء رحيل عدد من الأسماء التي راكمت تجربة انتخابية، وما تعيشه فروع الحزب من صراعات، وكذلك عدم قدرته، في الوقت الحالي، على التحول إلى مركز جذب واستقطاب لفئة الأعيان، التي ما زالت رقما يصعب تجاوزه في الانتخابات المغربية.

وبينما يرى مراقبون أن قوة الحزب، الذي يصنف تاريخياً ضمن يمين الوسط، تكمن في قيادته ونوعية أعضاء مكتبه السياسي المشكل من 16 وزيراً حاليين وسابقين ومن رؤساء جهات ونخب برلمانية ورجال أعمال وأعيان، إلا أن ما يعيشه الحزب حالياً، من معركة "كسر العظام" وتصفية الحسابات بين أعضاء المكتب، يحول تلك القوة إلى نقطة ضعف ستؤثر على نتائجه ما لم يتم تدارك ذلك بالسعي نحو التوافق ودفن الخلافات. ويبقى تحقيق قيادة "الأحرار" رهان الفوز بانتخابات 2021 صعب التحقق إن لم يكن مستحيلاً، فالحزب الذي له تاريخ من النتائج المتواضعة (احتل المرتبة الرابعة في انتخابات 2016 بـ37 مقعداً) على الرغم مما يتمتع به من قوة ضاربة على المستوى المالي واللوجستي، يعاني من نقطة ضعف قاتلة ترتبط بضعف تجذره في القواعد الشعبية، وحضوره في المجتمع المدني، وافتقاد ذراع إعلامي قوي، خلافاً لمنافسيه ولاسيما حزب "العدالة والتنمية"، الطامح لقيادة الائتلاف الحكومي للمرة الثالثة على التوالي.