العراق: عين "داعش" على أعالي الفرات

العراق: عين "داعش" على أعالي الفرات

26 ديسمبر 2016
جنود عراقيون يحتفلون بتحرير هيت (موضح الدليمي/فرانس برس)
+ الخط -

في 22 ديسمبر/كانون الأول الحالي، علقت عربة عسكرية تابعة للجيش العراقي في الرمال في منطقة تعرف باسم الصكرة، قرب مدينة حديثة غرب الأنبار، وهي من المناطق التي تعتبر محررة بشكل كامل من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي تمكن، في غضون دقائق، من تحويل العربة العسكرية إلى كتلة حديد منصهرة، وقتل طاقمها المؤلف من أربعة عسكريين، بينهم ضابط، قبل وصول المساعدة المطلوبة لسحب العربة. ويؤكد مسؤول عسكري عراقي أن هذا الحادث يتكرر في مناطق تعتبرها واشنطن وبغداد مؤمنة، وهما لا ترغبان بالكشف عن وضعها الحقيقي عبر وسائل الإعلام، إلا أنه لم يعد بمقدور أحد الاستمرار في التكتم عليها بعد تكاثرها.

وتزداد وتيرة الهجمات اليومية في مناطق أعالي الفرات، بدءاً من مدينة هيت على نهر الفرات امتداداً إلى الرطبة والنخيب جنوباً، حيث الحدود العراقية مع الأردن والسعودية، وشمالاً حيث مدينة القائم، في مساحة تمتد لأكثر من 200 كيلومتر، تشكل الصحراء 70 في المائة منها. ووفقاً للتقارير العسكرية التي تصل إلى بغداد، وتصدر عن قيادة عمليات البادية والجزيرة في الجيش العراقي التي تتولى مهمة تأمين مناطق أعالي الفرات، فإن "داعش" شن 41 هجوماً منذ مطلع ديسمبر/ كانون الأول الحالي، بين هجمات مسلحة وتفجير سيارات وعبوات واقتحامات استهدفت ثكنات وقواعد عسكرية، أو مهاجمة أرتال للجيش والشرطة، ما خلف عشرات القتلى والجرحى في صفوف القوات العراقية. في الوقت ذاته، تزداد عزلة السكان في المدن القابعة تحت سلطة التنظيم. ويكاد يكون الرقم 114 المخصص للإبلاغ عن مناطق تجمع "داعش" منسياً، بسبب ما يصفه مسؤول في الاستخبارات العراقية بأنه أخطاء قاتلة ارتكبت بحق الأهالي، إذ سقط، منذ مطلع الشهر الحالي، 511 قتيلاً وجريحاً من المدنيين، بينهم 252 شخصاً، غالبيتهم من النساء والأطفال، قضوا بقصف عراقي على سوقي السمك والخياطين وسط مدينة القائم.

ويخشى مسؤولون محليون وعسكريون في محافظة الأنبار، التي تشغل 33 في المائة من إجمالي مساحة العراق، أن تكون تلك الهجمات مقدمة لاجتياح جديد ينفذه التنظيم للمدن المحررة في أعالي الفرات، وهي هيت والبغدادي والرطبة وضواحي قضاء حديثة. وكشف مسؤول عسكري عراقي، لـ"العربي الجديد"، عن تلقيهم "معلومات حول بدء تجمع مقاتلي التنظيم في وديان وكهوف صحراء الأنبار مرة أخرى، فيما رصدت طائرات مراقبة عراقية دخول عشرات الآليات الثقيلة، بينها دبابات، تابعة لنظام الأسد، استولى عليها التنظيم أخيراً بعد سيطرته على مدينة تدمر". وأشار إلى أن "رئيس الوزراء (حيدر العبادي) سحب جزءاً كبيراً من قوات الجيش باتجاه الموصل مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وحالياً القوات الموجودة غير كافية في مناطق غرب الأنبار"، مبيناً أن "نسبة الهجمات ارتفعت بشكل كبير أخيراً، والتنظيم يضرب أهدافاً حساسة للجيش والشرطة الاتحادية وحرس الحدود، وينسحب بشكل سريع. وسجلنا حالات غياب وتسرب لعدد كبير من عناصرنا، خصوصاً الذين يمسكون قواطع وسط الصحراء أو على الطرق التي تربط مدن أعالي الفرات، بسبب تلك الهجمات".

وأضاف المسؤول العسكري العراقي أن "مناطق أعالي الفرات، فضلاً عن كونها مرشحة للسقوط بيد تنظيم داعش مرة أخرى، بسبب كونها المكان المناسب له في حال خسر الموصل، تستنزف قواتنا بشكل يومي، بشرياً وماديا". وما تزال الحكومة العراقية تلتزم، منذ نحو عامين، قرار منع نشر خسائر القوات العراقية خلال حربها مع "داعش". وينتشر في المنطقة نحو 11 ألف عنصر من الجيش والشرطة الاتحادية ومليشيات "الحشد العشائري"، إلا أن هذا العدد يعتبر غير كاف بسبب مساحة المنطقة وتضاريسها، إذ يمكن تقسيم العدد على المساحة، ليصبح كل عنصر مسؤولاً عن 240 متراً، وهو عدد غير كاف بشكل واضح وفقاً للمسؤول. في السياق، قال عضو اللجنة الأمنية في الحكومة المحلية في الأنبار، فيصل العيساوي، لـ"العربي الجديد"، إن "تنظيم داعش يهاجم بشكل مستمر القوات الأمنية المنتشرة على أطراف المدن المحررة في هيت وحديثة والرطبة"، موضحاً أن "عناصر داعش يهاجمون ثكنات الجيش العراقي والشرطة والحشد العشائري ثم ينسحبون إلى الأماكن التي انطلقوا منها في صحراء الأنبار أو مدن عانة وراوة والقائم التي ما تزال تحت سيطرتهم". واضاف "خلال الأسبوع الماضي، تعرضت ثكنات الجيش العراقي والحشد العشائري في مناطق غرب المحافظة إلى هجمات عدة رافقتها عمليات انتحارية"، معللاً أسباب استمرار الهجمات التي ينفذها "داعش" بعدم سيطرة القوات الأمنية على الحدود العراقية مع سورية وقدرة عناصر التنظيم على التنقل بحرية ونقل الاسلحة عبر الحدود.

ويطالب مسؤولون في المحافظة بغداد بتسريع عملية الهجوم على مناطق تواجد "داعش" قرب الحدود السورية، خصوصاً مدينة القائم التي باتت معقله الرئيس في الأنبار، بعد خسارته الفلوجة ومن قبلها الرمادي والرطبة. وقال عضو مجلس محافظة الأنبار، راجع العيفان، لـ"العربي الجديد"، إن "على القيادات الأمنية تسريع تحرير مدن عانة وراوة والقائم لوقف تنقل عناصر التنظيم من سورية". وأشار إلى أن "تحرير عانة وراوة والقائم سيسهل عملية إمساك القطعات الأمنية بالحدود، وقطع منافذ تسلل ودخول الارهابيين من سورية إلى العراق رغم امتداداتها الشاسعة"، مشيراً إلى أن " تنظيم داعش ما زال يسيطر على نحو 12 في المائة من مناطق محافظة الأنبار". ويقول ضابط في الجيش العراقي، عرف عن نفسه باسم العقيد محمد الدليمي، لـ"العربي الجديد"، إن "هجمات التنظيم تنذر بهجوم واسع ووشيك"، موضحاً أنه "استقدم مدرعات ودبابات من البوكمال ودير الزور، ولديه أعداد كافية من المسلحين يتواجدون في الصحراء، غالبيتهم كانوا انسحبوا، مع أسلحتهم، من الفلوجة والرمادي". وأضاف "نأمل من الحكومة أن تسرع بمعالجة الموقف قبل وقوع ما نخشاه جميعا". وقال القيادي في "الحشد العشائري"، جاسم العبيدي، لـ"العربي الجديد"، إن "تنظيم داعش تمكن من إدخال أسلحة وآليات عسكرية استولى عليها من قوات نظام بشار الأسد إلى مدينة عانة في محافظة الأنبار"، لافتاً إلى أن "طيران التحالف الدولي تمكن من تدمير بعض هذه الآليات قبل أن يقوم تنظيم داعش بإخفائها بين المنازل في عانة وراوة"، مبيناً أن "التنظيم يحاول مع أعالي الفرات تكرار ما حصل في تدمر السورية، كرسالة بقاء، وأنه كلما طرد من منطقة سيظهر في أخرى. لذا يمكن القول بكل ثقة إن وجهة داعش المقبلة ستكون أعالي الفرات، ووجهنا لبغداد صرخة إنذار نأمل أن يتم استيعابها".

المساهمون