يربط عراقيون قرار مشاركتهم في الانتخابات المبكرة التي حدد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي موعدها في السادس من يونيو/حزيران من العام المقبل، بوجود كيانات سياسية جديدة تنطلق من رحم المعاناة العراقية وروح الانتفاضة الشعبية، في سبيل منافسة أو منع الأحزاب التقليدية من الاستمرار في التفرد بزمام إدارة البلاد والهيمنة على الحكومة، وتغيير شكل العمل السياسي في البلاد.
وخلال الأشهر الماضية، ومع اشتداد القمع ضد المحتجين، طرح عدد من الناشطين في العراق فكرة تأسيس كيان سياسي كخطوة تصعيدية. ولأجل ذلك، سعى عدد من ناشطي العاصمة بغداد للتواصل مع آخرين في محافظات الوسط والجنوب، إلا أنّ سلسلة عقبات أرجأت المشروع، ولعل أبرزها تفشي فيروس كورونا. وعادت هذه الفكرة مجدداً بعد تحديد الحكومة العراقية موعد الانتخابات المبكرة.
ويرى مراقبون عراقيون أنّ الكاظمي وجناحه السياسي متمثلاً في زعيم ائتلاف "النصر" حيدر العبادي ورئيس الجمهورية برهم صالح، يدعمون خيار تشكيل أحزاب وكيانات سياسية لمواجهة الكيانات الدينية وإنهاء تأثيرها وتحكّمها في البلاد. ولعل ما يؤكد ذلك الدعوة الصريحة للكاظمي في هذا الإطار، خلال كلمته الأخيرة الخاصة بإعلان موعد الانتخابات المبكرة التي جاء فيها: "أدعو أن ينتظم الشباب والأحزاب السياسية والمفكرون والوجهاء، والاستعداد لإحداث نقلة نوعية وانتشال العراق من فوضى الصراعات إلى الأمن والازدهار والتنافس السياسي الشريف"، في دعوة واضحة لناشطي التظاهرات إلى تنظيم أنفسهم سياسياً.
الكاظمي أوعز لكثيرٍ من أصدقائه الناشطين السياسيين والعاملين معه بصفة مستشارين، بالشروع في تشكيل مشاريع سياسية جديدة
وأكد مصدر مقرب من الكاظمي أنّ "الانتخابات المبكرة لن تحقق أي نتيجة، وأن العراقيين لن يشاركوا فيها، في حال عدم استحداث قوائم انتخابية أو كيانات سياسية جديدة تحقق الرغبات والتطلعات الشعبية المنطلقة من مطالب المحتجين، ولا سيما تأسيس نظام حكم مدني غير موالٍ لأي جهة خارجية أو دولة مجاورة". وأوضح المصدر نفسه لـ"العربي الجديد"، أن "الكاظمي أوعز لكثيرٍ من أصدقائه الناشطين السياسيين والعاملين معه بصفة مستشارين، بالشروع في تشكيل مشاريع سياسية جديدة، وسيكون رئيس الوزراء داعما لها، إلا أنه لن يتصدى للمشهد السياسي الحالي، ذلك لأن الأحزاب التي قبلت به رئيساً للحكومة اشترطت عليه مسبقاً عدم العمل السياسي خلال فترة توليه المنصب".
من جهته، قال النائب العراقي المستقل، باسم خشان، أنّ "هناك توجها من قبل بعض النواب المستقلين لدعم التكتلات السياسية الجديدة، ومدها بالخبرات والنصائح". وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "المرحلة المقبلة تستوعب الأحزاب والكيانات السياسية الجديدة، كما أنّ البرامج الانتخابية المقبلة ستكون أكثر وضوحاً من السابق ولن تحتمل الكذب والتسويف، ولعل أبرز ما سيكون في البرامج الجديدة هو وقف الفساد ومنع الأحزاب النافذة من التلاعب بمقدرات وأموال الوزارات"، مؤكداً أنه "لا بدّ أن تبقى روح الانتفاضة حاضرة في العمل السياسي، وكذلك استمرار المناورة مع الأحزاب التي قد تؤذي بعض الناشطين السياسيين في الكيانات الجديدة".
بدورها، لفتت رئيسة الحركة المدنية الوطنية في العراق، شروق العبايجي، إلى أنّ "مطالب المتظاهرين وثورة أكتوبر جاءت من أجل تأسيس دولة مدنية بغضّ النظر عن الامتدادات العقائدية، ومن خلال الشعب وعبر إرادة مبنية على المواطنة وليس على المفاهيم الطائفية والمكوناتية، وسيكون هناك حضور جيد للحراك المدني سياسياً في المرحلة المقبلة". وأوضحت في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "المطالب المدنية والعلمانية التي رفعها المتظاهرون باتت واقع حال في العراق، ولا بدّ أن تترجم سياسياً، وبالتالي فنحن أمام مواجهة ليست سهلة مع الأحزاب التقليدية والمنتفعين منها".
ورأت العبايجي أنّ "الحراك المدني الذي سيقتحم العمل السياسي استعداداً للانتخابات المبكرة سيواجه الأساليب التقليدية للأحزاب المتنفذة، مثل التسفيه وتشويه السمعة والمحاربة إعلامياً، وقد تلجأ هذه الأحزاب إلى الأساليب الوحشية مثل الخطف والقتل"، مؤكدةً أنّ "الأحزاب والكيانات السياسية الجديدة لا تمتلك القوة الندية لناحية الإمكانات بمواجهة الأحزاب التقليدية، ولكن الفرق هو أن القوى السياسية المدنية تمتلك الجماهير والشعبية، وقد انطلقت خلال الفترة الماضية حركات شبابية وتكتلات تنظيمية، ومع أنها لا تأخذ شكل الأحزاب، ولكن هناك تحركات جادة من أجل استثمار الفرصة الأخيرة لإنهاء حكم الأحزاب التي سرقت وقتلت العراقيين".
الحراك المدني الذي سيقتحم العمل السياسي استعداداً للانتخابات المبكرة سيواجه الأساليب التقليدية للأحزاب المتنفذة
أما الناشط المدني من بغداد علي الجنابي، فقال في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "أمام المحتجين والكفاءات النزيهة في البلاد أقل من سنة لترميم أوضاعها الداخلية والانطلاق في مشاريع سياسية وطنية، لأن مجيء الانتخابات المبكرة مع بقاء الأحزاب الحالية وحدها في الساحة، يعني أنّ التغيير المنشود لن يحدث". وأضاف الجنابي أن "التصعيد السلمي المقبل هو التوجه نحو صناعة عملية انتخابية واضحة وفيها أطراف مشاركة من جميع شرائح المجتمع العراقي"، لافتاً إلى أنه "في الوقت الذي لا نعارض فيه مشاركة الأحزاب النافذة في العراق، على تلك الأحزاب ألا تحارب مشاركة الأحزاب الجديدة ولا ترهبها بأساليبها القمعية والوحشية، وفي حالة مارست إرهاباً وإقصاءً للناشطين بمنعهم من ممارسة العمل السياسي، فإننا سنعمل على إفشال الانتخابات".
وفي الإطار ذاته، قال مدير "مركز التفكير السياسي في العراق" إحسان الشمري، إنّ "العنف السياسي الذي ستستخدمه الأحزاب التقليدية قبيل الانتخابات المبكرة سيكون أشد من عنف مواجهة الاحتجاجات خلال الأشهر الماضية"، مؤكداً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "80 في المائة من الأحزاب الجديدة التي سُجلت في مفوضية الانتخابات خلال الفترة الماضية هي أحزاب الظلّ للأحزاب التقليدية وبوجوه وعناوين جديدة، لاعتقاد الأحزاب النافذة أنّ هناك مزاجا انتخابيا يدفع نحو كيانات جديدة". وقال الشمري إنّ "الأحزاب التقليدية ستعمل على استقطاب شخصيات بعيدة عن المشهد السياسي لكنها توالي النظام الحاكم، وعند فوزها تعود إلى مظلة الكتلة الكبرى وبالتالي يمارسون حيلة جديدة على العراقيين".