الرباط تعانق غزة

الرباط تعانق غزة

29 يوليو 2014
+ الخط -


في وقت تواصل فيها آلة البطش الإسرائيلي غطرستها وقتلها الشعب الفلسطيني المقاوم، وخصوصاً في قطاع غزة المحاصر، ما يزال أبناء هذا القطاع، وكل فلسطين، يسطرون صفحات ملاحم نضال، ستبقى ذخراً وفخراً لهم ولقضيتهم العادلة، التي يواصل المجتمع الدولي نكران عدالتها بطرقه الملتوية، وانحيازه لإسرائيل. فأي معنى لكل هذه التبريرات الواهية التي تقدمها بعض العواصم، في ظل سياسات القتل والتدمير التي تمارسها إسرائيل، من دون أي وجه حق، وما تزال قوافل من الشهداء والأطفال تُقتل يومياً، يفتدون القضية بحياتهم، ويوقعون شهادات الخزي والعار على ضمير العالم.

في ظل هذا الوضع، يبدو أن القيام بشيء، غير إرغام الكيان الصهيوني على وقف تغلغله وقتله الأبرياء العزل في فلسطين أشبه بلا شيء في حق فلسطين، والغزيين خصوصاً، سواء من جانب العرب، أو غيرهم، مسلمين أو غير مسلمين. الحقيقة أن كل الشعوب، في الوقت الحالي، ودوماً، لا يمكنها أن تفعل أي شيء، أعني ما يمكن أن يدفع إسرائيل للتراجع ميدانياً ووقف القتل. لكن الذي بيده مفاتيح ذلك والأساليب الكثيرة للقيام به هو الأنظمة والحكومات، وخصوصاً الدول العظمى التي تملك كل القوى لدفع إسرائيل لوقف القتل والزحف الظالم، وردعها عما تقوم به، مما لا يمت للإنسانية بصلة.

لكن، كل هذا الذي ينتظر عملياً، وبشكل عاجل، القيام به، من الأنظمة العالمية والدول القوية لم يقع حتى الآن، بل قد وقع ويقع عكسه. فالهجوم الذي انطلق، قبل أسابيع، على عزل غزة، ما يزال متواصلاً، والشهداء يسقطون، والدعم لإسرائيل يتزايد، والأدهى هذه المرة أنه من جانب دول عربية كانت إلى عهد قريب ملاذ الفلسطينيين حين يشتد بهم الأذى. نعم، عن مصر نتحدث، والتي لم يعد أحد يشك في وقوفها إلى جانب سياسات بنيامين نتانياهو، الساعية إلى ارتكاب مزيد من القتل، بدعوى ردع حماس وكسر جماحها، وجعلها تستسلم لسياسات الاحتلال، وأن تكف عن خيار المقاومة، وتقوية نفوذه وإضفاء شرعية لسياسته في الداخل الإسرائيلي، بعد هزاتٍ قوية طالت سمعته ومكانة حزبه. أما الولايات المتحدة الأميركية فلغتها هذه المرة لم تختلف عن لغة ساستها سابقاً، كما موقفها من القضية بأكملها، ومن الهجومات المتتالية على غزة في السنوات القليلة الماضية.

كانت مصر في عهد الرئيس المعتقل، محمد مرسي، تنحو مسار العودة إلى لقيام بدورها تجاه فلسطين، حيث بعثت الأمل من جديد في أن موازين القوى ستذهب لصالح عدالة القضية الفلسطينية، ولعل زيارة رئيس وزراء أم الدنيا، في عهد مرسي، هشام قنديل، لغزة، شكلت واحدة من أقوى الضربات التي تلقاها الكيان الصهيوني، بعد هزائم فرضتها عليه قوى المقاومة بفصائلها كافة، مدعومة بثبات شعب أعزل، لكنه مصر على عدالة قضيته. لكن أم الدنيا تحت حكم قائد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، انقلبت رأساً على عقب، وانتقلت من موقف المساند للقضية الفلسطينية، إلى متواطئ ومتآمر عليها، وعلى مستقبلها.

في ظل هذا الوضع لم يعد هناك من حل أمام أهل غزة الصامدين للتخفيف من معاناتهم وأعماق جراحهم إلا حناجر هذه الأمواج المتضامنة معهم، والتي تخرج في مدن الدنيا وعواصم العالم في مسيرات، لا شك في أنها تجعلهم يوماً بعد يوم يحسون ويشعرون حقيقة بأنهم لن يتركوا أمام هذا العدو وحيدين، مهما فعلت الأنظمة العالمية بصمتها ونفاقها، والعربية بتواطؤها المفضوح مع إسرائيل.

يكتب الغزاويون ملحمة كبيرة، ستضاف إلى سلسلة الملاحم التي سطروها على الرغم من كلفة الثمن. وهذا ما أكده الشعب المغربي الذي خرج في مسيرة ضخمة في قلب العاصمة الرباط، أكدت تقارير إعلامية أنها الأضخم في الحراك التضامني في المغرب، والذي تتواصل فيه فعاليات يومية، تنظمها الهيئات المجتمعية والسياسية، للتأكيد على أن المغاربة مع فلسطين، وإن حالت بينهم المسافات، وأبعدت بينهم السياسات. كانت للمسيرة رسالة مهمة جداً على الرغم من أن الخطاب الرسمي حاول السيطرة عليها، وتحريف المراد منها. وتشرفت المسيرة أيضاً بمكالمة هاتفية من رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية خالد مشعل، والذي أبرز فيها مدى الدور الكبير لمثل هذه المسيرات، مؤكداً أن المغاربة لم يتخلفوا أبداً عن نصرة فلسطين، ودعاهم إلى الاستمرار بذلك. خلفت المسيرة جدلاً واسعاً، بسبب المشاركة القوية للتيارات الإسلامية البارزة، وخصوصاً جماعة العدل والإحسان، التي دعت عموم الشعب إلى المشاركة بقوة، بعدما حاولت هيئات دعت إلى المسيرة إقصاءها، حسب ما أكدته قيادات الجماعة. ولذلك، كان التخوف بارزاً قبل موعد المسيرة، من التفرقة الموجودة، والتي تأكدت بوضوح في الشارع، فقد نزلت الجماعة بقوة، وبأعدادٍ منظمةٍ أبهرت المراقبين، وسيطرت على المشهد أكثر من الحكومة التي مثلت بوزراء، وباقي الأحزاب المشاركة في اللعبة السياسية أغلبية ومعارضة.

لكن كل ذلك لم يؤثر في الرسالة السامية لتلك المسيرة التي رسمت ملحمة مهمة بيّن من خلالها المغاربة أن القضية الفلسطينية بالنسبة إليهم هي جزء من باقي المقدسات التي لن يفرطوا فيها رغم الطمس الإعلامي والسياسي الفاضح.

شرف للمغاربة أن تعترف لهم فلسطين بوقوفهم بجانبها دوماً، والشرف الأكبر أن يتواصل كل هذا التضامن الشعبي بالروح الوطنية الجامعة، لا الإقصائية، على الرغم من الاختلافات السياسية. فليرفع كل لافتته، وليفصح عن هوية، لكن، لتبقى رسالة التضامن فوق كل اعتبار، لأن هذا الجهد أقل ما يمكن فعله تجاه إخوة الإنسانية أولاً، والعقيدة ثانياً، والمصير ثالثاً.

avata
avata
محمد الوحماني (المغرب)
محمد الوحماني (المغرب)