شكراً غزّة.. الرسالة وصلت

شكراً غزّة.. الرسالة وصلت

07 اغسطس 2014
+ الخط -

من حق كل متحدثٍ أن يعترف لغزة العزّة، ولأهلها الأبطال، بفضلهم الكبير، ودورهم العظيم، في كتابة تاريخ جديد لقضية الصراع العربي ـ الصهيوني. فبفضل ملحمتهم هذه التي سطروها، في الأسابيع الماضية، أمام مرأى ومسمع عالم يُعرّف نفسه بالحضاري والمتمدن، من دون أن يقدر على تحريك ساكن أمام الموت الزاحف الذي يعصف بأرواح الأطفال والنساء، من دون وجه حق وقانون، كتب أهل غزة ملاحم وقصصاً ستبقى مادة دسمة للمحللين والمؤرخين سنواتٍ طوال. وأنجز الغزاويون، بإمكانيات قليلة، وبصبر لا مثيل له، هذا الانتصار الذي أضافوه إلى قائمة بطولات الشعب الفلسطيني وإنجازاته.

بات اسم غزة، الآن، عنوان فخر كل أحرار الدنيا، بعدما غدا رمزاً وعنواناً للبطولة والصمود والانتصار للحق، لكنه، في المقابل، أصبح عنواناً بارزاً لفضح نفاق المجتمع الدولي ومكره، واستغلاله شعارات "حقوق الإنسان" و"محاربة الإرهاب" و"حماية الأطفال والنساء" و"الاتفاقيات الدولية". كيف يريدوننا، الآن، أن نصدق كل هذه الأسطوانات؟ ثم هل سينجح أوباما والمجرم نتنياهو، وغيرهما، في إقناع الأجيال الناشئة في العالم بأنهم فعلاً يحاربون الإرهاب، فيما يقترفون المجزرة تلو الأخرى؟ ما هو جوابهم على مجزرتي حي الشجاعية وخزاعة؟ وجرائمهم الجديدة في رفح وأحياء مختلفة من مدينة غزة، والتي تشبه ما دعموا ارتكابه سابقاً في مخيمي صبرا وشاتيلا؟ تطول سلسلة التساؤلات، ويطول معها ألم التأمل. لكن العنوان العريض الذي سيبقى فوق كل اعتبار هو أن غزة انتصرت. لقد انتصرت، ومن دون حاجة لنقاش أو جدال.

نصر غزة، هذه المرة، يكتسي طابعاً خاصاً للغاية، فالظروف التي جاءت في ظلها الحرب الحالية، مختلفة تماماً عن ظروف التجارب والاعتداءات السابقة، كما أن كل الملابسات التي وازت مختلف لحظات المحنة التي مر بها أهلنا في القطاع، اختلفت عن سابقاتها، ونقصد بالتحديد وضع مصر التي تقبع، الآن، مرغمة تحت الآلة الحديدية لحكم عسكري، جاء نتيجة انقلاب مفضوح، استنكرته شعوب العالم، وزكّاه الساسة والحكام، أصحاب المصلحة في قتل الديمقراطية.

إضافة إلى الوضع العربي الذي ما زال يعيش حالة انعدام للاستقرار، تتداخل في إنتاجه، وما تزال، ظروف عديدة، يشكل التآمر الداخلي، بمساعدة خارجية، على إرادة الشعوب العربية، عنوانها البارز.

عدوان يوليو/ تموز وأغسطس/ آب 2014، على قطاع غزة، سيكتبه التاريخ بعناوين ثلاثة، تلخص كل شيء. الأول أن غزة المحاصرة تنتصر، بصمودها وثبات أهلها الملتحمين مع المقاومة، وتبهر العالم بعد سنواتٍ من محاولات عزلها.

والثاني يتعلق بنفاق الأنظمة العالمية، وخصوصاً الدول الكبرى المحتكرة للقرار السياسي والعسكري والاقتصادي، إذ لا ترجمة لكل ما يروجونه من شعارات رنانة في جامعاتهم وإعلامهم، وعن طريق خبرائهم ومستشاريهم، ومراكز دراساتهم على أرض الواقع.

أما الثالث، فهو عن الموقف الرسمي العربي الذي انتقل من زمن التواطؤ الخفي والنفاق إلى التواطؤ العلني الفاضح، خصوصاً من جانب بعض القوى، مع استثناءات، مثل تونس والسودان وقطر، مع الكيان الصهيوني على القضية، رغبة في إنهاء وجود مقاومة باتت، الآن، عنواناً لشرف الأمة، وضمان استمرار الحياة في شرايينها. فأي معنى لهذه الشروط التي يطالبون بها حماس، وهم يرون ما تفعله إسرائيل بأطفال يلعبون على شاطئ البحر؟

ينبغي علينا أن نقرّ، نحن العرب والمسلمون، بل كل إنسان فوق هذه الكرة الأرضية تتحرك فيه ذرة صغيرة من الكرامة الآدمية، أنه علينا، وبشكل أكبر بكثير من أي وقت سابق، أن ننحني استحياءً وحياءً من أهل غزة. ومعظم الشعوب تحركت بما فيه الكفاية في تظاهرات ومسيرات وفعاليات مختلفة، لإبراز تضامنها مع القطاع المحاصر، وهذا ما تقدر عليه في ظل الأنظمة الجاثمة على صدورها، والتي لا تخدم غير مصلحة الغرب.

لكن، ماذا عن تحركنا ومشاعرنا وحركات وسكنات يومنا الطبيعي، وأكلنا وشربنا وفرحنا وحزننا، شعوباً وأفراداً وجماعات، ونحن نرى كل التفاصيل التي توثّقها لنا الكاميرات لحظة بلحظة، عن دمار وخراب، وجثت تستخرج من تحت الأنقاض، وأطفال في الأسابيع والأشهر الأولى يُقتلون، ونحن نسمع صراخ الأمهات والأطفال والشباب، وهم يتساءلون: "أينكم يا عرب؟"، أينك يا إنسان؟

إن رسائل غزة، وهي تقف على الدمار الذي لحقها، وتحصي جثت شهدائها، قوية للغاية. أي معنى لهذا التلاحم الذي تحظى به المقاومة السياسية والعسكرية، ممثلة في مختلف الفصائل في القطاع، من جانب الشعب. ثم أي معنى تحمله هذه العبارات، التي نسمعها من نساء ورجال وشباب، يخرجون ما تبقى من جثث، وهم يقولون ويعيدون ويكررون: شكراً للمقاومة، نحن فداء لك بأنفسنا وبأموالنا.

نعم، هناك منابر، معظمها عربية، ويا للأسف، تصوّر مشاهد غير هذه، لكن الحقيقة أن الشعب الفلسطيني، وأهل غزة خصوصاً، باتوا متأكدين، وعلى يقين تام، بأن التحامهم بالمقاومة مع صمودهم وصبرهم، هو السبيل الوحيد والأوحد لإنهاء هذا الاستعمار الغاشم. رسائل قوية جداً بعثت وتبعث لنا بها غزة طوال هذه الحرب.

وسيكتب كثيرون عن غزة ومجدها، وعن فلسطين وصمود أهلها، وعن المقاومة وإنجازاتها. لذلك، نتوجه لغزة ولأهلها بالشكر الجزيل، لأنها مسحت كثيراً من عارنا بصمودها، فنقول لها بخجلٍ، قل نظيره، يغمر أفئدتنا: شكراً غزة.. رسالتك وصلت.

avata
avata
محمد الوحماني (المغرب)
محمد الوحماني (المغرب)