الدولة العميقة عادت

الدولة العميقة عادت

22 ديسمبر 2014
+ الخط -

عادت دولة حسني مبارك، بكل ما فيها من فساد ومحسوبية وتواطؤ، وأخرجت لنا لسانها نكاية فينا، فمنذ أن توّجت محاكمة المخلوع بالبراءة للجميع، أصر مخرج الانقلاب على أن يسمّم أبداننا بحكم جديد، وهو إسقاط عقوبة السجن عن رفيق الدرب، ممدوح إسماعيل، صاحب أكبر كارثة بحرية في القرن الحادي والعشرين، والتي راح ضحيتها 1033 من ركاب عبّارته المتهالكة. وعلى الرغم من أن أهالي الضحايا لم يتلقوا أي تعويضات، بعد فقدان ذويهم إلا أنهم كانوا يتمنون القصاص العادل من مرتكب هذه الجريمة التي لاتزال عالقة في أذهان الجميع. ويومها، تعالت أصوات الإعلام المزور بأن الحادث قضاء وقدر، ولينسى الجميع ما حدث، فلدينا ما هو أهم الآن، وهو بطولة كأس الأمم الأفريقية تُلعب على أرض المحروسة، وأغفل الجميع آهات اليتامى والثكالى من منكوبي العبارة، وتفرغ الإعلام للحديث عن اللهو الجديد كأس أفريقيا، وتناقلت الكاميرات صور المخلوع وزوجته، وهم في غمره فرحهم بين مشجعي الكرة، ناسين ما حدث، أم أن الأمر لا يهمهم من قريب أو بعيد؟

هذا كله في وقت أمضى الأهالي أياماً طويلة، أمام الميناء، انتظاراً لأخبار عن مفقودين، أو لظهور ناجين، وتعاملت السلطات معهم ببلادة، وعدم مسؤولية، فتظاهروا لمعرفة الحقيقة، وأين اختفى الفاعل؟ فتدخل الأمن وعاملهم أسوأ معاملة.

وبين الحالتين، من حزن وهم، يقتل القلب على الذين قضوا نحبهم في هذه الكارثة، إلى فرحة رئيس الدولة وزوجته بمباريات كرة القدم يقف العقل عن التفكير. أنحن في دولة أم عزبة؟ مصيبة كهذه في أي مكان في العالم تقف الدنيا ولا تقعد حتى يعرف المتسبب، ويعاقب ويقال فيها كل مسؤول، ويقدم للمحاكمة عما أجرم. ولكن، في دولة المخلوع مبارك لا عقاب، فالكل مشترك في الجريمة فمن يحاسب من؟ وبعد أشهر، أصدرت المحكمة حكماً غيابياً على ممدوح إسماعيل بالحبس 7 سنوات، لم يقض منها دقيقة واحدة خلف القضبان، وبعد الانقلاب أصبح كل شيء مباحاً، فمن كان بالأمس متهماً أصبح الآن بريئاً، فأصدر نائب الانقلاب، هشام بركات، قراراً بإسقاط الحكم عن المتهم، لينضم إلى قائمة البراءة التي تضم المخلوع وأحبابه، ليذهب أصحاب الحق والمنكوبون إلى البحر.