التعداد السكاني في 2020: عنوان لأزمة سياسية عراقية جديدة

التعداد السكاني في 2020: عنوان لأزمة سياسية عراقية جديدة

03 اغسطس 2019
لم يعرف العراق إحصاءً شاملاً منذ 1987(حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -
يفتح إعلان الحكومة العراقية برئاسة عادل عبد المهدي، تمسكها بإجراء الإحصاء السكاني شامل في العراق مع بداية العام 2020، وهو إحصاء لم يجر منذ العام 1987، باباً لأزمةٍ جديدة. ورغم الضرورة الملحة لحصول مثل هذا التعداد، لأغراض عدة، على رأسها أولويات التنمية البشرية، في عراقٍ أنهكته تبعات الغزو الأميركي والحرب على الإرهاب، إلا أن الخلاف بين بغداد وأربيل قد يجد نفسه مرة أخرى حائلاً دون تنظيم الإحصاء، أو أقلّه سبباً في مشكلةٍ جديدة قد تصل إلى حدّ عدم الاعتراف بنتائجه.

ويوم الثلاثاء الماضي، أعلن رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي استعداد حكومته لإجراء التعداد ضمن موعده المحدد مطلع العام المقبل، مشيراً إلى أنه سيتم إدخال تقنية العدّ الإلكتروني في العملية، داعياً "جميع الهيئات ومجلس النواب للتفاعل" مع المشروع.

وكانت وزارتا التخطيط في كلٍّ من بغداد وإقليم كردستان العراق قد اتفقتا، العام الماضي، على تحديد العام المقبل موعداً لإجراء إحصاء سكاني يشمل مناطق العراق كافة، فيما رسمت المادة 140 من الدستور خارطة طريق للحكومة الاتحادية في العراق لتسوية الخلاف بشأن المناطق المتنازع عليها وتحديد مصيرها بضمّها إلى إقليم كردستان أو البقاء تحت إدارة الحكومة الاتحادية.

وظلّت المشكلة الأساسية في عدم تسهيل إجراء تعداد سكاني في العراق منذ عقود، تتعلق بإدراج القومية بين عربي وكردي وتركماني وآشوري، ضمن ورقة التعداد، وذلك للمنحى السياسي لمثل هذه الخطوة، وتحديداً في في ظل الخلاف القائم بين حكومتي بغداد وأربيل بشأن السيطرة على المناطق الخاضعة للمادة "140" من الدستور العراقي أو ما تُعرف بالمناطق المتنازع عليها، ولعل أبرزها محافظة كركوك الغنية بالنفط.

وحول ذلك، أكدت وزارة التخطيط العراقية مساعيها لمعالجة حقل "القومية"، الذي كان قد تسبب بأزمة سياسية أدت إلى إلغائه، بعد مطالبة "التحالف الكردستاني" بتضمين استمارة التعداد خانة للقومية، فيما رفض السكان العرب في محافظتي كركوك ونينوى إدراجها. 

وفي هذا الخصوص، اعتبر رئيس جهاز الإحصاء في الوزارة، ضياء عواد كاظم، أن "الظروف الحالية هي الأفضل لإجراء التعداد العام للسكان، وهو حجر الزاوية لرسم الخطط التنموية وتقويم نتائجها من أجل تعافي البلد ووضع الخطط الصحيحة لإعادة إعماره والنهوض به، واستبعاد أي أغراض أخرى يمكن أن تشوه الهدف الذي نحاول أن نصل إليه في هذه العملية".

في السياق، كشف المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية، عبد الزهرة الهنداوي، لـ"العربي الجديد"، أن "تعداد العام 2020، لن يتضمن سؤالاً عن المذهب أو الطائفة"، وهو مطلب كان قد ورد مراراً عبر أحزاب ذات طابع ديني، لافتاً إلى أن وزارته "تمكنت من خلال جهود حثيثة، من عدم إقحام هذا الأمر في التعداد".

في المقابل، أشار الهنداوي إلى "وجود خانة القومية في التعداد"، وإلى "خروج مقترحات عدة، بعضها مؤيد لبقاء هذه الخانة وبعضها معارض، فيما يفضل البعض الآخر تغيير صيغة السؤال المطروح بهذا الشأن". وأوضح في هذا الصدد أن الوزارة "ماضية في محاولة التوصل لمعالجة العملية"، معتبراً أن "فقرة القومية ليست قضية معقدة، في ظلّ وجود تفهم من قبل جميع الأطراف".

وشدد المتحدث العراقي على "وجود رغبة قوية من قبل جميع الجهات والأطراف في البلاد بضرورة إجراء التعداد الشامل في موعده، بهدف بناء قاعدة بيانات، ومعرفة الخصائص السكانية، ووضع خططٍ بعيدة المدى، متحررةٍ من أي مخاوف أو تحفظات، وكذلك لمعرفة الاحتياجات المتعلقة بقطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية ونسب البطالة وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها".


ولفت المسؤول العراقي إلى أن "التعداد المرتقب لا يرتبط بالمادة 140 وملف المناطق المتنازع عليها، لأن المادة 140 من جهتها، تتحدث عن إجراء إحصاء سكاني في كركوك وباقي المناطق، أما التعداد فهو شامل لكل المحافظات العراقية". كما أشار إلى أن "أي إشراف أممي لن يرافق التعداد السكاني المقرر إجراؤه، بل سنحصل على الدعم من منظمات من ضمنها صندوق الأمم المتحدة للسكان، الداعمة لجهود وزارة التخطيط والحكومة العراقية، من خلال تطوير الخبرات، والاستشارات، وإدخال التقنيات الحديثة".

وحول آلية عمل التعداد الإلكتروني، الذي سيجري استخدامه للمرة الأولى في البلاد، أوضح الهنداوي أن "العراق اطلع على تجارب دول سبقته إلى ذلك، كمصر والأردن، ونعمل على تدريب عدّادين عراقيين على الأجهزة اللوحية، والتي ستكون مرتبطة عبر شبكة مؤمنة بالمركز الوطني في وزارة التخطيط". ولفت إلى أن "العدَّاد سيقوم بتدوين البيانات الخاصة بالأسر العراقية، موفراً دقة بالمعلومة وسرعة في نقلها".

إلى ذلك، شرحت النائبة الكردية فيان صبري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المحكمة الاتحادية تمكنت أخيراً من إعلان البت بقضية المادة 140 على أنها قائمة، وهذا القرار ملزم للدولة العراقية بجميع مفاصلها، ما يعني أن الإجراءات المترتبة على أي خطوة حكومية لن تؤثر على المناطق المتنازع عليها، حتى في ما يتعلق بملف التعداد السكاني، من أجل توزيع الموارد وغيرها من الجزئيات التي لا بد من إتمامها، ومنها التطبيع الأمني والإداري في المناطق المتنازع عليها".

من جهته، رأى المتابع للشأن العراقي مؤيد الجحيشي، أن "إجراء التعداد السكاني قد يؤجج الخلاف بين بغداد وأربيل في ما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها"، مستدركاً بأن عبد المهدي "سيتمكن من معالجة هذه الأزمة لما يملكه من علاقات طيبة مع الأكراد، بالرغم من أرجحية عدم سكوت بعض الأحزاب في حال مطالبة الإقليم مجدداً بهذه المناطق".

وفي هذا الخصوص، أشار الجحيشي، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى "مشكلة ستواجه الحكومة العراقية في المناطق المتنازع عليها، وتتعلق بالجهة التي ستُنفذ التعداد في هذه المناطق، إذ إن حكومة الإقليم قد تعمد لاحقاً إلى التشكيك بالأرقام الحكومية، فيما لن ترضى بغداد على المقلب الآخر، بقيام السلطات الكردستانية بإجراء التعداد، تخوفاً من التلاعب بالأرقام، وهي معضلة أساسية ستظهر بوضوح مع بدء العملية".

 

المساهمون