الانقلاب العسكري في مصر... بين العسكر وآخرين

الانقلاب العسكري في مصر... بين العسكر وآخرين

01 يوليو 2019
+ الخط -
في الثالث من يوليو/ تموز 2013، قاد وزير الدفاع المصري وقتها الجنرال عبد الفتاح السيسي انقلابا عسكريا، ليس فقط ضد الرئيس محمد مرسى أول رئيس مدني منتخب، بل على التجربة الديمقراطية بأسرها وما حققته من إنجازات..

وبالإضافة إلى الفاسدين من كبار رجال القوات المسلحة المصرية، فقد ساهمت عدة أطراف في تهيئة الأجواء لوقوع ذلك الانقلاب، منهم رجال أعمال، وإعلاميون، وسياسيون، ومثقفون، وفئة من ذوي الوعي المتدني، فضلا عن قوى عربية وأجنبية رأت في نجاح التجربة الديمقراطية في مصر تهديدا مباشرا لمصالحها.

فمنذ بداية الحكم العسكري في مصر عام 1952، تنظر المؤسسة العسكرية إلى مصر بوصفها ملكية خاصة، تمارس عليها السيادة المطلقة، وتجمع من مواردها ثروات طائلة، وهكذا تكونت إمبراطورية اقتصادية عسكرية بعيدا عن الرقابة والمحاسبة، وفي ظل نظام حكم ديكتاتوري تحميه المؤسسة العسكرية بالتعاون مع أجهزة الأمن الداخلي..


وهكذا مثلت ثورة يناير وما أفرزته من نظام حكم مدني ديمقراطي منتخب، تهديدا مباشرا لمكانة المؤسسة العسكرية، لا سيما في ما يتعلق بالسيادة المطلقة والمكاسب المادية وباقي الامتيازات التي لطالما تمتعت بها، وكان من الطبيعي أن تسعى المؤسسة العسكرية ومعها الأجهزة الأمنية لوأد هذه الثورة وتلك التجربة الديمقراطية حماية لمصالحها الخاصة.

أما رجال الأعمال، فقد تمتعوا بامتيازات خاصة بفعل سياسة الانفتاح الاقتصادي تحت حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات، و تضخمت امتيازاتهم تحت حكم مبارك بدعوى تشجيع الاستثمار، وتنمية الاقتصاد، وخلق فرص عمل جديدة، إلا أن بعض الفاسدين من رجال الأعمال قد أساءوا استخدام تلك الامتيازات وأثروا على حساب الشعب ومصالح الدولة، كما أفضى التزاوج بين رأس المال والسلطة إلى إثراء غير مشروع وتمكين غير مبرر لكليهما..

وكان ملف فساد رجال الأعمال من الملفات الشائكة التي تم فتحها والتحقيق فيها أثناء حكم مرسي، وهكذا مثل نجاح التجربة الديمقراطية تهديدا لمصالح الفاسدين من رجال الأعمال، لا سيما في ظل سيادة القانون والرقابة والمحاسبة، فقام بعضهم منهم بدعم وتمويل الانقلاب العسكري حفاظا على مصالحهم وامتيازاتهم.

كما لعبت وسائل الإعلام دورا في التمهيد للانقلاب العسكري، فمنذ اندلاع ثورة يناير، دأبت وسائل الإعلام على شيطنة الثورة والثوار، واستمرت أثناء حكم مرسي في بث الشائعات والأكاذيب، وتضليل الرأي العام، والحشد الجماهيرى لإفشال التجربة الديمقراطية، كما اعتادت السخرية من رئيس الدولة وحكومته والتهكم عليهم والتشكيك فيهم، وكان ذلك بتوجيه من القيادة العسكرية التي صنعت هذه الأذرع الإعلامية كما جاء فى أحد تسريبات السيسي، كما استغلت درجة الوعي المتدني لدى بعضهم للحشد لتظاهرات الثلاثين من يونيو 2013، والتي طالبت بانتخابات رئاسية مبكرة، تلك التظاهرات المحدودة التي تم استغلالها كغطاء مدني للانقلاب العسكري.

وبالمثل، فقد ساهم عدد من المثقفين والسياسيين والنشطاء في توفير غطاء سياسي للانقلاب العسكري، ومن المفارقات أن بعض هؤلاء النخبة الذين لطالما تغنوا بالحرية والديمقراطية، لم يقبلوا بنتائج أول انتخابات حرة ونزيهة، فكونوا ما سمي بجبهة الإنقاذ، وساهموا في الدعوة لتظاهرات الثلاثين من يونيو، وطالبوا بانتخابات رئاسية مبكرة، الأمر الذي يتنافى مع ادعاءاتهم حول الديمقراطية، بل إن عددا منهم رفض أدوارا ومواقع تنفيذية عرضت عليهم من جانب إدارة الرئيس مرسي، وبذلك ساهموا في مؤامرة إفشال التجربة الديمقراطية.

ولم تكن بعض القوى الإقليمية والغربية بعيدة عن التآمر على تجربة مصر الديمقراطية، فحرصا على إفشال تلك التجربة، وخوفا من امتداد الثورة إلى بلدانهم وتهديد عروشهم ومصالحهم، قامت أنظمة عربية بتمويل الانقلاب العسكري بمليارات الدولارات، ومن أبرز هذه الأنظمة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.

كما ساهمت بعض القوى الدولية في دعم الانقلاب ولاحقا في توفير غطاء من الشرعية الزائفة له، وذلك حرصا على أن تبقى مصر والدول العربية جميعا تحت السيطرة، ضمانا للهيمنة وإمدادات البترول وأمن إسرائيل.

ومن جانبه، فقد ارتكب مرسي أخطاء ساهمت بدورها فى تمهيد الطريق للانقلاب، ومن هذه الأخطاء اعتماده سياسة الإصلاح بديلا عن الإجراءات الثورية التي تعقب الثورات، كذلك التأخر في اتخاذ إجراءات وعقد محاكمات ثورية لمن أفسدوا الحياة وقتلوا الثوار في يناير 2011، وعدم توظيف روح الثورة والزخم الجماهيري لتحقيق أهداف ومطالب ثورة يناير المجيدة، وعدم مصارحته الشعب بما كان يجري من منازعات على السلطة تاركا المجال لإعلام الثورة المضادة لتضليل الجماهير.

خلاصة القول إن تجربة الديمقراطية الوليدة في مصر بفعل ثورة يناير 2011، قد اغتيلت بفعل أطراف وقوى داخلية وخارجية تآمرت على إرادة الشعب ومستقبل الأمة لتحقيق أهداف ومصالح خاصة، وسواء حمل المستقبل القريب تجربة مماثلة أم لا، فإن قيما كالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية ستظل دوما دافعا للنضال من أجل تحقيقها.