الأصلانية حكماً أيديولوجياً

الأصلانية حكماً أيديولوجياً

05 فبراير 2015
ساهمت الأزمة السورية في إعادة تشكيل تصنيفات الأصدقاء والأعداء(Getty)
+ الخط -

قد لا نحتاج إلى كثير من الجهد، لتعريف الأصلانية بما هي عودة دائمة إلى الأصل/ النص. متجاهلة سياقاته التاريخية والمكانية والثقافية، ويتضح من الاستخدام الكثيف لهذا المفهوم عربيا، الإشارة الدائمة لحركات الإسلام السياسي، على أنها التعبير المعياري للرجوع إلى الأصل كما هو. بما قد يبدو أحيانا اختزالا للمفهوم، وتعميما غير مبرر على هذه التيارات جميعها.

ومع أن هذه المداخلة لا تحاول، وليست في صدد الدفاع عن الإسلام السياسي، ولا حتى عن بعض حركاته، إلا أنه يمكن الانطلاق مما تتعرض له، للقول إن هذا التعبير عربيا تشكل بما يتلاءم مع المواقف من الاختلافات السياسية العامة، من دون الالتفات حتى إلى أشكال أخرى من الحركات الإسلامية، أو من مشاريع أخرى، لا تقل انحيازا للأصل في تشكيل إجاباتها الدائمة والعامة عن الواقع، بحيث تحول المفهوم إلى حكم أيديولوجي لا أكثر، يتم من خلاله محاولة إقصاء هذه الحركات من الواقع السياسي، ومن واقع مناهضته للاستعمار في حالات مثل حالة حركة حماس، كحركة تعرف نفسها، بأنها حركة مقاومة.

لقد ساهمت الأحداث الأخيرة بعد 2011، وإفرازات الثورات العربية، بإعادة تشكيل هذا الاتهام، بما يقوم على عمليات غير مفهومة من الانتقاء والاستثناء، حددته بشكله الأساسي الأزمة السورية، وما حدث بعد الانقلاب في مصر، بطريقة غير جديدة في تاريخ الأنظمة المستبدة وتاريخ الاستعمار، من استخدام الدين/التطرف، لتهميش الحراكات المضادة، إن هذا كله لا يعني أبدا إزاحة اتهام الأصلانية، بمعناها الموضوعي المفترض، أو لإثباته، ولكنها محاولة لتوضيح استخدام اتهام الأصلانية في تدعيم الأحكام الأيديولوجية للسلطة بأشكالها المختلفة.

ولقد ساهمت الأزمة السورية، في إعادة تشكيل تصنيفات الأصدقاء والأعداء، في خطابات مثل خطابات اليسار العربي، والخطاب المنحاز إلى النظام السوري، ومؤيديه. فلم يعد حزب الله الذي تمت شيطنته بوضوح من قبل نفس الخطاب، بعد اغتيال مهدي عامل مثلا، جزءا من الإسلام السياسي، في حالة من الانتقاء والاستثناء، بينما ظلت حماس (رغم المشتركات الكثيرة، بينها وبين حزب الله) حركة لا يمكن الشك في أنها جزء من الإسلام السياسي. لقد أصبحت المقاومة إذن، نقطة وحيدة يمكن تدعيم وتبرير هذا الموقف من خلالها، أي ذلك الذي يصنف حزب الله خارج المنظومة، أصبحت غير قادرة على تفسير ما جرى، فحماس التي لم يعد الشك في مقاومتها بعد كل ما جرى في حرب غزة الأخيرة، وعرض قدراتها غير المتوقعة، لم يتم تبرئتها من هذه التهمة، وظلت حماس حركة أصلانية سلفية، وأصبح حزب الله خارج الاتهام تماما.

بينما لم يظهر في زاوية أخرى، أي حديث أو نقاش عن الحوثيين في اليمن من نفس المنطق، ولم يكن هناك أي انشغال في ممارساتهم، أو فتاواهم، ولم يتم تصويرهم كما تم تصوير داعش، على أنهم مشكلة أصيلة في تأويلات الثقافة الإسلامية، ولا على أنهم نتاج طبيعي لتاريخ الثقافة الإسلامية، أو أنهم تعبير حقيقي عن النص، لقد تم تدعيم هذا الاتهام في نماذج خاصة مثل نموذج داعش، بمحاولة نقله إلى النص أحيانا، وتحويله إلى متهم أيضا، فصار جزءا من التصميم الميكانيكي الجاهز عن المؤامرة: هجوم مقصود على معسكر "الممانعة"، نص قابل وجاهز للاستخدام والتطرف، وثورة مصنوعة متواطئة كنتيجة.

وأليس اتهام النص أو التجربة الثقافية الإسلامية على أنهما سبب كل ما جرى، من داعش وحركات المعارضة السورية الإسلامية، واتهامه على أنه كان قابلا لما حدث منهما، محاولة لتفسير الواقع من خلال نص مبتور عن زمنه، ومأخوذ في غير سياقه؟ أليس اتهام تجربة ونص عمرهما مئات السنين في ما يجري الآن، شكلا جديدا من أشكال الركون إلى الأصلانية؟


(فلسطين)

المساهمون