الأب سيرغي رومانوف... من نفي وجود كورونا إلى تهديد بوتين

الأب سيرغي رومانوف... من نفي وجود كورونا إلى تهديد بوتين

18 يوليو 2020
الأب سيرغي رومانوف (تويتر)
+ الخط -

 

بعد كشف تفاصيل مثيرة عن حياته، وخداع الكنيسة للارتقاء بالخدمة، طالب الكاهن السابق في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية المثير للجدل، الأب سيرغي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتنحي عن قيادة البلاد لصالحه، متعهداً بفرض النظام في البلاد في ثلاثة أيام، وإلا فإنه سيعلن "حرباً روحية شاملة" ضد بوتين ورئيس الكنيسة البطريرك كيريل.
الأب سيرغي، واسمه الحقيقي نيكولاي رومانوف (ذات الاسم لآخر قيصر في تاريخ روسيا نيكولاي الثاني)، برز بتصريحاته المثيرة للجدل في الآونة الأخيرة، نافياً فيها وجود فيروس كورونا، ولا يزال يتحصن في دير نسائي في الأورال مع مجموعة من القوازق ومقاتلين سابقين في شرق أوكرانيا، رغم قرار الكنيسة بداية الشهر الحالي بطرده ومنعه من أداء الصلوات.
وفي الفيديو الأخير الذي نشره أنصاره على يوتيوب بعنوان "لمن السلطة في روسيا؟"، أكد "الأب سيرغي" أنه يستطيع فرض النظام في روسيا في غضون ثلاثة أيام، وطالب بوتين بنقل السلطة إليه، ملوحاً بأن في حال رفض طلبه، فإنه سيعلن "حرباً روحية شاملة" على رئيس الدولة ورئيس الكنيسة البطريرك كيريل، مشدداً على أن الحرب لا تتضمن سيناريو مثل تنظيم تجمعات في الميادين أو إراقة دماء. ومع اتهامه بوتين والبطريرك كيريل بأنهما "عدوّان خفيان" للبلاد، قادا روسيا إلى "عصيان أوامر الرب علناً، وإغلاق الكنائس"، أكد الأب سيرغي أنه "يملك القوة الروحية في الجيش والأسطول، وفي جميع المؤسسات والهيئات، وكذلك في شعوب روسيا المتعددة الأعراق".


ومنذ سنوات، تتناقل وسائل الإعلام الروسي أن الكاهن يعد عضواً بارزاً في طائفة "عبدة القيصر" التي تقدس أفراد أسرة رومانوف، وقادت في 2018 حراكاً كبيراً تخللته أعمال عنف ضد عرض فيلم "ماتيلدا"، الذي يتناول جزءاً من حياة القيصر نيكولاي الثاني، عبر علاقة غرامية مع راقصة بولندية تدعى ماتيلدا.
ورغم نفيها أن يكون الكاهن قدوتها الروحية، ونأيها عن طائفة "عبدة القيصر"، تتحدث وسائل إعلام عن أن النائبة في مجلس الدوما، نتاليا باكلونسكي، عضو ناشط في الجمعية، وأن الأب سيرغي يؤثر في أفكارها القومية الارثوذكسية، وكان سبباً في طلاقها من زوجها. وتتداول وسائل الإعلام الروسية أسماء عدد كبير من "مريدي وأتباع" الكاهن غريب الأطوار في السياسة والرياضة والإعلام.
معلوم أن الأب سيرغي مُنع من أداء الصلوات والوعظ منذ مايو/ أيار على خلفية تصريحات تنكر وجود فيروس كورونا، واعتراضه على إغلاق الكنائس لتخفيف انتشار الوباء. وفي بداية الشهر الحالي، طرد من الكنيسة، لكنه لم يغادر دير سريدنورالسك بالقرب من مدينة ييكاتيرينبرغ في منطقة الأورال، الذي استولى عليه مع بعض أنصاره، وأكد أنه لن يغادره إلا بالقوة.

في فيديو نشره في أبريل/ نيسان، قال الأب سيرغي إن فيروس كورونا مجرد خيال، وطالب بفتح دور العبادة، وحذّر من تحويل البلاد إلى "معتقل شيطاني رقمي كبير"، بفرض زرع شرائح إلكترونية تحت الجلد للحد من حرية الحركة والعبادة. ولاحقاً رفض خضوع الناس للقاحات كورونا بعد إنهاء التجارب عليها، وعلى إثر هذه التصريحات، غرمته محكمة في يكاتيرينبورغ بدفع غرامة 90 ألف روبل بسبب نشر أخبار كاذبة في الإنترنت. 
واتهم الكاهن السلطات الروسية بالخضوع لهيمنة الماسونية والصهيونية في أكثر من فيديو، وقال في أحد الفيديوهات إن ما يجري في روسيا تنفيذ لبروتوكولات حكماء صهيون. وفي نهاية العام الماضي، قال إن شبيه بوتين هو من يحكم في روسيا حالياً بأوامر من أعداء روسيا الأرثوذوكسية.
تشير بعض المصادر إلى دور للأب سيرغي في توفير المياه والأدوية لعدد من أفراد طائفة روسية غريبة ظهرت في عام 2007، ولجأوا إلى كهف بالقرب من مدينة بينزا جنوب شرق موسكو، بسبب اعتقادهم حينها بقرب نهاية العالم في إبريل 2008، وكانت السلطات قد أخرجت 28 شخصاً من أتباع هذه الطائفة مع أطفالهم بالقوة خوفاً من موتهم بسبب الفيضانات.
وأثار الأب سيرغي الجدل في العام الماضي بعد اعتراضه على مشروع قانون في مجلس  الدوما (البرلمان) الروسي يجرّم العنف المنزلي.
ودفعت تصريحات الكاهن المثيرة وسائل الإعلام إلى النبش في تاريخه، وكشف تحقيق لـ"بي بي سي" عن إساءة معاملة أطفال كانوا في دير تحت قيادة الأب سيرغي، وعرض التقرير مقابلات مع عدد من الشهود الذين أقاموا في الدير بين عامي 2001 و2020، ووصفوا العنف الجسدي والنفسي تجاه الأطفال بأنه كان روتينياً. وكشف مقيمون سابقون في الدير أن الأطفال تعرضوا للصفع والضرب بسبب أخطاء طفيفة.

لكن المفاجأة كانت في الكشف عن كيفية دخول الأب سيرغي إلى الكنيسة، وصعوده في سلّم الخدمة، رغم ماضيه المشين وخروقاته المستمرة.

وكشفت تحقيقات صحافية عن أن الاسم الحقيقي للكاهن هو نيكولاي رومانوف، وولد في 1955. التحق بعد أدائه الخدمة الإلزامية في الجيش بسلك الشرطة، ولكنه طرد منها في عام 1984 بعد تسببه بحادث مروري أودى بحياة شخص، وبعدها انتقل للعمل في موسكو. هناك، أدين بتهمة الاعتداء على ممتلكات حكومية، وجريمة قتل، وحكم عليه في 1986 بالسجن 13 عاماً في سجن في مدينة "نيجني نوفوراد". وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانبعاث الروح المسيحية من جديد، بدأ رومانوف ببناء كنيسة داخل أراضي السجن. وفي 1997 حاز مباركة البطريرك الراحل ألكسي الثاني للكنيسة. 
وبعد خروجه من السجن انتسب إلى المدرسة الكنسية لتلقي العلوم الدينية، لكنه فُصل منها في السنة الثانية لعدم إظهاره النشاط الكافي لتلقي العلوم. وانتقل إلى قسم تشييد الكنائس الجديدة في الأورال، لكن أدى طبعه الحاد وخلافاته مع المتعهدين إلى إبعاده عن العمل ومعاقبته عبر إرساله لرعاية الأبقار التي يتبرع بها المؤمنون في أحد الأديرة في المنطقة. وعاود الأب سيرغي العمل وكلف في عام 2001 بناء دير سريدنو أورالسك النسائي بالقرب من يكاتيرينورغ، الذي يتحصن فيه حالياً، وبات رئيساً للدير، وتبين أن الكاهن سيطر على أراضٍ للمزارعين لتشييد الدير.
وأظهرت تحقيقات سابقة أن الأب سيرغي خدع الكنيسة عبر إخفاء شخصيته الحقيقية، وتاريخه الجنائي، فقد ادعى أنه كان يعمل فنياً كهربائياً في السجن، ولم يكن محكوماً بجريمة قتل وقضية فساد. وبعد خروجه من السجن، أحرق جميع وثائقه ليخفي شخصيته السابقة، وبدأ مسيرته مع الكنيسة التي حصل فيها على أوسمة وترفيعات، حُرم منها جميعاً بداية الشهر الحالي.

المساهمون