أحمد برهو... من التجريد إلى التشخيص

أحمد برهو... من التجريد إلى التشخيص

14 يوليو 2018
عمل لأحمد برهو (فيسبوك)
+ الخط -
نشأ وتربّى أحمد برهو في حي شعبي، حي الأشرفية في حلب، وهذا الحي الشعبي أصبح نقطة تماس بين النظام والمسلحين، لذلك هاجر وترك عمله وساح في البلاد، أو في دول مجاورة. هو فنان تجريدي، هكذا بدأ حياته. عندما وعى أنه فنان، أحسّ منذ الصف الأوّل الابتدائي أنه يتميز عن سائر أقرانه. كانت تشده المكتبة، وأقلام "الفلوماستر" الموضوعة على واجهتها، وكان يندهش كلّ يوم عندما يراها، وقد احتال على والدته حتى اشترتها له، فراح يرسم ويلون. انقلبت حياته إلى ألوان، وراح يملأها بالألوان الصاخبة حيناً والهادئة أحياناً. طفل يلوّن العالم. كان يبتسم كلما انتهى من تلوين شيء، وعندما عادت أمّه من سوق الخضار، وجدت البيت كلّه قد أصبح ألواناً، فابتسمت له هي الأخرى، وعرف من يومها قيمة الألوان في حياته.

ولا يزال يذكر قصة الإنكليزي الذي اكتشف ألوان الباستيل، هذا الرجل جعل كلّ الأطفال يلونون. لكن أحمد عندما انتسب إلى مركز الفنان فتحي محمّد، عرف أن الألوان لها وظيفتها، ومنذ ذلك اليوم اشترى ألواناً زيتية، صينية الأصل، وبدأ المشروع الاحترافي، وسيطرت عليه فكرة التجريد، فبقي يعمل بها بصمت وإدهاش. مرّة وبعدما أنهى معرضه في صالة النقطة التي تخص الفنان سعد يكن، وذهب إلى دمشق وأقام معرضاً فيها، باع أولى اللوحات، وعاد فرحاً إلى حلب. يومها، قالت له الوالدة التي ترفل في أميتها: "يا بني ليس المهم أنك بعت لوحاتك، أسأل نفسك أنتَ ماذا فعلت؟".




عام 1985 غادر أحمد برهو إلى دمشق ليدرس في كلية الفنون الجميلة، وعاد منها بعد أربع سنوات، لقد أصبح فناناً بامتياز، وكان مندهشاً بقولة الفنان الهولندي فير ميير: "إن الفراغ المحيط بالشخص يعطينا طريقة التفكير، وبنية نفسية، إنه يعطينا علاقتنا بالوجود وهذا هو التجريد".

بدأ الفنان أحمد برهو يلعب بالألوان وتبايناتها، ويوزّعها بالسكين، ويعتمد على إيحاءات اللون وتداعياته، وهذا فتح أمامه نوافذ الروح وغموض الحالات الإنسانية ودلالاتها. وتبرز الذاكرة المنسية والأفكار التي تكون قلقة أحياناً ومسيطر عليها حيناً آخر، وبدون مقدمات تظهر في مكان وتغيب في دهاليز اللون. فتجدها تهرب من ذلك المخزون المعرفي والثقافي، والتراكم البصري لتشغل فراغاً يعبر عنه الفنان بالتجريد، حيث لا حدود للأفكار ولا حضور مباشر لها أحياناً في اللوحة. إنّه التجريد وكفى، ويأخذه الفن أحياناً إلى حافة الهاوية، إلى الجنون الجميل، إلى فضاءات الحقيقة المطلقة والمجهول، يقوده إلى نقاء الروح وصدقه مع الأشياء والطبيعة، وصفاء الماء، يدخله في دائرة الجمال والخلود، حيث يمكن للفنان أن يعبر عن الألم والمعاناة الإنسانية، ويبقى الرسم هو أقوى أداة ليعبّر لنا عن هذه الحالات الإنسانية، الرسم هو الخطوة الأولى للتعبير عن الذات.

وجد أحمد برهو أن التجريد يتلاءم مع ذاته، فكرياً ونظرياً. لكن بعد الأحداث التي شهدتها سورية، عامّة، وحلب خاصة، وبعد أن تخرب مرسمه ثلاث مرات، وبعد أن أفُرغ الحي من سكانه، أيقن أحمد أنه يعيش في عالم نظري، وهذا العالم بدأ يغيب عنه بحكم الواقع، الناس الذين معه هم من لحم ودم، الناس المحيطون به هم من الطينة ذاتها، لقد فتح عينيه مراراً فرأى الشخوص حوله.

دلالات

المساهمون