أتمنى أن تنشق الأرض وتبلعني

أتمنى أن تنشق الأرض وتبلعني

08 سبتمبر 2017
رخصة قيادة الجرار تحتاج شهادة (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -
تحاول الحكومات المصرية المتعاقبة منذ زمن طويل معالجة مشكلة الأمّية، لكنّ كلّ محاولاتها بحسب ما تؤكد الأرقام فشلت. تشير آخر أرقام جهاز التعبئة العامة والإحصاء إلى أنّ نسبة الأمّية في مصر وصلت إلى 29.7 في المائة من السكان فوق 10 سنوات، وفقاً لتعداد عام 2006. في ذلك العام بلغ عدد الأمّيين نحو 17 مليون نسمة، منهم 10.5 مليون نسمة من الإناث.

في هذا الإطار، ترصد "العربي الجديد" بعض المتاعب التي يتعرض لها الأمّيون في مصر. يعمل علي عبد السلام (46 عاماً) ميكانيكياً ويعيش في محافظة شمال سيناء. يقول إنّ عدم قدرته على القراءة والكتابة يعرّضه لمواقف محرجة فضلاً عن سهولة الاحتيال عليه في بعض الأحيان. يوضح أنّه دائماً ما يحتاج إلى كتابة فواتير تخص مهنته، لذلك يلجأ إلى بعض الأشخاص حتى يتمكن من كتابتها، وهو ما عرّضه مراراً إلى النصب والاحتيال.

يروي واقعة مرّ عليها أربعة أعوام: "ذات مرة اشتريت جراراً زراعياً لا يعمل، وتوليت تنظيفه وتصليحه حتى أصبح جاهزاً للعمل وأردت أن أبيعه لأضمن ربحاً. جاءني مشترٍ، وبالفعل اتفقنا على الثمن وكتبنا العقد، ثم حصلت على جزء من المال وقال لي إنّه سيأتي بباقي المبلغ في أقرب وقت، وعندما حان موعد السداد الذي اتفقنا عليه فوجئت به يقول لي إنّ العقد الذي كُتب ينصّ على أنّ البائع لا يحصل على بقية المبلغ إلاّ بعد مرور 3 سنوات. هنا شعرت أنّ الأمّية هي التي احتالت عليّ وليس ذلك المشتري الذي اختار هذه الحيلة حتى يتمكن من إعطاء نفسه وقتاً طويلاً قبل أن يأتيني بباقي المبلغ".

ليس هذا فقط ما تعرض له عبد السلام، فهناك أحداث كثيرة لكنّه اختار قصة أخرى بالذات: "عندما ذهبت لاستخراج رخصة القيادة طلبوا مني شهادة تخرّج، فقلت لهم إنّي لا أملك أيّ شهادة تعليمية، فقالوا لي إنّهم لن يستخرجوا الرخصة حتى أجلب لهم شهادة تثبت أنّي تلقيت تعليماً". يتابع: "ذهبت لأبحث هنا وهناك حتى أتمكن من استخراج شهادة محو الأمّية، لكن من دون جدوى، فقال لي أحد الأشخاص إنّ في إمكانه استخراج شهادة لي لكن لا بد من دفع 2000 جنيه حتى يستطيع استخراجها، وبالفعل أعطيته المبلغ، وبعد مرور الوقت لم يأتني بالشهادة وقال لي إنّه لم يتمكن من ذلك وإنّ الفلوس (النقود) ضاعت عليّ". يتابع لـ"العربي الجديد": "أخذت أبحث مرة أخرى حتى تمكن أحد الأشخاص من استخراج الشهادة وذلك بعد إجرائي امتحاناً في أحد فصول محو أمية بالرغم من أنّي لا أستطيع القراءة أو الكتابة، لكنّ ذلك الشخص ساعدني كثيراً في الامتحان، ثم ذهبت إلى إدارة المرور وحصلت على رخصة القيادة لكن بعد تعب كبير ووقت كثير ودفع المال وتعرضي للاحتيال".

أما عمرو سالم من محافظة الشرقية (35 عاماً) فيقول: "أسوأ ما يمرّ به الإنسان هو عدم قدرته على القراءة أو الكتابة لأنّ كلّ شيء في الحياة يتطور بشكل سريع من حوله وعليه أن يتعلم من أجل مواكبة التغيرات والعيش بسلام من دون التعرض لمواقف محرجة أو عمليات نصب أو حاجة إلى شخص يستطيع من خلاله التعرف على التطورات التي تحدث في المجتمع". يلخص عمرو مشكلته: "أحرج جداً عندما يقول لي شخص ما: اقرأ هذا الكلام. ثم يكتشف أنّي لا أستطيع القراءة... عندها أتمنى أن تنشق الأرض وتبلعني".



يقول عمرو، الذي يعمل في أرضه الزراعية الواسعة، كما يملك مجموعة من المواشي التي يواظب كلّ يوم على جلب العلف لها، فيبيعها ويرتزق منها: "أشعر بالخجل عندما أرى ابني الصغير، الذي يذهب إلى المدرسة الابتدائية، وهو يقول لي: تعال يا أبي وساعدني في حلّ هذه المسألة أو كتابة هذا الموضوع، وأنا لا أستطيع أن ألبّي طلبه أو مساعدته... كأنّني بلا قيمة أو منفعة بسبب جهلي وعدم قدرتي على القراءة". يؤكد أنّه حاول أكثر من مرة الذهاب إلى فصول محو الأمية حتى يستطيع القراءة والكتابة لكنّه فشل، ويعلل ذلك بأنّه لا يجد وقتاً كافياً للذهاب يومياً بسبب كثرة المشاغل وتلبية متطلبات الحياة الكثيرة. ينهي عمرو حديثه لـ"العربي الجديد" بالقول: "أحرص حالياً بكلّ ما أوتيت من قوة على تعليم أولادي ولن أتخلى عنهم في يوم من الأيام، ولن أجعلهم يعيشون المأساة التي يعيشها أبوهم طوال حياته".

أما كريمة عبد الستار فتحرص في حديثها مع "العربي الجديد" من متجرها (سوبرماركت) في الجيزة، على تكرار عبارتي "يا أفندي" و"يا بيه". كريمة (53 عاماً) ربة منزل تدير المحل العائد لزوجها. تقول حول الصعوبات التي تواجهها بسبب الأمّية: "هي كثيرة جداً يا بيه. عندما أحتاج إلى كتابة أيّ شيء خاص بالمحل، لا بدّ من أن أجلب أحداً من الشارع لهذا الغرض. كذلك، لا أعرف الاتصال بالمحمول ولا أعرف شيئاً من خصائصه أبداً. أيضاً، عندما أشاهد التلفزيون أتمنى لو أعرف قراءة أسماء الممثلين ولا أعرف".

تتابع كريمة: "أنا ست كبيرة في السن وبالرغم من ذلك، أريد أن أتعلم القراءة والكتابة، فكلما مضى العمر أكثر تحسّرت أكثر كوني لم أتعلم في صغري. لذلك، حرصت على تعليم أولادي كلهم، وفيهم واحد مدرّس وآخر يتابع تعليمه الجامعي، وابنتي نالت شهادتها من كلية التجارة وتعمل في صيدلية. كلّ هذا كي لا يعانوا كما عانيت طوال حياتي".

دلالات