بين التعليم والوعي

بين التعليم والوعي

17 مارس 2017
ما زال أغلب العرب يتعلمون بالتلقين (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
يرصد علماء النفس منذ ظهور هذا العلم قبل قرون، فارقاً كبيراً بين ما يصطلح على تسميته "الجهل" و"الوعي"، ويفصلون بوضوح بين تعلم القراءة والكتابة، وعكسه الأمية، وبين كون الشخص متعلماً.

بالأساس، لا يمكن وصف شخص بالجهل لمجرد أنه لم يحصل على نصيب من التعليم. كم من شخص لا يحمل درجات علمية بات رمزاً للتنوير، وكم من حائز على درجات علمية مرموقة تحول سبباً للتجهيل.

كل الأشخاص بلا استثناء متعلمون، حتى لو أنهم لا يقرأون ولا يكتبون، والجميع يؤدون أدواراً ما في الحياة.

نحن هنا بصدد الحديث عن الوعي وليس التعليم في معناه البسيط، نتحدث عن الجهل بتصاريف الحياة وليس التخصص في مجال ما، حتى في مجالات التخصص؛ فإن التعليم وحده ليس كافياً لمحو الجهل، والمهارة والذكاء والخبرة والبحث والتجربة تظهر الفروق بين متخصص وآخر.

ربما يخلط البعض عن عمد بين التعليم والوعي، وكثير من المتعلمين يعتبرون أنفسهم منارات للوعي، وبعضهم يتكسب من هذا الادعاء بأشكال مختلفة، رغم أن كونهم متعلمين لا يعني بالضرورة امتلاكهم للوعي. الواقع أن الوعي غائب عند الغالبية العظمى من البشر.

جودة التعليم بحد ذاتها علم يتخصص فيه البعض، لا يكفي أن يتعلم الشخص حتى يكون مفيداً. والتعليم وحده لا يجعل الشخص قادراً على التعاطي مع أمور حياته.

في المنطقة العربية لدينا مشكلات متفاقمة في أساليب التعليم، وبالتالي في نتائجه. ليست لدى أغلب العرب خطط لدعم جودة التعليم، ربما يعتبرها كثيرون رفاهية لا يجب أن تشغل بالنا في ظل الفقر والفساد والصراعات التي تضرب بلداننا.

ما زال أغلب العرب يتعلمون وفق أسلوب التلقين، ويعتمدون مناهج لا تتغير لسنوات رغم الطفرات العلمية التي يعرفها العالم سنوياً.

ما زالت مؤسساتنا التعليمية بعيدة عن تعليم التلاميذ وفق أساليب التفكير الموضوعي والبحث العلمي، بل إن بعضها يعاقب الطالب الذي يعمل عقله في ما يتعلمه.

في التصنيفات العالمية لجودة التعليم، تقبع المؤسسات العربية في مراتب متأخرة، بعضها لا يظهر ضمن التصنيفات بالأساس.

وأنتج تدهور أحوال التعليم العربي ظاهرة التعلم في الغرب، كثير من العائلات العربية ميسورة الحال تشجع ذلك باعتبار أن التعليم الجيد استثمار مضمون، وتظل إيجابيات التعليم في الخارج مترافقة مع سلبيات عدة، منها التغريب والشعور بالتناقض بين المجتمعات، لكن أبرزها عدم عودة بعضهم إلى بلادهم.

يعيدنا هذا مجدداً إلى أزمة الوعي، فلو أن ذاك الشاب عاد إلى بلاده لساهم في إنهاء المشكلات الكثيرة القائمة في كل المجالات.

لو أنه يمتلك الوعي.

دلالات