هكذا الطفل

هكذا الطفل

12 أكتوبر 2017
(عمر الراشد، زيت على قماش، 130 × 150 سم)
+ الخط -

إلى خولة فرشيشي وسنية فرجاني


(1) استهلال الريح

ليس الخريف سوى
رصيف المتأخرين
ببضع دقائق مهذورة
بعطر مؤجل في القوارير
آخذين مقاعدهم
بجوار
مقاعد المتعجّلين
على نفس الطاولة
الخريف أيضاً ليس
سوى رصيف المتعجّلين
ببضع دقائق مسروقة
بعطر مؤجل في القوارير
آخذين مقاعدهم
بجوار
مقاعد المتأخرين
على نفس الطاولة
تلبيةً لوعدِ
الحب الملوِّح كغريق
بكلتي يديه من بعيد البعيد
للسمكة الجسورة
التي تلتمع حراشفها
للمرة الأولى في الهواء
طائرةً في الزعانف
فوق سطح بحرنا الميّت
في الميعاد المقرَّر دائماً
قبل الأوان
بعد فوات الأوان
أبداً ليس في الميعاد
فيما يحترف الخريف
موسمُ التنزيلات على المكانس
أدواتِ تطهير البلاط من الأمس
على رصيف التبضّع الأخير
فقط تفريغ
ما هو عاطفيٌّ
في مستودعات الحواس
دفعة واحدة
..............
..............
هكذا أنا
بانتظار من يتصفّح خريفي
على رصيف التبضّع العاطفي
من دون عاطفة

■ ■ ■


(2) عراك الحب

ليس الحب سوى طبل مائي
مليء بالشروخ
مليء بالخدوش
كلما حاولتَ قرعه
كلما زاد في الخُفوت
..............
..............
هكذا أنا
بلا يدين و لا قرع
مشدوخَ الرأس
بحجر الصمت
بانتظار
أن تصفّر الريح
في تجاويفي
في جروحي

■ ■ ■


(3) مزهرية الغياب

ليس المغيب سوى مزهرية
موضوعة سلفاً
على الرفوف الزرقاء
للقاءٍ مخذول عابر
بين زهرتين متباعدتين
على سفر
زهرة الأفول القانية
زهرة الطلوع البيضاء
حالما يلتقيان
يعجّلان تواً بالفراق
..............
..............
هكذا أنا
مزهرية على رفّ الغياب
بانتظار
جمْع قُبَلي المتباعدة
زهوراً متناثرة
في إناء الوداع

■ ■ ■


(4) انعكاس معكوس

ليست صورنا ما ينعكس
على المرايا
بل ما ينعكس على وجوهنا
من صورنا المنعكسة
كغيمة تنعكس على قمر
فينعكس القمر على الغيمة
كابتسامة تنعكس على أمومة
فتنعكس الأمومة على الابتسامة
..............
..............
هكذا أنا
بانتظار أن أكشط
بشفرة الحلاقة
صورة المرآة المنعكسة
على قسماتي

■ ■ ■


(5) غرق غريق

ليس الغريق
من أسلمه الماء للغرق
فأسلمه الغرق للماء
الغريق من يحترف
مهنة التغريق
فقط
للإبقاء على الغرق
فلا يطفو التغريق على السطح
كسفينة تحولت إلى مدينة
أسطوريّة
في قيعان المرجان
بشوارع الأسماك الفسيحة
بأزقة مضاءة بمصابيح الهلام
بلافتات الرخويّات الصاخبة
على الواجهات الكهرمان
..............
..............
هكذا أنا
بانتظار
تغريقٍ كليٍّ مضيء
يفتحني
أروقةً في الأعماق
فلا تطفو مني قشة
على مياه نفسي الآسنة

■ ■ ■


(6) سفر مستمّر

ليس المسافر
من يبادر باقتناء
تذكرة السفر
معجّلاً بالرحيل
المسافر من يستطيع
الوقوف على الشباك
عند الرجوع
مسترداً
ثمن التذكرة
في جميع الأحوال
ليستقلّ القطار
من جديد
متعقّباً سفراً مستمراً
من دون مسافر
فيما يستمر مسافراً
من دون سفر
..............
..............
هكذا أنا
بانتظار
استرداد
تذكرة السفر
لركوب القطار
الذي تركني
عند أول محطة
هارباً بسفري
هارباً بالحقائب

■ ■ ■


(7) بطاقة صداقة

ليس الجمال
بطاقة بريدية
تتلقاها
علبة رسائلِ
انتظاراتِنا
الجمال
بطاقةُ صداقة
تُغْنِي عن البطاقة
..............
..............
هكذا أنا
بانتظار تخلّي الجمال
عن البطاقة المختومة
عن خدمات بريد الانتظار
الباهظة
مكتفياً فقط بالصداقة
عنواناً بريدياً
لكل عاشق وعاشقة

■ ■ ■


(8) جبنة مقضومة

ليس الوقت
أن تحظى بترف العمر
مثلما يُعِدّ لك الصباح
على الفطور
جبناً مليئاً بالثقوب
العمر أن تحظى
بوقت
يقرض فراغ الجبن
المليء بالثقوب
تاركاً
حصة الجبن المليء
مهما كانت صغيرة
..............
..............
هكذا أنا
بانتظار رأفة الفأرة
التي تقرض دسمي
غير تاركة
سوى الفراغات

■ ■ ■


(9) الطفل الباقة

ليس الربيع
حقلاً من الشقائق
الربيع طفل الصباح
يهبّ باكراً للنزهة
لتزهر شقائق الفراش
تحت باقة اليد المفتوحة
في مزهرية الشقائق
على طول الشريط
المُؤَطَر
بحفيف القُبّرات
الربيع أيضاً
ليس فقط مسبحة
من كهرمان السنونوات
تنضدها عزلة
الأعمدة في الأسلاك
الربيع طفل المساء
لا يذهب للمدرسة
سوى لاستعجال
قرع جرسٍ
يبطئ بالرنين
للمرور على محطة
أعمدة الكهرباء
لحضور البث الحي
في مقر الإذاعة الربيعية
لأوركسترا السنونوات
مستعجلاً توقيعَ
الانضمام
على بطاقة مدرسيّة
لا ترخيها قبضة اليد
المتمردة
ليباشر المايسترو
قيادة العازفين المهرة
بسبابةٍ
غريقة في الهواء
قصبةٍ موسيقية
تسبق العين المجرّدة
..............
..............
هكذا أنا
بانتظار
طفل الصباح
طفل المساء
باقة يد مفتوحة
سبابة مشهرة بوجه السماء
لتتفتّح شقائقي فراشات
ليندلع انتظاري سيمفونية
من السنونوات

■ ■ ■


(10) ملعقة عاشقة

ليس اليوم الجديد
من يُعِدُّ لنا الصباح
على مائدة الفطور
اليوم الجديد
من يُعِدّنا وليمة
كل يوم
على صباح المائدة
فناجينَ شغف من البن
لا تمتلك نوايا سيئة
تحرّك نهارنا الغريق
بسكر الملعقة
شريحتيْ رغيفٍ طازج
ككتاب مفتوح
على دسم الأمس
على مربى الخيبة
اللذيذ
تقرأه بنهم
أسنان الحاضر الجائعة
فيما نمشي على البلاط
الهوينى
من سرير الغرق
إلى المطبخ المرفأ
كما لو نقطع المسافة
التي تفصلنا عن حياتنا
المنقوصة
بحفيف توابلنا على الرفوف
حافيي الخطوات
..............
..............
هكذا أنا
بانتظار ملعقة عاشقة
تنتشل الصباح الغريق
من عميق البن
تستثير الخيبة المنقوعة
في مربى المشمش
تخلط حياتي بحفيف التوابل
على الرفوف

■ ■ ■


(11) عنقود شرريّ

ليس الفَراش
عنقوداً من الشرر
يتواصل في اليد
المشتعلة
في عريشة الشغف
الفراش
تطريزٌ في القميص
الذي يتلقى تَدَفُقَ
عنقودِ الانطفاء
الشرري
فورَ الاشتعال
..............
..............
هكذا أنا
بانتظار اشتعال
شررِ
عنقود الانطفاء
المتواصل في يدي
المشتعلة
بمجرد
شبوب الحريق
في أكمام
قميصي المشجر

■ ■ ■


(12) قشعريرة ملوّنة

ليس أول الشتاء
مطر سخي يداهم
ذهول المظلّات
المطر المندلق بسخاء
خوفٌ مداهم
يعتري المظلّات
من قدوم الشتاء
قبل الذهول
مسارعاً
إلى فتح
قشعريرة ملونة
بوجه السماء
تقطف البروق
تواً
في سلال
الشقائق
..............
..............
هكذا أنا
بانتظار
أول الغيث
قبل فتح مظلّة جلدي
قشعريرة عاشقة
تقطف البروق
تواً
في شقائق
المسام

■ ■ ■


(13) أبدية الزائل

ليست الأبدية
للبقاء الأبدي
الأبدية استغاثةُ
أبديةِ البقاء
بالهنيهة الزائلة
لإماطة اللثام
عن لانهاية
الزائل الأبدي
..............
..............
هكذا أنا
بانتظار
عبوري المتعجّل
للممر المتعجّل الأبدي
مهملاً
قميصي الممزق
على مقبض الباب
غير آبه
سوى بصيرورتي
سنونوةً
تسارع بالصعود
إلى قباب السماء
لتمزيق الأبدية
ثم النزول
على الفور
للطيران
على ارتفاع
شبر من الألم
لإعادة تسطير
خريطة الأمل
دائرةَ رقصٍ
تتوسطُها
خجلةُ الأرض
العروسِ
بلا كعب عال
بلا فستان مخملي

■ ■ ■


(14) قداحة الإبهام

ليس إبهامنا
من يقدح الزناد
في القداحة
الزناد من يقدح
قداحة الإبهام
بالضغط
على زناد القداحة
حالما تُعَبِئ
فداحة الوقت
خراطيش الأصابع
..............
..............
هكذا أنا
بانتظار
قدْح الفزع الأليف
في الأصابع الخراطيش
للتعرف
على انطفاء
ملامح الوجه المسرحي

■ ■ ■


(15) البساط السحري

ليس بساط علاء الدين
بساطاً سحرياً
يحلق عالياً في الهواء
البساط السحري
علاءُ الدين المحلّق
ريشةً
في جناح الوقت
عالياً
في بساط الهواء
مسحوبَ
الأرض البساط
..............
..............
هكذا أنا
يا علاء الدين
بانتظار
أن تعيد لي
بساط الأرض الذي فرشته
للمصباح السحري
فطويته
عند انتهاء الحكاية
لتعود به للقصر
مبقياً لي الريح
من دون بساط


* شاعر من المغرب

المساهمون