عندما يصبح الذهاب إلى السينما حلماً جزائرياً!

عندما يصبح الذهاب إلى السينما حلماً جزائرياً!

10 سبتمبر 2015
"ممنوع على النساء" تجنّباً للشبهات (فرانس برس)
+ الخط -
مشاهدة فيلم في قاعة سينما، في الجزائر، تعد من الأمنيات الكبيرة للشباب وخاصة الفتيات والعائلات الجزائرية، التي وجدت نفسها محرومة من دخول قاعات السينما التي أغلق بعضها، وتحول البعض الآخر إلى أوكار للأفلام الإباحية، بينما بقي عدد جد محدود يفتح أبوابه فقط للرجال بشعار "ممنوع على النساء" تجنُّباً للشبهات، بعدما كان للجزائريين برامجهم الأسبوعية لزيارة "السينما".


الحلم الصعب الذي يتمنى الجزائريون، اليوم، تحقيقه في رحلاتهم السياحية خارج البلاد، أو في حجز مقعد بقاعة "الهقار" في أثناء زيارتهم للجزائر العاصمة، أو يترصدون بعض المهرجانات السنوية للعروض السينمائية في بعض المدن الكبرى على غرار مهرجان وهران للفيلم العربي، والتي لا تتاح عادة للجمهور العريض من الشعب.

كان هذا خلال العصر الذهبي للسينما الجزائرية، قبل أن تغلق القاعات منذ التسعينيات وتتحول إلى أماكن مشبوهة لبث الأفلام الإباحية وللدعارة، مما جعل مجرد التفكير في زيارتها يتطلب جرأة كبيرة وقد ارتبطت صورتها في ذهن الشعب بالسمعة السيئة وفساد الأخلاق، ومن أكثر الأماكن المحرمة على الفتيات والعائلات خاصة، فلا عجب بعدها أن تتحول رغبة "مشاهدة فيلم سينمائي" إلى حلم كبير.

كيف اغتصبت قاعات العروض؟
ويعود تأزم قطاع السينما والقاعات خاصة إلى فترة التسعينيات، عندما تم إسناد مهمة استغلال قاعات السينما والاستفادة من مداخيلها المالية إلى البلديات، بعدما كانت تحت تصرف المركز الوطني للسينما، وحلّ المؤسسة الوطنية للإنتاج السمعي البصري المكلفة بالأعمال السينمائية والمركز الجزائري للفن والصناعة السينمائية. وهو ما تسبب في تراجع عددها على المستوى الوطني من حوالى 500 قاعة إلى 17 قاعة فقط، حسب تصريحات المخرجين السينمائيين الذين أصبحوا غير قادرين على الوصول إلى الجمهور.

وإذا كانت قاعة ''الموقار''، والتي يسيرها الديوان الوطني للثقافة والإعلام، ما زالت مقصد العائلات العاصمية، حيث تسطر باستمرار برنامجا شهريا لمختلف العروض الجزائرية والعالمية، مع اعتماد تدابير نظافة وأمن، فإنها بذلك تشكل حالة فريدة، وسط العدد الكبير من قاعات السينما التي تسيرها البلديات، والتي تم إغلاقها منذ سنوات طويلة، ما جعلها أماكن مهجورة عبر مختلف ولايات الوطن الداخلية والساحلية، رغم أن طاقة استيعابها تفوق 5 آلاف مقعد في الولاية الواحدة، ربما أهمها قاعة "الجمال" المجاورة لحي القصبة الشعبي العتيق بالعاصمة، والتي غنى فيها فريد الأطرش، لتتحول إلى مجرد جدران مهجورة.

وتم تحويل قاعات أخرى إلى محلات تجارية، مثل "ريجون" في شارع العربي بن مهيدي بالعاصمة، وأخرى إلى مقار مؤسسات حكومية. وفي أحسن الأحوال ما زالت بعض القاعات التي يستغلها الخواص تعرض بعض الأفلام السينمائية حصريا للرجال والشباب، دون أن تسمح بدخول الفتيات والعائلات، منها ''سينما الهلال''.

أفلام للمهرجانات ولا شيء للشعب
أزمة قاعات العرض، التي تعتبر البنية التحتية للسينما، أدت إلى تراجع إنتاج الأفلام السينمائية الموجهة للجمهور في الجزائر، وتوجه المخرجين والسينمائيين نحو نوع آخر للتأقلم مع الوضع، يتمثل في إنتاج ما يعرف بأفلام الصالونات والمهرجانات الكبرى، بحثاً عن الدعم المادي، من خلال حصد الجوائز، ولا تصل إلى الجمهور العريض من الشعب حيث يقتصر عرضها على الممثلين والفنانين. ومثال ذلك فيلم "بن بولعيد"، الذي أنتج بميزانية كبيرة إلا أنه فيلم لم يعرض في القاعات ولم يشاهده الجمهور، ما يدل على أن السينما الجزائرية مهددة بالزوال، بعدما أغلقت أغلب دور العرض الداخلي للجزائريين.

ويحدث هذا التلاعب بالبنى التحتية للسينما الجزائرية بعدما أثبتت، على مدار نصف قرن، أنها قادرة على المتميز ونجحت في ترك أعمال خالدة، أمثال ''الأفيون والعصا'' وفيلم "دورية نحو الشرق"، و''وقائع سنين الجمر''... وغيرها.

وما زالت تتألق على المستوى العالمي، وتحصد عشرات الجوائز في أكبر المهرجانات العربية والعالمية، لا سيما في ما يتعلق بالأفلام الثورية، التي أنتجها مخرجون جزائريون مغتربون، مثل "الخارجون عن القانون" لرشيد بوشارب و"العودة إلى مونلوك" للكاتب محمد زاوي، والتي استطاعت أن تفرض وجودها في قاعات السينما العالمية بينما ينتظر الجزائريون مشاهدتها على التلفاز.

(الجزائر)

المساهمون