الأطفال في النزاعات محرومون من المساعدات: غزة والسودان مثالَين

الأطفال في النزاعات محرومون من المساعدات: غزة والسودان مثالَين

03 ابريل 2024
في انتظار الحصّة الغذائية جنوبي قطاع غزة، في 16 مارس 2024 (سعيد الخطيب/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- فيرجينيا غامبا أبرزت أمام مجلس الأمن الدولي العقبات الكبيرة التي تمنع وصول المساعدات الإنسانية للأطفال في مناطق النزاع، مع التأكيد على الانتهاكات الخطيرة المستمرة منذ 2004، خاصة في غزة والسودان.
- تم الإبلاغ عن 3941 حالة منع للمساعدات في 2022، مما يعكس تفاقم الوضع عالميًا بسبب القوانين والممارسات المقيدة، مع تأثير أكبر على الفتيات.
- تيد شيبان وغامبا سلطا الضوء على الأوضاع المأساوية في غزة والسودان، حيث يعاني الأطفال من سوء التغذية والحرمان من الخدمات الأساسية، مؤكدين على الحاجة الماسة لتحسين وصول المساعدات وحماية الأطفال.

أفادت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح فيرجينيا غامبا بأنّ الأطراف في النزاعات المختلفة حول العالم ما زالت تعرقل وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، من الأطفال وسواهم. وذكّرت غامبا مجلس الأمن الدولي بأنّ هذه الانتهاكات واحدة من الإجراءات الستّة الجسيمة التي تُرصَد منذ عام 2004 في مختلف النزاعات.

وجاءت تصريحات المسؤولة الأممية في خلال إحاطة لها أمام مجلس الأمن الدولي الذي عقد اجتماعاً تناول فيه موضوع "معالجة عواقب حرمان الأطفال من وصول المساعدات الإنسانية"، اليوم الأربعاء. وقد عقدت مالطا، التي ترأس المجلس في شهر إبريل/ نيسان الجاري، هذا الاجتماع في سياق الاجتماعات الرئيسية التي تركّز عليها هذا في خلال هذا الشهر، بصفتها رئيسة للمجلس وكذلك لمجموعة العمل الخاصة بمجلس الأمن المعنية بالأطفال والنزاع المسلح.

ويأتي هذا الاجتماع في حين تتواصل الحرب التي تشنّها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة، والتي يُعَدّ الأطفال فيها أكثر المتضرّرين، علماً أنّ الأمم المتحدة كانت قد وصفت العدوان المتواصل منذ نحو ستّة أشهر بأنّه حرب على الأطفال الفلسطينيين في القطاع المحاصر. كذلك، يتزامن ذلك مع أزمة كبرى يتخبّط فيها الأطفال في السودان، وسط الحرب المستمرة منذ نحو عام، مع الإشارة إلى أنّ أكثر من 25 مليون طفل يُعَدّون متضرّرين من النزاع القائم.

وتطرّقت غامبا إلى التقرير الأخير المنشور رسمياً حول الأطفال والنزاع المسلح الذي يغطّي عام 2022، وقالت إنّ الأمم المتحدة تحقّقت "من 3941 حالة مُنع فيها وصول المساعدات الإنسانية، الأمر الذي يجعلها من أكبر الانتهاكات التي جرى التحقّق منها في عام 2022". أضافت أنّ "منذ عام 2019، أظهرت الأرقام الواردة في التقرير الزيادات الهائلة في حوادث منع وصول المساعدات الإنسانية التي جرى التحقّق منها". وإذ أشارت إلى أنّ التقرير الجديد الذي يغطّي عام 2023 الماضي سوف يصدر في غضون ثلاثة أشهر بحسب المتوقّع، قالت المسؤولة الأممية إنّ "البيانات، التي جمعها تقريرنا المقبل لعام 2024، تُظهر أنّنا نشهد زيادة مروّعة في حوادث منع وصول المساعدات الإنسانية على مستوى العالم، مع استمرار التجاهل الصارخ للقانون الدولي الإنساني وتزايده".

وأوضحت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح أنّ "في عام 2022، جرى التحقّق من أعلى الأرقام في الأراضي الفلسطينية المحتلة واليمن وأفغانستان ومالي". وأكدت أنّ الوضع على الصعيد العالمي تفاقم منذ ذلك التقرير لأسباب عديدة، بما فيها اعتماد القوانين والممارسات واللوائح الإدارية المقيّدة وزيادة الرقابة على العاملين في المجال الإنساني ونشاطهم. ويشمل ذلك بحسب غامبا "مستويات عالية من الإجراءات التعسفية المعيقة لوصول المساعدات و/أو الحرمان التام من وصول المساعدات الإنسانية إلى الأطفال، بما في ذلك في حالات مثل تلك التي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي هايتي على سبيل المثال لا الحصر".

وشدّدت غامبا على أنّ "الحرمان من وصول المساعدات الإنسانية يرتبط بتقييد الأنشطة وحركة (الأطقم) الإنسانية، والتدخّل في العمليات الإنسانية والتمييز ضدّ متلقي المساعدات، والهجمات المباشرة والعشوائية على البنية التحتية المدنية، وتضليل العاملين في المجال الإنساني واحتجازهم وممارسة العنف ضدّهم وقتلهم، والنهب".

وعن ترجمة هذا الحرمان وانعكاسه على الأطفال ومستقبلهم، قالت غامبا إنّ "للحرمان من وصول المساعدات الإنسانية آثاراً طويلة الأمد على رفاهية الأطفال ونموّهم، وقد يؤدّي إلى انتهاك حقوقهم الإنسانية الأساسية، بما في ذلك الحقّ في الحياة والتعليم وأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة. كذلك فإنّ الأطفال يُحرَمون في الغالب من الوصول إلى أماكن آمنة، مثلما رأينا في السودان ومنطقة الساحل. وفي عدد من الحالات، يُصار إلى تحديد الحرمان من وصول المساعدات الإنسانية عندما تحتجز جماعات مسلحة أو منظمات إجرامية قوافل (مساعدات)، الأمر الذي يؤدّي إلى تأخير تقديم المساعدة إلى الأطفال".

وبيّنت المسؤولة الأممية أنّ الفتيات يتأثّرنَ سلباً بذلك الحرمان أكثر من الفتيان، وشرحت أنّ "تجربة الحرمان من وصول المساعدات الإنسانية قد تتأثّر بالجندر، إذ تختلف تجارب الفتيان والفتيات بالحصول عليها في كثير من الأحيان. على سبيل المثال، تمثّل القيود المفروضة على حركة الفتيات تحدياً أمام حصولهنّ على المساعدات في المناطق التي يمكن توزيعها فيها، بما فيها مخيمات النازحين داخلياً، في حين قد يُنظَر إلى المراهقين الذكور على أنّهم مرتبطون بجهة معارضة ما، وبالتالي يُحرَمون كذلك من الوصول (إلى المساعدات) أو الحصول عليها".

كذلك أشارت غامبا إلى "الحظر أو القيود المفروضة على العاملات في المجال الإنساني في حالات عدّة، بما في ذلك في أفغانستان واليمن"، علماً أنّ لذلك "عواقب فورية تهدّد الحياة، وتمنع تقييم الاحتياجات وتقديم المساعدة إلى النساء والأطفال، وتلحق ضرراً شديداً بجودة الخدمات الإنسانية".

الصورة
طفل فلسطيني في رفح في قطاع غزة، في 2 إبريل 2024 (محمد عابد/ فرانس برس)
وسط الأنقاض في رفح جنوبي قطاع غزة، في الثاني من إبريل 2024 (محمد عابد/ فرانس برس)

هكذا تحرم إسرائيل الأطفال في غزة من المساعدات

في الإطار نفسه، قدّم نائب المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) تيد شيبان إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي والتي ركّز فيها بدايةً على أوضاع الأطفال في قطاع غزة وسط الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وقال: "زرت قطاع غزة في يناير/ كانون الثاني الماضي، للمرّة الثانية منذ أكتوبر الماضي، وشهدت تدهوراً مذهلاً في أوضاع الأطفال هناك"، شارحاً أنّ "الدمار واسع النطاق الذي طاول البنية التحتية اللوجستية، وشبه الحصار المفروض على شمالي قطاع غزة، والرفض المتكرّر أو التأخير في السماح بوصول القوافل الإنسانية، ونقص الوقود، وانقطاع التيار الكهربائي والاتصالات السلكية واللاسلكية، كلها أمور لها آثار مدمّرة على الأطفال".

وتناول شيبان كذلك تأثير الهجمات على العاملين في المجال الإنساني وانعكاسها "بصورة خطرة على إمكانية وصول المساعدات الإنسانية (إلى مستحقّيها)"، مبيّناً أنّ "أعلى حصيلة قتلى بين موظفي الأمم المتحدة في تاريخنا" سُجّلت في قطاع غزة، "وبين زملائنا في (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) أونروا خصوصاً". وأشار كذلك إلى هجمات إسرائيل في بداية الأسبوع الجاري وقتلها عاملين في منظمة "وورلد سنترال كيتشن" (المطبخ المركزي العالمي) الذين كانوا يحاولون إطعام الناس الذين يعانون من سياسة التجويع التي ترتكبها إسرائيل في حقّ الفلسطينيين في قطاع غزة.

وأوضح المسؤول الأممي أنّ تلك القيود التي تضعها إسرائيل تؤدّي إلى "عدم إمكانية حصول الأطفال في قطاع غزة على أطعمة مغذية أو خدمات طبية مناسبة لأعمارهم"، مؤكداً أنّ "العواقب واضحة". أضاف أنّ في شهر مارس/ آذار المنصرم "أُبلغنا بأنّ طفلاً واحداً من بين كلّ ثلاثة أطفال دون سنّ الثانية، في شمال قطاع غزة، يعانون من سوء التغذية الحاد، وهو رقم تضاعف في خلال الشهرَين الماضيّين". وتابع شيبان أنّ "التقارير تفيد بأنّ العشرات من الأطفال في شمال قطاع غزة لقوا حتفهم بسبب سوء التغذية والتجفاف في الأسابيع الأخيرة، فيما يعاني نصف السكان من التجفاف ومن مواجهة انعدام الأمن الغذائي الكارثي".

الصورة
أطفال نازحون في القضارف شرقي السودان، في 20 مارس 2024 (فرانس برس)
في مخيّم نازحين في القضارف شرقي السودان، في 20 مارس 2024 (فرانس برس)

لا قدرة دائمة على الوصول إلى الأطفال في السودان

وتوقّف نائب المديرة التنفيذية لمنظمة يونيسف كذلك عند الوضع في السودان، وقال إنّه "يشهد أسوأ أزمة نزوح بين الأطفال في العالم"، مضيفاً أنّ "معاناة هؤلاء تفاقمت بصورة كبيرة" بسبب "العنف والتجاهل الصارخ للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية الضرورية من أجل حماية الأطفال من تأثير النزاع في دارفور وكردفان والخرطوم وخارجها". وبيّن شيبان: "نشهد مستويات قياسية من الحالات التي تتطلّب علاج سوء التغذية الحاد الوخيم، وهو النوع الأكثر فتكاً من (أنواع) سوء التغذية. لكنّ انعدام الأمن يمنع المرضى والعاملين الصحيين من الوصول إلى المستشفيات والمرافق الصحية الأخرى". كذلك أكد أنّ العاملين في المجال الصحي ما زالوا يتعرّضون لهجمات.

وتحدّث شيبان عن استنزاف النظام الصحي وإنهاكه، "الأمر الذي يؤدّي إلى نقص حاد في الأدوية والإمدادات (الصحية)، بما في ذلك المواد المنقذة للحياة، بسبب الانقطاع الحاد في نظام إدارة الإمدادات. والأسوأ من ذلك أنّ عدم قدرتنا على الوصول باستمرار إلى الأطفال الضعفاء يعني أنّ الحماية عن طريق حضورنا ببساطة أمر غير ممكن. ومخاطر الانتهاكات الجسيمة الأخرى قد تتصاعد من دون زيادة مصاحبة في قدرتنا على المراقبة أو الاستجابة".

كذلك، بيّن المسؤول الأممي أنّ الأوضاع تتدهور ويُمنع إيصال المساعدات الإنسانية على نطاق واسع في مناطق نزاع أخرى، بما فيها ميانمار. ولفت الانتباه إلى أنّ منذ إنشاء آلية الأمم المتحدة لمراقبة الحقّ في وصول المساعدات الإنسانية، فإن المنظمة الأممية تحقّقت من نحو 23 ألف حادثة مُنع في خلالها وصول المساعدات الإنسانية، بما فيها 15 ألف حالة جرى التحقّق منها على مدى الأعوام الخمسة الماضية و3931 حادثة في التقرير الأخير الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وهذا رقم مرتفع جداً.

المساهمون