إهمال لغة "الضاد" وخطر ضياع الهوية في مصر

إهمال لغة "الضاد" وخطر ضياع الهوية في مصر

30 يوليو 2015
في المدارس لم يعد للغة العربية تلك الأهمية (Getty)
+ الخط -
"الصوت يا أخوة بالراحة.. أريد أن أتذوق طعم الراحة.. وأنت يا أختاه اذهبي للداخل " 
هل تذكرك هذه الكلمات بأحد المهرجانات أو الأغاني الشعبية التي باتت تفرض نفسها على أذنيك، أينما كنت في الشارع أو أثناء التسوق في المحلات أو حتى داخل منزلك.. نعم، هو نفس المهرجان الذي تفكر فيه الآن، مهرجان فيلم الألماني "الصوت يا عالم بالراحة"، ولكن في ثوب جديد باللغة العربية الفصحى، ضمن عشرات من الأغاني التي قرر مستخدمو فيسبوك تحويلها إلى الفصحى، على سبيل الدعابة والمرح ولفت الأنظار للحال المتردي الذي وصلت إليه لغتنا العربية، وذلك من خلال صفحة تم إنشاؤها تحمل اسم "معا لتحويل الأغاني العامية إلى اللغة الفصحى".


الثورة التكنولوجية

ففي الفترة الأخيرة ومنذ سنوات، ساعد انتشار المهرجانات والثورة التكنولوجية في اعتماد الشباب قاموساً لغوياً خاصاً بهم ولغة موازية انتشرت كالنار في الهشيم بين الأجيال الجديدة، كادت تعصف بتعبيرات ومفردات الفصحى التي أصبحت مهجورة وغير مستساغة، وأصبحنا أمام خطر حقيقي يهدد لغتنا العربية ويهدد هويتنا، إذا اعتبرنا اللغة مقوماً أساسياً من مقومات الهوية ومرآة لقيم وثقافة متحدثها، ومن هذه الألفاظ على سبيل المثال "اشطة، هرشته، نفض لنفسك، خليك في كوزك لما نعوزك، خنيق، كانسل، طير أنت، مهيبر، فاصل" وغيرها من التعبيرات المستخدمة في الواقع المعاش أو العالم الافتراضي، والتي قد يفسرها الآباء بطريقة سلبية باعتبار بعضها يحمل إيحاءات وإيماءات غير لائقة، بينما لسان حال الأبناء "على المتضرر اللجوء للروشنة بدلا من حياة الستينيات".

ردا على انتشار هذه الألفاظ والمصطلحات اقترح الفنان اشرف عبد الباقي، مازحا في أحد برامجه ضرورة إنشاء وزارة تسمى " قل ولا تقل"، حفاظا على اللغة العربية وحتى لا تصبح هذه اللغة المختلطة والغريبة هي السائدة، على سبيل المثال، قل أنثى باهرة الجمال ولا تقل أوكشة، قل لا تعره انتباها ولا تقل نفض، قل هذا أفضل ولا تقل اشطة.

على حسابها الخاص بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، كتبت ندى "ماما هزقتني جامد بعد إنهائي لمكالمة تليفونية مع إحدى صديقاتي، والسبب أنها سمعتني أكرر كلمة "اشطة" أثناء المكالمة.. تخيلوا!!!".. وعبرت ندى في تعليقاتها عن شعورها بالضيق لأن أمها ترى في هذه الألفاظ قلة أدب، في حين ترى ندى أن كل هذا مجرد صراع أجيال.

فرانكو أراب

إن كان هذا هو حال لغة الحوار، فطريقة كتابتهم للعربية اتخذت منحى غريبا أيضا، فصاروا يكتبون العربية بأرقام وحروف لاتينية، فيما يعرف بـ "الفرانكو آراب" حتى صارت الحاء 7 والخاء 5 والرقم 3 يعبر عن حرف العين و 8 حرف الغين، والحمد لله تكتب l7l وما شاء الله MSA، كنوع من التميز والوجاهة الاجتماعية، وإن انتشرت هذه الكتابة على شبكات التواصل الاجتماعي وفي الدردشة ورسائل الهواتف الذكية، فقد خرج "الفرانكو آراب" من هذا الإطار ليغزو الشوارع في اللوحات الإعلانية وأسماء الشركات والمحلات الجديدة التي صارت تتخذ أسماء أجنبية أو أسماء مستعارة من لغة الشباب وتتبع الأسلوب نفسه في كتابة أسمائها.

التخلي عن العربية

في المدارس والجامعات لم يعد للغة العربية تلك الأهمية، وأصبح تعلم اللغات الأجنبية وإتقانها هو الأهم والمطلوب في سوق العمل، إضافة إلى ارتباطها بالرقي الاجتماعي، فانتشر التعليم الأميركي والفرنسي والألماني، وانتشرت الجامعات الأجنبية وتم تهميش اللغة العربية في هذه المدارس وتلك الجامعات، حتى أصبحنا في انتظار طبقات اجتماعية لا تنتمي إلى اللغة العربية فحسب، بل تتعالى عليها، وفاقدة للانتماء والاتصال الثقافي، وتنتمي للغات أجنبية، تتبع بلدانها فكريا، ولا تلقي بالا إلى أن الحفاظ على اللغة ضرورة قومية لضمان الحفاظ على هوية المجتمع.

وحتى وقت ليس بالبعيد، كانت الأفلام والمسلسلات لا تخرج عن الإطار الأخلاقي، وتذاع البرامج التليفزيونية باللغة العربية الفصحى، والآن، لا تخلو من تكرار ألفاظ شاذة ومصطلحات غريبة، أصبحت محل اقتباس وتقليد، كما في أفلام اللمبي وأحمد مكي اللذين نصبا نفسيهما ملوكا للغة "الروشنة"، وانتشرت مفردات اللغة العامية وأخرى دخيلة وغريبة في البرامج، هذا الهرج في التعامل مع اللغة خلق جيلا لا يتقن كتابة العربية، فانتشرت الأخطاء الإملائية التي لا تحصى على وسائل التواصل الاجتماعي وصار الغالبية يكتبون "أنتي" بدلا من أنت بالكسرة ويخلطون بين التاء المربوطة والمفتوحة، وغيرها الكثير، ناهيك عن الأخطاء النحوية الواضحة التي لا يكاد يخلو تعليق منها.

اكتب صح

وأشار رئيس مجمع اللغة العربية إلى أحقية المجمع في إحالة المخالفين إلى النيابة، إلا أن المجمع بدلا عن ذلك وفي سبيل الترغيب، أعلن في ديسمبر/ كانون الأول الماضي عن مبادرته لتقديم جوائز للهيئات الإعلامية التي تحافظ على اللغة وتحترمها، ونظرا لاستياء خبراء المجمع من الهبوط الواضح في استخدام اللغة العربية على مواقع التواصل الاجتماعي، أعلن فاروق شوشة، الأمين العام للمجمع عن جائزة قدرها 70 ألف دولار لأفضل تطبيق ذكي لتعلم العربية، وأخرى مثلها لأفضل مبادرة في استعمال شبكات التواصل الاجتماعي لنشر العربية.
ما يثير الإعجاب هو وعي شريحة من الشباب ممن أطلقوا عدداً من المبادرات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي لإعادة استخدام اللغة العربية بشكلها السليم، وإحياء تراثها، ومن هذه المبادرات، مبادرة "أكتب صح"، أنشأها الصحافي حسام مصطفى، لمراقبة أداء الإعلاميين، وكل المشتغلين بالكتابة، وعرض أشهر الأخطاء الإملائية والنحوية والأسلوبية، التي يمكن أن يقعوا فيها، وتقديم القواعد النحوية بأسلوب سهل.

وأخيرا، تشير الأبحاث إلى أن هناك خمسة آلاف لغة يموت منها 25 لغة سنويا، وأن 600 أخذت طريقها إلى الانقراض، فهل نحن في حاجة إلى حل سياسي وفرض عقوبات على المخالفين قبل أن نصل إلى هذه المرحلة من الخطر، أم أن عدد الناطقين باللغة العربية والمقدر عددهم بـ 422 مليوناً إضافة إلى الراغبين في تعلمها يقف سدا منيعا؟

(مصر)

المساهمون